انعكاسات التدخل الدولي في الانتخابات التركية

منذ الإعلان عن موعد الانتخابات في تركيا، اتخذت وسائل الإعلام الغربية موقفاً منحازاً ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب “العدالة والتنمية”.

كما بذلj قصارى جهدها من أجل التأثير على توجهات الناخبين الأتراك الموجودين في أوروبا، وقد كان للصحافة الألمانية قصب السبق في هذا المضمار.الموقف المتحيز لم ينحصر بوسائل الإعلام فقط، بل تعدى ذلك إلى المواقف الرسمية أيضا، حيث اتخذت بعض الدول الأوروبية إجراءات صارمة، منعت من خلالها المسؤولين الأتراك من اللقاء بأبناء الجاليات التركية والتواصل معهم في بلدانها قبيل الانتخابات، حتى اضطر حزب “العدالة والتنمية” إلى عقد مهرجانه الانتخابي في البوسنة والهرسك، حيث تقاطر عشرات الألوف من الأتراك من شتى الأقطار الأوربية إلى مدينة “سراي بوسنة”، لحضور المهرجان الذي أقامه حزب “العدالة والتنمية”، والاستماع لخطاب الرئيس أردوغان.

في موقف متشدد، ذهبت بعض الحكومات الأوربية، في طليعتها الحكومة الألمانية، إلى اعتبار لقاء أردوغان ومسؤولي حزبه بالجالية التركية في أوروبا، انتقاصاً لسيادتها الوطنية. قد يكون موقف هذه الدول مقبولاً في حال الوقوف على مسافة واحدة من جميع الكيانات السياسية التركية، وانتهاج موقف موحد من جميع الأحزاب والتيارات السياسية التركية.

أما أن يكون الموقف انتقائيا، فيسمح للبعض، حتى لو كان متهما بالإرهاب، ويمنع آخرون حتى لو كانوا شخصيات سياسية بارزة معتبرة، ثم يعلل ذلك بالسيادة الوطنية، فهذا تناقض واضح، لا يمكن تفسيره إلا بالنظر من خلال زاوية إديولوجية، ما يدل على استمرار التفكير بعقلية صليبية لدى كثير من السياسيين الأوروبيين.

وإلا فما معنى السماح لتنظيم “بي كا كا” الإرهابي بنصب خيمة في حديقة مبنى الاتحاد الأوربي في بروكسل، في الوقت التي يتم فيه منع قيادات حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومي”، اللذين حصلا على تأييد 53.6% من الشعب التركي، من مزاولة أي نشاط أو تواصل مع جالياتهم ؟!.

من الطبيعي أن يؤدي النظر بعين واحدة انطلاقاً من منظور إديولوجي إلى انخفاض المعايير والقيم الصحفية المهنية، خصوصاً عندما يتم تسخير الصحافة ووسائل الإعلام لأهداف سياسية تخدم المصالح الإمبريالية للدول الكبرى.

هذا ما رأيناه في حالات عديدة، منها التغطية الإعلامية الأمريكية والبريطانية لما بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وقد بلغت ذروتها في التقارير الإخبارية الغربية عن الانتخابات التركية التي اتسمت بالتحيز والإثارة والتشهير في غالب الأحيان.

مجلة “لوبوان” الفرنسية وصفت الرئيس أردوغان بالدكتاتور، ودعت الناخبين الأتراك المتواجدين في فرنسا إلى عدم التصويت له. أما صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية فقد نشرت مقالاً تحليلياً، بعنوان “اندفاع أردوغان للسلطة يُحدث فوضى جديدة”.

مجلة “ذي إيكونوميست” هي الأخرى اتخذت موقف عدائيا من الرئيس أردوغان، فخصصت عددا وضعت فيه على غلافها الخارجي صور عدد الحكام الذين وصفتهم بالمستبدين، بينهم الرئيس أردوغان، وجعلت العنوان الرئيسي للعدد ” كيف يدمر المستبدون الديمقراطية”.

مجلة “دير شبيغل” الألمانية، “جاءت لتكحلها عمتها”، كما يقول المثل الشعبي، إذ أرادت مهاجمة أردوغان، فأساءت للعالم الإسلامي بأسره، وذلك عندما وضعت صورة أردوغان على غلافها الخارجي ومعه مآذن على شكل صواريخ!.

