كاتب تركي: هذه الخيانات التي عاشتها الدولة العثمانية آخر أيامها

نشرت صحيفة “فكرييّت” التركية مقال رأي للكاتب والباحث والبروفيسور، أحمد آغيرأكتشا، تحدث فيه عن التاريخ الحقيقي للخيانات التي حصلت في الأيام الأخيرة للدولة العثمانية.

وقال البروفيسور في مقاله، إن جميع الشعوب التي عاشت في ظل الدولة العثمانية، حاربت ببسالة كبيرة ضد القوى الاستعمارية خلال الحرب العالمية الأولى. ويظهر ذلك جليا في حرب “تشنق قلعة” التي منعت الدول الغربية من احتلال إسطنبول، وارتقى خلالها نصف مليون شهيد، جاؤوا من مختلف الدول على غرار سوريا وفلسطين وغيرهما.

وأضاف الباحث أن المقاتلين العرب قاتلوا بشراسة في صفوف الجيش العثماني الرابع تحت قيادة جمال باشا في سوريا، وهو ما ظهر في مذكرات هذا القائد، الذي ذكر أن جميع الجنود في الجيش من العرب والأتراك قاتلوا ببسالة كبيرة، جنبا إلى جنب، تسودهم روح الأخوة والإيثار والتسابق نحو الشهادة، ولم يكن هناك أي خائن داخل الجيش من المقاتلين العرب من الفلسطينيين والسوريين، ولم يفر أي منهم من المعركة.

وأشار البروفيسور إلى أن الخيانة الحقيقية تمثلت في تشكيل الجمعيات القومية والعرقية التركية منها والعربية، ورغم أن هذه الجمعيات والجماعات بيّنت حرصها في الظاهر على وحدة العالم الإسلامي، إلا أنها في حقيقة الأمر كانت تحمل داخلها عداءً كبيرا للدولة العثمانية،  وقد كانت “جمعية الاتحاد والترقي” تتحدث عن مبادئ الحرية ومواجهة الاستبداد، وتحرير الشعوب، لكنها بعد 6 أسابيع فقط من وصولها للحُكم، سعت بكل قوة إلى فرض اللغة التركية على جميع الشعوب، وعملت على تتريك الدولة في جميع مفاصلها وفي مختلف أماكن نفوذها.

وانطبق الأمر ذاته على الجماعات القومية العربية، التي اجتمعت في دمشق في آذار/مارس سنة 1915، وأعلنت نيتها القتال إلى جانب الدولة العثمانية ضد الدول الأعداء، ولكنهم سرعان ما عملوا من خلف الكواليس، تحت قيادة الأمير فيصل، على التعاون من الإنجليز، مقابل قبول هؤلاء بشروط العرب.

ونقل البروفيسور ما كتبه جمال باشا في مذكراته حول عمق العلاقة التي كانت تربط بين العرب والأتراك خلال الحرب في الدفاع عن الخلافة والدولة العثمانية، لكن مجموعات معينة من الطرفين سعت إلى تفريقهم، ونشر بذور الفرقة والخلاف، ما كان يُنبئ بسقوطهم جميعا، لكن، سرعان ما تغيّر الأمر لدى جمال باشا الذي ظهر بعدها على حقيقته، وقام بإلقاء القبض على مجموعة من الطلبة العرب الذين قدموا لتلقي تعليمهم في دمشق، ونقلهم إلى محكمة عسكرية أقامها في لبنان في نيسان/ أبريل سنة 1915، ولم يطّلع أحد على سير إجراءات المحاكمة العسكرية وتداعياتها، ولم يعرف أحدا التهم الموجهة لهؤلاء الطلبة، ليقوم جمال باشا على إثرها بإعدام عشرة منهم في الساحة العامة في بيروت.

ولسائل أن يسأل؛ ما الذي دفع جمال باشا إلى تغيير أفكاره التي تحدث فيها عن أهمية وحدة الشعوب العربية والأتراك، ومدحه لقتالهم سويا جنبا إلى جنب؟ وما الأساليب التي استُخدمت مع جمال باشا حتى يتحول إلى هذه الصورة الوحشية؟

وقال البروفيسور إن البعض يعتقد أن فشل حملة جمال باشا العسكرية في قناة السويس هي التي دفعته إلى القيام بهذه الجرائم، لكن البعض الآخر يشير إلى أن الشباب الذين أعدمهم جمال باشا كانوا على صلة بالسفراء الغربيين، لكن الواقع هو أن ما قام به جمال باشا يعدّ انعكاسا لفكر جمعية الاتحاد والترقي، التي وضعت الخطط من أجل تأجيج الحقد والكراهية بين العرب والأتراك، لتحقيق غاياتها.

وأكد البروفيسور أن المجموعات العربية التي قادت عصيانا ضد الدولة العثمانية لم تكن تحظى بشعبية كبيرة، ولم تكن تُمثل الشعوب العربية، والأمر ذاته ينطبق على “جمعية الاتحاد والترقي” التي لم تمثل الدولة العثمانية ولا السلطنة العثمانية على الإطلاق، لكن النقطة السلبية المُحزنة في هذا الصدد، هي أن الشعوب جميعها بقيت صامتة واكتفت بمراقبة تطورات الأحداث.

وفي الواقع، تطورت الأمور حتى وصلت بجمعية الاتحاد والترقي للتقارب بشكل كبير من الدول الغربية، وكنتيجة لهذا التقارب، وقعت الجمعية اتفاقية تعاون مع بريطانيا في 15 حزيران/ يونيو سنة 1914، التي كانت تعني تخلي الدولة العثمانية عن نفوذها في البحرين وحضرموت وعدن، وكذلك في الكويت، وكان ذلك يعني أن الدولة العثمانية وافقت، تحت قيادة جمعية الاتحاد والترقي، بمحض إرادتها على تقليص نفوذها وسيطرتها في هذه المناطق، والأمر نفسه قام به جمال باشا مع فرنسا.

فضلا عن ذلك، انطبق الأمر ذاته على الجماعات العربية، التي اعتقدت أنها بتعاونها مع الدول الغربية تحقق ما فيه خير لقومياتها العربية، وأن الدول الغربية ستلتزم بوعودها تجاهها، كما قامت جمعية الاتحاد والترقي، عبر ممثليها على غرار جمال باشا وطلعت باشا، بالتعاون مع الدول الغربية بمن فيها ألمانيا وفرنسا، ووقعت اتفاقيات عديدة معها، لكن النتيجة كانت كارثية، حيث تسببت جمعية الاتحاد والترقي، وكذلك المجموعات القومية العربية بسقوط جميع بلاد الدولة العثمانية تحت الاحتلال والاستعمار.

وفي الختام، أكّد الكاتب أن خيانة الدولة العثمانية في أيامها الأخيرة كانت على يد مجموعات قومية، رفعت شعارات الحرية ومقاومة الاستبداد واختبأت خلفها، ولكنها في الواقع مارست كل أنواع العنف والاستبداد، وتسببت في سقوط الدولة العثمانية وتمزقها وتفرق شعوبها، وسيطرة القوى الامبريالية عليها.

.

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.