أسرار “سجن الأمراء”…كواليس التفاوض والتحقيق

لم يلبث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن نفذ وعيده الذي قال فيه إن أحدًا لن يُفلت من يد القانون ما دام متورطا في الفساد، أيا كان منصبه، خلال حوار تلفزيوني في مايو/أيار الماضي.

بدت الأمور تسير بشكل طبيعي منذ هذا التصريح لولي العهد، غير أن الكواليس كانت تخفي مفاجأة مدوية، فقد ‏أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، أمراً ملكياً بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة، وفقا لوكالة الأنباء السعودية.

 في اليوم ذاته، وبعد ساعات معدودة تواردت الأنباء عن احتجاز 11 أميرا، وعشرات الوزراء السابقين، و4 وزراء حاليين، على خلفية اتهامات بالفساد وغسل الأموال.ومنذ ذلك التاريخ، فرضت المملكة العربية السعودية سريّة تامة حول القضية، غير أن الوكالات والصحف الأجنبية استطاعت أن تشبع فضول الرأي العام العالمي بتفاصيل ما يجري داخل مقر الاحتجاز في فندق “ريتز كارلتون”، على لسان مصادر مطلعة.

الواقعة بدات بتنويه للنزلاء داخل الفندق الذي استضاف مؤتمر الاستثمار الرئيسي بالمملكة، قبل أيام من الاحتجاز، بأنه ليس هناك قدرة على استيعاب الضيوف “بسبب حجز طارئ من قبل السلطات المحلية، يتطلب مستوى عاليًا من الأمن”، على ما ذكرته رويترز.

في الوقت ذاته كان قد تم توجيه دعوة لعدد من الأمراء، لحضور اجتماعات، ومن بينهم الأمير متعب بن عبدالله، قائد الحرس الوطني الذي قيل له إن الامير محمد بن سلمان ينتظرك لأمر مهم، في حين جرى القبض على آخرين في منازلهم ونقلوا جوا إلى الفندق الذي تحول لمركز احتجاز، بحسب رويترز.

في نفس يوم الاعتقال، صدر أمر ملكي على وكالة الأنباء السعودية، بإقالة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله، ووزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه، وإحالة قائد القوات البحرية الفريق الركن عبد الله بن سلطان بن محمد السلطان الى التقاعد.

مرت ساعات الليل، وفي صباح الأحد، تعطل رقم الهاتف الخاص بـ”ريتز كارلتون” عن العمل، وفق ما نقلته وكالة أسوشيتيد برس عن مصدر حكومي، فيما لم تستجب المتحدثة باسم الفندق والمسوولون بالمقر الأساسي لسلسلة الفنادق فى دبي لطلب التعليق من الوكالة.

استمرت حالة السرية التي فرضتها المملكة حول القضية، وسارعت وسائل الإعلام الأجنبية بكشف بعض الأسماء، مثل الأمير الوليد بن طلال، والأمير متعب بن عبد الله، والأمير تركي بن عبد الله، وخالد التويجري، الرئيس السابق للديوان الملكي، والأمير فهد بن عبد الله، النائب السابق لوزير الدفاع.

 كما شملت القائمة عادل فقيه، وزير الاقتصاد وإبراهيم العساف، وزير المالية السابق، وعبد الله السلطان، قائد القوات البحرية، ـ وليد آل ابراهيم، مالك شبكة “إم. بي. سي” التلفزيونية، وبكر بن لادن، رئيس مجموعة بن لادن.وفي خضمّ السرية والتكتم الشديد حول تفاصيل القضية، كانت المصادر المطلعة، بمنزلة جنودٍ مجهولين في حرب إعلامية شرسة تسعى لاجتياز السياج الشائك المحيط بالفندق وما يجري فيه.

وعلى الرغم من تسريب العديد من الأسماء، رفضت الحكومة تقديم معلومات عن حالات فردية، مرجعةً ذلك إلى قوانين الخصوصية،

وقالت وزارة الإعلام السعودية، مساء الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني، إن “كل الأصول والممتلكات التي تشملها تحقيقات الفساد ستسجل باسم الدولة”، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية “فرانس 24”.

