دور الاستخبارات الإسرائيلية في صياغة القرارات الأخيرة ضد قطر

على غير العادة في مواقفها الغامضة وسياستها الحمالة أوجه؛ اختارت إسرائيل في الأزمة الخليجية الناشبة أن تصطف في المعسكر المعادي لدولة قطر.
ورغم أنه من المعروف عن السياسة الخارجية الإسرائيلية أنها تحرص على كسب كل الأطراف، وتعطي مواقف قد تبدو متناقضة تطبيقا لنظريتها الميكيافيلية المفرطة؛ فإنها هذه المرة أعلنت بشكل سافر: إسرائيل ضد قطر وتقف بجانب الحلف المعادي لها.

السطور التالية تسعى لتناول الموقف الإسرائيلي من قطع دول خليجية علاقاتها مع قطر، ولماذا تبدي إسرائيل ابتهاجها بهذه الخطوة؟ وما سر العداء الإسرائيلي للسياسة القطرية الإقليمية وتجاه القضية الفلسطينية بالذات؟ وهل ترى إسرائيل في قطر عقبة كأداء أمام تحقيق نفوذها الإقليمي؟
مواقف متلاحقة
لم تكد تصدر قرارات ثلاث دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، حتى بدأت ردود الفعل الإسرائيلية تخرج بالترحيب العلني بهذه الخطوة، باعتبارها تغييرًا مهمًا طرأ على طريقة تعامل دول المنطقة مع إسرائيل.

وأعلن أكثر من مسؤول إسرائيلي أن القرارات المقاطعة لقطر تعني أن هذه الدول باتت تعدّ إسرائيل شريكة -وليست عدوة- في الحرب ضد الجماعات الإسلامية وداعميها، بل إن هناك من المسؤولين الإسرائيليين من رأى في هذه الخطوة مقدمة لفتح الباب أمام إسرائيل للمشاركة في مكافحة ما تسميه الإرهاب، وزيادة فرص التعاون مع الدول العربية في قتاله.

القارئ لردود الفعل الإسرائيلية نحو الخطوة الخليجية ضد قطر، يخرج بخلاصة مفادها أن إسرائيل تعتبرها توجهاً جديداً بدأ يُرسم فـي الشرق الأوسط، ويفيد بتحول عداء العواصم العربية التي قطعت علاقاتها مع الدوحة من إسرائيل إلى قطر.
ويعزز ذلك تبني إسرائيل لرواية هذه الدول وتفسيرها بأنها مؤشر على أن هذه الدول باتت تدرك أن الخطر الحقيقي في المنطقة ليس إسرائيل، وهو ما يعزز إمكانيات التعاون مع هذه الدول بداعي محاربة الجماعات المعادية لإسرائيل.

ومن ذلك أن الاشتراطات التي تعلنها هذه الدول للتراجع عن قطع العلاقات مع قطر، تتضمن التوقف عن دعم الدوحة واحتضانها واستضافتها قادة المقاومة الفلسطينية (خاصة حركة حماس)، مما يجعل إسرائيل تُبدي تفاؤلا واضحا بالتأثيرات السلبية لهذه الحملة على الحركة الفلسطينية.
ولعل ما قد يفسر الترحيب الإسرائيلي بالخطوة الخليجية ضد قطر، هو ما يتردد بتل أبيب من أنها قد تؤدي إلى تغيير التوازن في الشرق الأوسط، في ظل الضغوط التي قد تمارسها إسرائيل وبعض دول الخليج مجتمعة على الولايات المتحدة لحسم موقفها ضد قطر.

ففي حين تضغط العواصم المجاورة للدوحة على واشنطن بورقة الاستثمارات الضخمة التي تعهدت بها مؤخرا للرئيس دونالد ترمب للسير على خطاها واتخاذ منحى عدائيا تجاه قطر؛ فإن تل أبيب تضغط عبر اللوبي الصهيوني وجملة المستشارين اليهود المحيطين بترمب لممارسة المزيد من الضغط على الدوحة.

إسرائيل المستفيدة
يبدو من الصعب -في تفسير الترحيب الإسرائيلي بالموقف الخليجي من قطر- القفز فوق مراسلات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، ودوره في التحريض على قطر وحماس في الوقت ذاته، وإقامته لشبكة علاقات وثيقة مع مؤسسات موالية لإسرائيل، مما يجعل الدور الإسرائيلي فيما حصل يتجاوز الترحيب والتهليل إلى التخطيط والترتيب.

إسرائيل -التي ربما لم تفاجأ بالقرارات المتخذة ضد قطر- وصفت هذه الخطوات بالهزة الأرضية التي ضربت الشرق الأوسط، وهي في انتظار تبعاتها المتوقعة، ومن أهمها إقامة محور إقليمي جديد تكون فيه إسرائيل هذه المرة بجانب الدول العربية التي قاطعت قطر.

“إسرائيل تبدي تفاؤلها بكتابة وسائل الإعلام التابعة لتلك الدول بشكل أكثر هجومية تجاه حماس من جهة، وبشكل أكثر تعاطفا مع إسرائيل من جهة أخرى، كما ظهر ذلك قبل أيام في الحوار الأول من نوعه بين القناة الثانية الإسرائيلية وأحد الباحثين السعوديين”

كل ذلك يجعل إسرائيل تخرج رابحة من هذه الأزمة عبر توثيق عرى التعاون والتحالف مع الدول التي قاطعت قطر، وإبراز القواسم المشتركة بينها، ولذلك لم تتباطأ الأوساط الإسرائيلية في الحديث عما رأته مكاسب من القرارات المقاطعة لقطر، معتبرة إياها تصب في خانة الأرباح والإنجازات.

