حول مكة والمدينة.. ضاع القوم بين العثمانيين و”أبو إيفانكا”

كما هو الحال عند كل خطب جلل يصيب الأمة، تقف تركيا الجديدة بكل ما أوتيت من قوة محاولة العمل لما فيه مصلحة هذه الأمة، ولكن وفي كل مرة تجد ضدها فئة غير بعيدة عنها، تناصر الباطل وتعادي الحق، والطامة الكبرى أنها تختلق الأكاذيب وتروج الفتن والأحقاد التي نهى عنها النبي العربي الهاشمي القرشي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وآخر هذه المسرحيات المكشوفة لكل ذي عقل وقلب، التصويب على الرئيس رجب طيب أردوغان، فقط لأنه رفض بيع العاصمة الفلسطينية القدس لـ”أبو إيفانكا” في الولايات المتحدة الأمريكية.

يصوّبون على الطيب أردوغان من خلال التعدي والتجني على أبناء الخلافة الإسلامية العثمانية، ظنا منهم أن اتهام أردوغان بأنه يقتدي بأجداده العثمانيين ويتفاخر بهم، هو اتهام معيب يقلل من قدر هذا الرئيس، والأمر في الحقيقة هو فخر وعز أن ننتمي لأولئك الأبطال الذين دافعوا عن الإسلام والإنسانية على مدى مئات السنين بعيدا عن القومية البغيضة والعصبية الخبيثة.

من باع القدس لـ”أبو إيفانكا” لن يحمي مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما تشرفت الخلافة الإسلامية العثمانية بحمايتهما وخاصة على يد القائد اللواء فخر الدين باشا الملقب بـ”نمر الصحراء”، الذي لقبه الإنكليز بـ”النمر التركي” لشدة دفاعه عن المدينة المنورة.

فخر الدين باشا، كان فخرا للدين بطلا مناضلا سجل التاريخ اسمه بأحرف من نور يستمد ضياءه من نور ساكن المدينة عليه الصلاة والسلام.

فخر الدين باشا، لم يكن ظالما ولم يكن قاتلا ولم يكن سارقا، ولم يكن خائنا، لم يبع المدينة المنورة كما بيعت القدس اليوم.

من هو فخر الدين باشا؟
كان فخر الدين باشا قائد فيلق في الجيش العثماني الرابع في الموصل يوم أن اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، استدعي عام 1916 إلى الحجاز للدفاع عن المدينة المنورة ضد الإنكليز.

يوم أن وصل فخر الدين باشا إلى المدينة المنورة، كان في قمة فرحه وسروره لأنه كان يحب حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

بقي القائد العظيم فخر الدين باشا في المدينة المنورة أكثر من عامين، لم يمر خلال هذه الفترة يوم واحد إلا وتشرف فيه بالموقوف أمام حضرة النبي عليه الصلاة والسلام زائرا ومصليا عليه وعلى صاحبيه العظيمين أبي بكر وعمر.

يوم أن سقط الحجاز بيد عملاء الإنكليز، بقي فخر الدين باشا رحمه الله، وحيدا مع جيشه الذي كان يقدر بنحو 15 ألف جندي، وسط حصار مطبق فرضه الجاسوس الإنكليزي “لورنس” وعملائه من خلال تدمير خط سكك الحجاز.

وخلال الحصار تعرضت المدينة المنورة لهجمات عديدة من عملاء “لورنس” مطالبين القائد العظيم فخر الدين باشا بالاستسلام إلا أنه كان في كل مرة يخرج منتصرا على العملاء ومصرا على حماية مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وبسبب اشتداد الحصار على المدينة المنورة، وخسارة العثمانيين على بعض الجبهات، أرسلت القيادة العسكرية لفخر الدين باشا بالانسحاب من المدينة، وبعد إلحاح كبير نفذ فخر الدين باشا الأوامر بحزن شديد وعميق.

خلال فترة الحصار، بدأ الطعام والدواء يقل في المدينة المنورة، وتفشت الأمراض، فجمع فخر الدين باشا ضباطه للمشورة، وكان المجلس في الروضة المطهرة عند صلاة الظهر.