وبعد ذلك الإعلان بيومين، نشرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، صورة قالت إنها مسربة من مصدر حكومي، تُظهر الأمراء المحتجزين نائمين على الأرض فوق مراتب رقيقة، في غرفة واحدة، وقالت إن بينهم الوليد بن طلال.

مع اتساع الاهتمام العالمي بالقضية، وجدت السلطات السعودية ضرورة في الإفصاح عن بعض التفاصيل فأعلنت أنها أوقفت أكثر من 200 شخص للمساءلة في إطار حملة مكافحة الفساد.

وذكرت وزارة الإعلام السعودية في بيان: “أن 208 أشخاص استدعوا للمساءلة حتى الآن بينهم سبعة تم الإفراج عنهم بدون توجيه التهم إليهم. وأن الحجم المحتمل لممارسات الفساد التي كشف عنها كبير جدا”.

بدأت تقارير صحفية أجنبية، تشير إلى تقديم السلطات السعودية، ما وصفته بـ”صفقة الخروج الآمن” للأمراء ورجال الأعمال الموقوفين، في قضايا الفساد الأخيرة.

 ونقلت صحيفة “الفايننشيال تايمز” البريطانية عن مسؤولين سعوديين قولهما، إن السلطات عرضت على الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين، التنازل عن 70% من ثرواتهم، في مقابل إسقاط تهم الفساد عنهم.
وذكرت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية عن مصادر مطلعة القول إن عددا من رجال الأعمال والمسؤولين المحتجزين في فندق “ريتز كارلتون” بدأوا توقيع اتفاقات مع السلطات، لتحويل جزء من ممتلكاتهم، وذلك لتجنب المحاكمة.

في ذلك الوقت بدأ الحديث عن تعرض المحتجزين لإيذاء بدني أسفر عن نقل ستة أمراء إلى المستشفى بعد 24 ساعة من إلقاء القبض عليهم، بينهم الأمير متعب بن عبدالله، وفقا لما ذكره الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست على موقع “ميدل إيست”.

وقال أحد الأطباء وكذلك مسؤول أمريكي يتابعان الوضع، إن ما يقرب من 17 محتجزًا كانوا بحاجة إلى عناية طبية بسبب سوء المعاملة، فضلا عن عدم السماح لهم بالتواصل مع أسرهم أو استشارة محاميهم، بحسب تقرير على “نيويورك تايمز”.

وذكر موقع صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، اليوم الخميس، أن مرتزقة تابعين لشركة “بلاك ووتر” الأمريكية الأمنية، تمارس عمليات التعذيب والضرب بحق المحتجزين، وأن ولي العهد يأتي أحيانا للتحقيق بنفسه في بعض الأمور المهمة.

ونقل التقرير ذاته عن “بلاك ووتر” نفيها القيام بأي نشاط في السعودية هذه الأيام، مؤكدة أنها تلتزم بالقانون الأمريكي، الذي يعاقب من يقوم بهذه الأعمال بالسجن لمدة 20 عامًا.

غير أن السفيرة السعودية في واشنطن، فاطمة باعشن، اعتبرت كل ذلك عاريًا تمامًا عن الصحة، وقالت إن السلطات تسمح للمحتجزين باستشارة المحامين، كما تمكّنهم من التواصل مع عائلاتهم باستمرار، فضلا عن تقديم الرعاية اللازمة لهم، نظرا للظروف الصحية أو ظروف العمر.

وإزاء حالة السرية والتقارير الأجنبية، شدد خبراء في هذا النوع من القضايا على أهمية إضفاء الصفة القانونية على العملية، لمصلحة الدولة قبل كل شيء، من أجل استعادة الأصول التي يستقر معظمها في دول الخارج.وقالوا إن خصوصية القضية وغموضها يمكن أن يعوق الجهود اللاحقة لاستعادة تلك الأصول، إذا وجدت الحكومات الأجنبية التي ستتم مخاطبتها لاسترداد الأصول أن القضايا لم تستوفِ النواحي القانونية.

سبوتنيك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.