تركيا والأونروا.. التحديات والفرص

تركيا الان

عشية تسلم تركيا رئاسة اللجنة الاستشارية للأونروا في تموز يوليو القادم من هذا العام نعتقد أن هناك ثمة تحديات وفرص يمكن الوقوف عليها لا بل من الأهمية بمكان وضعها على طاولة البحث لاسيما في ظل هذا المنعطف الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية وفي القلب منها ملف اللاجئين الذي يشكل جوهرها وعمودها الفقري.

اليوم وبعد الوضوح والجلاء التام لأهداف ومرامي الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة ترامب والسعي الحثيث لتطبيق ما يسمى بصفقة القرن والتي بدأها بإجراءات وممارسات عملية لشطب ثابتين أساسيين من ثوابت الشعب الفلسطيني عبر قراره المتعلق بالقدس وكذا تخفيضه للدعم المالي للأونروا بما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على قضية اللاجئين لابد من اجتراح آليات للصمود والمواجهة لوقف هذا المشروع التصفوي.

يسجل لشعبنا الفلسطيني إبداعه في مسيرات العودة الكبرى فكرة وممارسة وتوقيتاً وقد قيل في ذلك الكثير من حيث التميز والإبداع وعلى كافة المستويات.
ما نحتاجه حقيقة اجتراح آليات ووسائل عمل تضاف وتراكم على مسيرات العودة الكبرى وغيرها من إنجازات للحفاظ على ثوابت الشعب الفلسطيني عبر طرق كل سبل وأوجه النضال المسلح والشعبي والدبلوماسي والإبقاء على كل الخيارات مفتوحة بما يخدم القضية الفلسطينية شعباً وأرضاً.

وبالعودة للموضوع الرئيسي المتعلق بتركيا والأونروا فإننا نرى أن تَسلّمْ تركيا للجنة الاستشارية للأونروا بحد ذاته فرصة يمكن الاستثمار فيها دون أن ننفي وجود عقبات وتحديات قد تقلل من حجم هذا الاستثمار.

ربما التوقيت بحد ذاته يشكل تحدي لاسيما أنه يأتي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي وإن بدا أنها محسومة لصالح الرئيس أردوغان وحزبه إلا أن مجرد حدوثها بشكل مبكر قد يجعل هناك حاجة لدراسة وبحث أعمق .

قبل أيام زار المفوض العام للأونروا بيير كرينبول تركيا والتقى الرئيس أردوغان وعقد معه خلوة مدتها ٥٠ دقيقة بعيداً عن وسائل الإعلام ثم رشح عن اللقاء إيفاء تركيا بتعهد مالي سابق يقضي بدعم الأونروا بمبلغ ١٠ مليون دولار مع وعود باستمرار الدعم وزيادته بما يبقي على خدمات هذه المؤسسة لا بل ويرتقي بها من منطلق إسناد القضية الفلسطينية من جهة وكذا الدفع قدماً والمراكمة على الدور الذي تضطلع به تركيا على مستوى دعم المشاريع الخارجية عبر مؤسسات تركية عملاقة مشهود لها في هذا الباب كالهلال الأحمر التركي ووكالة “تيكا” على سبيل الذكر لا الحصر.

بناء على ماسبق فإن الحكومة التركية تتطلع لا بل وتمارس دعماً لفلسطين وشعبها وقد ظهر ذلك جليا في أكثر من مناسبة وربما ترنو تركيا حكومة وشعباً ومؤسسات مجتمع مدني لدور ريادي وقيادي في هذا الصدد وهنا تلوح فرصة أمام صناع القرار الفلسطيني منطلقها التعالي على المصالح الحزبية والفئوية للمساهمة في إنجاح مهمة تركية وتسهيل ذلك بما يشجعها على تقديم نموذج رائد خلال فترة رئاستها للأونروا وبما يحافظ على هذه المؤسسة من حيث الدور السياسي والإنساني لها لما لذلك الأمر من انعكاس إيجابي على القضية الفلسطينية برمتها.

تركيا بلد طموح وقدمت تجارب ناجحة في أكثر من صعيد وأصبح لديها الآن رصيد مهم وغني في ما يتعلق بقضايا اللجوء بعد استضافتها لملايين اللاجئين من العرب والمسلمين نتيجة للأحداث والأزمات التي عصفت في بلدانهم و لاجئي فلسطين بحاجة ماسّة لأي جهد مساند وداعم وقد يكون من المفيد إطلاق ورش عمل مشتركة بين الجانبين لتذليل أي عقبات أو تحديات تحول دون ممارسة تركيا لدورها في فترة رئاسة الأونروا لاسيما أن تركيا هي الرئيس الدائم لمجموعة العمل الخاصة بتمويل الأونروا، وهي واحدة من الأعضاء الأربعة المؤسسين للجنة الاستشارية للأونروا.

الكرة في مرمى الكل الوطني الفلسطيني فالجميع مسؤول ولا يمكن إعفاء أحد من واجباته تجاه هذه الفرصة التي تلوح في الأفق ولن ينفع الندم أو التباكي بعد ضياعها .

بقي القول وخلال كتابة هذه السطور فإن قوافل اللاجئين الفلسطينيين من مخيم اليرموك ومخيمات وتجمعات جنوب دمشق قد وصلت تباعاً إلى مناطق محاذية للحدود الجنوبية التركية شمال سورية في رحلة نزوح جديدة ونكبة متجددة وقد واجهت هذه القوافل صعوبات أعاقت عمليات الاستجابة السريعة والصحيحة و السليمة للمعاناة الكبيرة .

كما ويقطن جنوب تركيا وفي بعض محافظاتها لاجئون من فلسطينيي سورية والعراق جراء الأزمات التي ألمّت بهذه البلاد وهو ما يستدعي رفع وتيرة التنسيق مع الجهات المختصة التركية وتقديم شروحات كافية عن أوضاعهم القانونية والاجتماعية والاقتصادية وعلاقة مفوضية اللاجئين والأونروا بهم وولايتها عليهم كاستحقاق لا يجوز التنصل منه وربما يشكل هذا الأمر اختباراً جدياً وتحدياً رئيسياً لكلا الطرفين .

ماهر حسن شاويش – كاتب وباحث سياسي مختص في الشأن الفلسطيني والسوري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.