وبعد الصلاة وقف القائد الكبير فخر الدين باشا متوشحا بعلم الخلافة الإسلامية العثمانية المطعونة في ظهرها مخاطبا الحاضرين وهو يبكي :”لن نستسلم ولن نسلم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا للإنكليز ولا لحلفائهم (العملاء)”.

ولكن الواقع كان مؤلما وليس كما كان يتمنى فخر الدين باشا، ما اضطره لتنفيذ الأوامر على مضد رحمة بأهل المدينة المنورة وأفراد الجيش، وبالرغم من ذلك رفض هو شخصيا أن يغادر المدينة المنورة وقال :”أنا سأبقى قرب مسجد النبي عليه الصلاة والسلام”.

لم يغادر المسجد النبوي إلا محمولا بفراشه قسرا من زملائه الضباط، وفي اليوم الثاني اصطف الجنود العثمانيون أمام المسجد النبوي، وكان كل جندي يدخل ويزور حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ثم يخرج باكيا.

هذا هو فخر الدين باشا رحمه الله تعالى، الذي يتبجح ضده البعض اليوم زورا وبهتانا وعدوانا، في محاولة لتزوير التاريخ وتشويه الحقيقة خدمة لأعداء الأمة وكرما لعيون “أبو إيفانكا”.

وفي الشأن نفسه، وبعد أن تشرفت الخلافة الإسلامية العثمانية بحماية مكة المكرمة والمدينة المنورة، انتعشت الأوضاع الاقتصادية فيها بفضل الأموال والمساعدات التي بدأت تدفقت من مختلف أنحاء الخلافة إكراما لهاتين المدينتين، فضلا عن الاهتمام الكبيرة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والأماكن المقدسة، وإدخال تنظيمات قانونية وبناء مؤسسات لإدارة شؤون الحجاز.

في عهد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، شهدت المدينة المنورة تطوّرات هامة أبرزها: بناء محطة الاتصالات اللاسلكية، إنشاء الخط البريدي بين إسطنبول بين والمدينة المنورة، بناء محطة الكهرباء العام والخط الحديدي الحجازي القادم من إسطنبول والمار في بلاد الشام.

واقع جديد أنعش الحياة في المدينة المنورة وسهّل وصول الزائرين إليها، كما نشطت الحركة التجارية وازدهر النشاط العلمي فتأسست الجامعة الإسلامية.

وفي مكة المكرمة اهتم العثمانيون كثيرا بشؤونها وأمورها على أكمل وجه، ولكن سأكتفي بذكر الأوقاف التي أوقفتها نساء السلاطين العثمانيين فقط دون ذكر أي أمر آخر، لنرى حجم اهتمام نساء العثمانيين بمكة والمدينة والحرمين الشريفين، وهذا الحجم يوضح لوحده حجم اهتمام الخلافة العثمانية بهاتين المدينتين المقدستين.

نساء كالرجال في ذلك الزمان لم يبعن الحرمين والمسلمين ولم يبعن القدس، على عكس الكثير من ذكور هذا الزمان باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، وليس هكذا فقط بل تجرأوا على الكذب بحق تلك السيدات العظيمات ورجالهن الأبطال وزمنهم العظيم الذي يتمنى كل مسلم شريف أن تعيش الأمة اليوم عزة وقوة كعزته وقوته.

ها هي زوجة السلطان أحمد الأول “ماه بيكر كوسام” وأم السلطانين مراد الرابع وإبراهيم الأول توقف أوقافا كثيرة للحرمين الشريفين مثل توفير احتياجات المياه على طريق الحجاج، وتوفير الإبل وتوزيع الملابس وتوفير الطعام للمسافرين.

أما خديجة طرخان سلطان والدة السلطان محمد الرابع فقد أوقفت أراض واسعة للحرمين لتأجير 65 من الإبل تحمل المياه والأمتعة لخدمة الحجاج، كما قامت بتنظيف الآبار الموجودة في طريق الحج.

كذلك خصصت خاصكي خُرم سلطان زوجة السلطان سليمان القانوني مطعمين خيريين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، تقدم الطعام يوميا للفقراء.

كما كانت السلطانة بزم عالم زوجة السلطان محمود الثاني ووالدة السلطان عبد المجيد الأول قد شرعت في بناء مستشفى خيري في مكة المكرمة، لكنها توفيت قبل إتمامه فأتمه السلطان عبد المجيد الثاني.

