أبرد الشتاءات في تاريخ إسطنبول

وصل الجنرال ثلج إلى إسطنبول مساء الجمعة الماضية، وضرب المدينة بلا رحمة تاركاً الكثير من الناس عالقين في الزحام لساعات وقد وصلت كثافته 90 بالمئة في ساعات الذروة.

سرعان ما غطى المدينة البساط الأبيض الناعم، بينما استمرت العاصفة في ضرب بقية المناطق في كامل التراب التركي، خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقد قرر الكثير من الناس البقاء في البيت للاستمتاع بالدفء، بعد أن أمنوا حاجياتهم من الأكل والشرب.

ولكن، رغم ما يملكه الإنسان اليوم من إمكانيات وتقنيات يواجه بها قسوة الطقس والأحوال الجوية الاستثنائية، إلا أن قوته تبقى محدودة.

وللشتاءات السيئة مع إسطنبول تاريخ طويل. ففي القرن الثامن ميلادي، عندما كانت لا تزال المدينة تحت الحكم البيزنطي، ضربت البلاد موجة برد قاسية جداً. ذلك الشتاء، كان جيشٌ من المسلمين يحاصر إسطنبول للمرة الثانية، فكان الطقس شديد البرودة سبباً في فك الحصار لحسن حظ البيزنطيين وقتها. يتحدث المؤرخ الانكليزي جون يوليوس نورفيتش عن شتاء عام 717/718 ذلك قائلاً: “كان أقسى شتاء يذكره بشر”.

وقد سجل المؤرخون منذ القرن الخامس حتى الثامن ميلادي، الشتاءات القارسة التي تسببت بالمجاعات والطواعين، مثل شتاء سنة 401، في عهد الإمبراطور فلافيوس أركاديوس.

أما المؤرخ العثماني، نجدت ساكوأوغلو، فيتحدث عن الشهر القاتل الذي حلَّ في إسطنبول شتاء 1573، وكذلك الشتاء عام 1621 و1754. ويصف المؤرخ كيف تجمدت المياه في القرن الذهبي وغطت طبقات من الجليد كامل المسافة من أوسكودار على الطرف الأسيوي حتى سراي بورنو على الطرف الأوروبي. وكان ذلك في عهد السلطان عثمان الثاني.

أما في عهد الجمهورية، فالمصادر والوثائق عن الشتاءات الجليدية أكثر، فهي متوفرة في الصور القديمة وفي صحف ذلك الزمان. وهناك إجماع أن شتاء 1929 كان من أسوأ ما شهدته إسطنبول. ولكن أيضاً مناطق كثيرة في البلقان حيث تجمد نهر الدانوب ووصلت قطع جليدية منه إلى مضيق البوسفور، عبر ذلك النهر.

ففي صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود مؤرخة شتاء 1929، نرى قطاراً مغطى بالثلوج كلية، ورجلين اسطنبوليين واقفين أمام كتلة عالية من الثلج يلوحان بقبعاتهما وهم واقفون فوق مياه البوسفور المتجمدة. ذلك الشتاء، هطلت الثلوج بلا توقف حتى تعطل النقل البحري والسكك الحديدية. وفي صورة أخرى لشتاء عام 1929 أيضاً، نرى شخصين ينظفان الطريق، في منطقة غوزتبه، وعلى جانبيهما يرتفع الثلج إلى ما فوق قامتيهما.

كذلك، هناك وثائق تتحدث عن شتاء عام 1954، وفيها صور مشابهة لشتاء 1929، ولمنظر مياه البوسفور وقد غطتها قطع الجليد والناس تمشي فوقها.

وفي عهد أقرب، ضرب إسطنبول في شهر آذار/مارس عام 1987 شتاء تسبب بشلل في الحركة. وقد سجل هطول الثلج سنتها أكثر من 60 سم. وهو عام لا يزال الكثير من أهل المدينة يذكرونه جيداً. إذ ضربت العاصفة المدينة لمدة أسبوعين كاملين؛ حتى كتبت إحدى الصحف على صفحتها الأولى “لم نر شيئاً كهذا منذ قرن”، بينما عنونت صحيفة أخرى صفحتها “إسطنبول تعيش حالة من هلع الثلج”.

ولذلك، الكثير من الاسطنبوليين يتجهزون للشتاء جيداً ولمفاجآته، حتى تظهر تباشير الربيع للعيان. عملاً بالمثل الشامي القائل “خبي خشباتك الكبار لعمَّك آذار”.

واليوم، مع بدايات 2017، الكثير من الناس لم يكونوا يتوقعون هذا الكم من الثلوج، ولم يتحضروا لهذا البرد.

ولكن، سواء أكنت من محبي اللعب بالثلج والتزلج عليه أو ممن يكرهون الثلج وبرده وبلله، هناك حقيقة واحدة هي أن إسطنبول تزداد جمالاً في الثلج.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.