أليس هذا إساءة للدين الإسلامي، واتهاما بالجملة لعموم المسلمين بالإرهاب؟!.

هذا غيض من فيض، وأمثلة محدودة على الطريقة والأسلوب الذي تتعاطي الصحافة الغربية مع الانتخابات في تركيا، وإلا فالأمثلة كثيرة، وتشمل معظم الدول الغربية.

 أسلوب الغرب في شيطنة من لا يدور في فلكهم

تعتمد الاستراتيجية الغربية في شيطنة القوى المنافسة لها على الساحة الدولية، كما يقول الأكاديمي جورج لاكوف، على خطوات تبدأ باختصار الأمة بشخص قائدها، وتعريفها من خلاله، ثم يتم التركيز بشكل منتظم على هذه النقطة، عبر بث المشاعر السلبية ضد القائد المعني، الذي يتم تصويره كعدو للغرب والحضارة الغربية.

هذه الحرب النفسية تشن على الرئيس أردوغان منذ أن بدأ بتطبيق المشاريع العملاقة الطموحة، التي دخلت ستة منها ضمن المشاريع العشر الأكبر على مستوى العالم.

 كيف كانت ردة فعل الناخب على الحملات الاعلامية الغربية ؟

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن قال إن “كتابة سيناريوهات يوم القيامة حول الاقتصاد التركي، وتمجيد إرهابيي بي كا كا، والتزلّف لأعضاء منظمة غولن، وإفساح المجال لمزاعم لا أساس لها من جانب أعداء الرئيس رجب طيب أردوغان، اللدودين، لن تثني الناخبين الأتراك عن التصويت لصالح أردوغان في 24 حزيران”.

بلغ عدد الناخبين خارج تركيا 3.047.323 ناخبا، صوت منهم 1.486.408 ناخبا، بنسبة مشاركة اعتبرت تاريخية، أدلوا بأصواتهم في 123 ممثلية دبلوماسية.

دعونا نلقي نظرة على نتائج الانتخابات في البلدان التي أظهرت موقفا سلبياً متشدداً ضد أردوغان وحزبه. هل تأثر الناخبون الأتراك بالدعاية المضادة سلبا أم إيجاباً ؟

نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ألمانيا وأوروبا

تعتبر ألمانيا أكبر خزان انتخابي خارج تركيا، إذ تقطنها جالية تركية يقارب عددها ثلاثة ملايين نسمة. حيث بلغ عدد الناخبين الأتراك، الذين أدلو بأصواتهم في ألمانيا، 717.992 ناخبا، موزعين على 1638 صندوقاً انتخبييا، بنسبة مشاركة مرتفعة بلغت 45.7%.

على صعيد الانتخابات الرئاسية، حاز الرئيس رجب طيب أردوغان على نسبة 64.8% بينما حصل منافسه محرم اينجه على نسبة 21.9% فقط. أما على صعيد الانتخابات البرلمانية، فقد حصل اتفاق الشعب على 65.1% من أصوات الناخبين، منها 55.7% حصة حزب “العدالة والتنمية”، بينما لم يحصل اتفاق الأمة سوى على نسبة 19.7% فقط، منها 15.6% لصالح حزب الشعب الجمهوري.

هذا يشير بوضوح إلى أن الدعاية المضادة والحملات الإعلامية السلبية، التي تولت تدبيرها دير شبيغل وأخواتها، أعطت مفعولاً سلبياً، فبدل أن ينفض الناخبون عن أردوغان صوتوا له ودعموه.. الأرقام لا تحابي أحداً.

نتائج الانتخابات في عموم الأقطار الأوروبية لم تبتعد كثيراً في نسبها عن نتائج ألمانيا، لكن توجهات الناخبين في البلاد التي التزمت الحياد كانت لصالح أحزاب المعارضة في الغالب، في كندا والسعودية وغيرها.

صحيح أن هناك عوامل أخرى لها تأثير مباشر في ترجيحات الناخبين وتوجهاتهم. لكن حقيقة التأثير السلبي للحملات الاعلامية المضادة للرئيس أردوغان التي قامت بها الصحافة الغربية، هي الأخرى حقيقة لا يمكن التغافل عنها أو نكرانها.

 

.

محمد عثمان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.