أما بورتينيال والدة السلطان عبد العزيز وزوجة السلطان محمود الثاني، فقد أدخلت إصلاحات وخيرات كثيرة على مستشفى الفقراء في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأمرت بتوظيف أطباء متخصصين على حسابها.

كما أوفقت شمس رُخسار، زوجة السلطان مراد الثالث، ثلث أموالها للحرمين الشريفين في مكة والمدينة.

هذا مثال بسيط وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم، نعم العثمانيون خدموا كل أرض وصولوا إليها حاملين راية الإسلام والحق والعدالة، ولم يبيعوا شرفهم ولا أراضيهم ولا مقدساتهم، وتشرفوا بخدمة مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتشرفوا بحماية آثرهما وتخليصهما من يد الإنكليز المحتلين وعملائهم الذين كانوا ينوون محو آثار النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام بحجج واهية وفتاوى إنكليزية.

مع الأسف، لقد ضاع اليوم القوم بين العثمانيين العظماء وما قدموه بكل شرف وامتنان وفخر لمكة المكرمة والمدينة المنورة وبالتأكيد للقدس (عاصمة فلسطين اليوم)، وبين “أبو إيفانكا” الذي سرق أموال المسلمين في وضح النهار دون أن يتجرأ أحد من هؤلاء القوم على إنكار هذا الباطل حتى بمجرد شعور في قلبه أو تغريدة أو منشور، مقابل تجرئهم على أسيادهم خلفاء المسلمين نسل من نال شرف مديح رسول الله عليه الصلاة والسلام.

أين زمن هذا نعيش فيه، ينقبل فيه الباطل حقا، والحق باطلا؟! أي زمن هذا نعيش فيه تزويرا علنيا للتاريخ ومحاولة لضرب خلافة إسلامية عظيمة امتد عمرها لنحو 600 عام؟! كل هذا الحقد فقط لأن أردوغان يقف اليوم وحيدا أمام المشروع الدموي الخبيث المرسوم لمنطقة الشرق الأوسط؟!

أيها القوم، استيقظوا وكفاكم ضياعا فإن الحق واضح فاتبعوا، والباطل واضح فاجتنبوه وإلا فإن قعر التاريخ النتن العفن هو مصيركم أمام الشعوب العظيمة المنتفضة اليوم نصرة للعاصمة الفلسطينية القدس ضد قرار “أبو إيفانكا” ودولة الاحتلال والإرهاب “إسرائيل”.

بقلم الصحفي – حمزة تكين

 

ملحوظة:

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي تركيا الان

2 تعليقات
  1. عبد العظيم خيري يقول

    يكفي أن العثمانين جاءوا بالإسلام ومن أجل الإسلام واستماتوا دفاعا عن الإسلام والمسلمين والمقدسات وغيرهم جاء من خلال الانتداب الإنجليزي وتم تتويجهم شيوخ وملوك بواسطة الاستعمار الإنجليزي وأصبحوا عملاء لهم ولمن بعدهم من يهود وامريكان ينفذون مخططاتهم في تدمير الاسلام والمسلمين ونهب المقدسات