ولعل أول المكاسب الإسرائيلية من التصعيد ضد قطر يتمثل في تضرر حركة حماس التي تستضيف قطر قيادتها السياسية، وهو ما يشكل لإسرائيل مصدر قلق وإزعاج، خاصة أن قطر مثلت للفلسطينيين خلال السنوات الماضية الرئة الكبرى والأهم في تقديم المساعدات المالية والاقتصادية.
كما سعت الدوحة لإبرام مصالحات عديدة بين الفرقاء الفلسطينيين، وكانت وما زالت محل اتفاق إلى حد كبير بينهم، وكل هذه معطيات ومؤشرات تجعل قطر عقبة كأداء أمام استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وإدامة الانقسام بين الفلسطينيين.
المكسب الإسرائيلي الثاني من الحملة الجارية على قطر يتمثل في أن تعزيز هذه القرارات الأخيرة المحور الذي بدأ يتشكل بين إسرائيل والدول العربية المقاطعة للدوحة، في ضوء المصالح المشتركة بينها في استهداف قطر.

ولأن الأخيرة دعمت حركة حماس، فإن الأزمة الحاصلة ستشجع تلك الدول على اعتبار الحركة عدوا مشتركا، وهو ما تبدى في تصريحات وزير الخارجية السعودي علانية وبدون مواربة، حين قال -خلال زيارته لفرنسا- إن على قطر التوقف عن دعم جماعات مثل الإخوان المسلمين وحماس.
بل إن إسرائيل تبدي تفاؤلها بكتابة وسائل الإعلام التابعة لتلك الدول بشكل أكثر هجومية تجاه حماس من جهة، وبشكل أكثر تعاطفا مع إسرائيل من جهة أخرى، كما ظهر ذلك قبل أيام في الحوار الأول من نوعه بين القناة الثانية الإسرائيلية وأحد الباحثين السعوديين.

مكسب ثالث تراه إسرائيل بدأ يتحقق من الأزمة الخليجية يتمثل في عودة واشنطن إلى المنطقة، لأن خطاب ترمب الأخير أمام أكثر من خمسين زعيما عربيا ومسلما، ودعوته فيه إلى طرد الجماعات المعادية، أثّر على دول المنطقة ودفعها للتحرك، لأن إسرائيل تشعر حاليا بعودة قوية لدور الولايات المتحدة الداعم للحلفاء، خلافا لفترتيْ ولاية الرئيس السابق باراك أوباما.

المكسب الإسرائيلي الرابع هو أن الأزمة قد تساعد إسرائيل في أن تكون بمأمن من العمليات المسلحة، ففي ظل ما تعانيه إسرائيل من مخاطر أمنية محدقة بها من سيناء وغزة والجولان ولبنان، فإن تعزيز التعاون الأمني القائم بين إسرائيل والدول التي اصطفت في جبهة واحدة ضد قطر، سيكون له تأثير إيجابي على إسرائيل.

تعتقد إسرائيل أن مكسبا سياسيا خامسا سيعود عليها بالنفع من هذه الأزمة، وهو الانشغال الإقليمي والدولي عن القضية الفلسطينية، فإسرائيل ستربح عندما لا تكون هذه القضية في بؤرة الاهتمام العالمي، وبالطبع عندما لا تصبح هي تحت ضغط.
وإذا كانت هناك دول عربية أكثر انشغالا بمعاداة قطر من الاهتمام بحل القضية الفلسطينية فسيقلل ذلك الضغط على إسرائيل، في وقت يحاول فيه الفلسطينيون تذكير المنطقة بأنهم يعيشون تحت احتلال إسرائيلي منذ نحو سبعين عاما.

محور الاعتدال “المعدل”
تزايدت الإشارات الإسرائيلية التي تحدثت عن دور استخباري إسرائيلي في صياغة القرارات الأخيرة ضد قطر، سواء كان بشكل مباشر أو ضمني، رغبة من إسرائيل في التقرب من محور الاعتدال العربي بنسخته الجديدة وفي أن توقف قطر دعمها للفلسطينيين.

ولعل ما يحصل اليوم نحو قطر من حملة معادية يمكن اعتباره عقابا إسرائيليا إقليميا مشتركا لها، لأنهم أرادوا أن يسفر الحصار المفروض على غزة عن خضوع الشعب الفلسطيني للإملاءات الإسرائيلية، ويرفع الراية البيضاء تسليماً لإسرائيل.

كما يبدو -من الصعب في ذروة التحريض الإسرائيلي على قطر القفز- عما تشكله قناة الجزيرة من مصدر إزعاج مزمن لدوائر صنع القرار في تل أبيب، فهي القناة القطرية التي تحافظ على مهنية وموضوعية مشهود لها بهما، لا يحولان بينها وبين الحرص على كشف الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، وإظهار المظلومية الفلسطينية أمام الجلاد الإسرائيلي.

ولعلها مفارقة غريبة وعجيبة أن تشكل الجزيرة القطرية بؤرة قلق وخوف لدى إسرائيل والدول المعادية لقطر في آن واحد معاً، وإن كان لكل أسبابه، لكن القاسم المشترك بينهم جميعا هو أن الجزيرة تعلن أنها كانت -وما زالت- منحازة للإنسان أياً كان.
ولعل ذلك ما أقلق هذه العواصم مجتمعة ومن بينها تل أبيب، وهو ما يفسر ترحيبها بالهجمة الحاصلة على الدوحة باعتبارها أكبر الرابحين منها، لأن ذلك ينذر بتهاوي المشهد العربي بصورة كاملة، وصولا إلى مرحلة تجزئة المجزَّأ وتفتيت المفتَّت.

عدنان أبو عامر
الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.