  2. العربي يقول

    المسلسلات التركية بلا شك رائعة وتبث روح العزة والنصر ولكن لو حاولنا التمعن بها سنجد أنها درامية جدا ومبالغ بأحداثها بطريقة خيالية فحينما كان الجندي العثماني لا يملك ثمن كسرة خبز بالحرب العالمية الأولي والكثير كانوا يحاربون بأحذية عسكرية ممزقة والشوك ينخر أقدامهم و يحصلون علي وجبة برغل واحدة باليوم علي الجبهات العربية والفقر ضارب حبائله في كل المنطقة وجيوشهم منهزمة علي معظم الجبهات تجدهم يعرضون قصصا و أفلاما من البطولات الخيالية الشخصية لشخصيات المسلسلات التركية بغض النظر عن صحة الأحداث التلريخية العامة مع تمجيد و تهويل مبالغ فيه و ممل للعنصر التركي وإنكار أي شيئ عربي مهما كان رغم تداخل العناصر العربية و رموزها بقوة بالحدث التركي كونها منطقتهم و من المنطقة العربية خرجت الفتوحات و الحضارة و العلوم الإسلامية ومنها أخذ الأتراك دينهم و عليها بنيت الحضارات الإسلامية المتعاقبة,حتي أنه لو لاحظتم جيدا بالحلقة العاشرة لمسلسل كوت العمارة الشبة خيالي ببطولاته الفردية و ليس بالوقائع التاريخية ستجد أن العنصر العربي أهين بطريقة غير مباشرة و عرض العربي كأنه خائن أو جبان ولم تذكر بطولات العرب في حرب كوت العمارة وتعمد معدي المسلسل إخفاء أو تبديل الكثير من الأحداث و الوقائع لخدمة المشروع التركي,ولم تعرض الوقائع التاريخية بأمانة بالذات عن إنهيار المنظومة الأخلاقية و العسكرية للدولة العثمانية في سنواتها الأخيرة وأصبح كل الأتراك وطنيون أبطال يهجمون علي الموت وباقي شعوب الأرض أرانب خائفة ومهزومة ,طبعا مسلسل قيامة أرطغل ذو الألف ألف حلقة حدث و لا حرج حتي منتجي أفلام الخيال العلمي وكرتون الأطفال عجزو و إستحوا من إنتاج عمل بهذا الكم من الخيال الخارق للطبيعة والتاريخ وهنا أيضا أستبعد أيضا العنصر العربي و كأن ألف عام من البطولة و العلوم العربية غير موجودة بنظر منتجي مسلسلات التاريخ التركية,أعلم تماما كم هو مهم عند أردوغان و حزب العدالة أن يعيدوا صياغة التاريخ التركي وإعادة بث روح الوطنية عند الشعب التركي ولكن ليس بهذه الصورة الخيالية وليس بتزوير التاريخ وصنع بطولات خيالية خارقة للطبيعة,لاحظوا مسلسل كوت العمارة وكيف عرض العربي و كأنه خائن وجبان وغبي وكيف زورت الوقائع عن سياسة التتريك وفساد و بطش الأتراك بالمناطق العربية المحتلة بالذات بالسنوات الأخيرة من تركيا العنصرية,في الحلقة الثانية عشر الجندي العثماني مولود يطلق النار علي قدمه متعمدا لكي يحارب جندي بريطاني مصاب هو الآخر بقدمه ألقي القبض عليه مصابا لأنه من وجهة نظر الشرف العسكري التركي أن لا تضرب جريحا مصاب حتي لو كان عدوك والمضحك أنهم كانوا بالصحراء وتعلمون ما يعني دخول رصاصة في القدم من مسافة قريبة وكيف تخرج بتحطيم العظم ولكن البطل مولود و لربما نسي المخرج بعد إجهازه علي الجريح المصاب يكمل طريقه وبدون علاج ويكمل مع رفقائه و كأنها نخزة باعوضة وليست رصاصة أخترقت العظم ,القائد سليمان إتفق مع عمر بإجتماع العشائر أن يطعنه في يده أمام العشائر لكي يثبتوا أنه معارض للعثمانيين,طبعا السكينة الحربية إخترقت يد المسكين عمر ولكن بعدها بيوم يسأله القائد سليمان عن حاله فيجيب أنه بأحسن حال ويستمر عمر وكأن يده مصنوعة من مطاط بدون دم و أربطة و أعصاب,يا الله لغباء الأتراك وغباء القائمين علي أعمالهم الفنية,مسلسل محمد الفاتح وعلي الرغم أن الأب الروحي والفعلي لمعركة فتح القسطنطينية وهو شيخ و مؤدب السلطان محمد هو شمس الدين بن حمزة العربي من نسل الصحابي أبي بكر وبقوة أقل معلم و شيخ مجاهد آخر من أصل عربي إلا أن المخرج أهمل كل هذا ولم تذكر كلمة أو إشارة واحدة عن المجهود والعنصر العربي في تنشأة وتجهيز السلطان محمد لفتح القسطنطينية و سياساته التوسعية,إن تاريخ وتأثير العرب وفضلهم كبير علي الأتراك والعثمانيون ولكنهم مستبعدون عمدا وبدافع عنصري من الأعمال الخيالية التاريخية التركية مع كل حبي و تقديري للإخوة الأتراك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.