هذه مسيرة سلجوقية وعثمانية وجمهورية.. افتحوا أعينكم وانتبهوا!

لقد صار إيقاف تركيا مستحيلا، فلا يمكن من الآن فصاعدا وضعها تحت الوصاية أو إجبارها على تنفيذ أوامر أحد؛ إذ لن تستطيع أي قوة؛ سواء أمريكا أو إسرائيل أو دول أوروبا، أن تستعبد تركيا، ولن تتمكن تلك القوى من وضع تركيا تحت المراقبة سواء من خلال تدخل خارجي أو بأيدي “محتلي الداخل” من الذين يروج لهم داخليا.

ذلك أن تركيا، التي تعتبر واحدة من القوى المركزية العالمية، ليست بحاجة أصلا لأي من علاقات التبعية أحادية الجانب هذه، ولن تحتاج لشيء كهذا كذلك مستقبلا.

امتنعت واشنطن عن تسليم طائرات إف-35 وفرضت حظرا على بيع السلاح لتركيا، كما حاولت دول الاتحاد الأوروبي التدخل في الانتخابات والتأثير في نتيجتها ونفذت حصارا سريا، وأما إسرائيل فقد اتخذت موقفا وأضلت عقول شركائها في الداخل، كما استغلت تلك القوى بعض الدول العربية لينفذوا مخططاتهم، وحرضوا كذلك التنظيمات الإرهابية للتعاون معهم… لكن كل هذا لن يسفر عن شيء، فلن يكون لذلك أي قدرة على التأثير في تركيا وقراراتها، ناهيكم أصلا عن وضعها تحت الوصاية.

لن نتحدث عن العالم، بل العالم هو الذي سيتحدث عنا

سنرى عقب انتخابات 24 يونيو/حزيران دولة أغلقت ملف الجدل الداخلي وانفتحت بالكامل على المنقطة والعالم، سنرى دولة تركز على المنطقة والعالم لا على شؤونها الداخلية وحسب، سنرى قوة تزيد من تحركاتها الإقليمية الاستثنائية لا دولة تصارع قضاياها الداخلية، سنرى دولة لا يثار الجدل حولها داخليا، بل سيتحدثون عنها في الخارج.

سنرى تركيا تقضي على الإرهاب في منبعه لا تحاول هزيمته على أراضيها، ولن نرى دولة تتعرض لعمليات في الداخل، بل سنرى دولة توجه إمكانية إجراء العمليات إلى الخارج. لن نرى دولة تدافع عن نفسها داخل حدودها، بل سنرى دولة تدافع عن نفسها في الخارج عند مصدر التهديد.

لن نتحدث عن العالم، بل العالم هو من سيتحدث عنا. لن تكون تركيا من اليوم فصاعدا دولة تتحرك وفق مخططات البعض، بل دولة تتحرك وفق مخططاتها الإقليمية والعالمية، وستكون الفترة المقبلة مرحلة تنتهي بها صلاحية عبارة “وماذا تقول الولايات المتحدة؟ والاتحاد الأوروبي؟ وإسرائيل؟” وتخسر قوتها وقدرتها على الإقناع، لتكون مرحلة يقوى بها الصوت الذي يقول “ماذا ستقول تركيا؟”.

عندما نسير سيسير الشرق الأوسط وسيتغير التاريخ، صدقوني!

سيكون يوم 24 يونيو/حزيران هو اليوم الذي يعود فيه تحرك الإرادة التي تصنع التاريخ منذ أيام السلاجقة والجينات السياسية التي تحافظ على الكيان القائم والمستمر منذ عهد الدولة السلجوقية مرورا بالدولة العثمانية وانتهاء بالجمهورية التركية، وسيكون كذلك اليوم الذي تكتمل فيه المرحلة الأخيرة من التغيير القائم في هذا الإطار.

ولهذا السبب عليكم مساندة هذا الصعود الكبير الجديد، انضموا إلى الإرادة والمسيرة الأناضولية الثالثة الكبرى التي تصنع التاريخ، ولا تنسوا أن عندما نسير في هذا الاتجاه سيتبعنا البلقان والقوقاز وبلاد الرافدين وجميع دول المنطقة. وعندما نسير سيتغير التاريخ مرة أخرى، وسترسم ملامح المنطقة من جديد، وستسير مرة ثانية الروح السلجوقية والعثمانية والجمهورية. فهذا ما عشناه على مدار ألف عام، وهو ما سيتكرر مستقبلا.

لا مكان للهوية السياسية.. هذا سيكون كجسر الصراط

لا تنخدعوا بالألاعيب المضللة التي تروج لها منظمة غولن الإرهابيّة، وبي كا كا والتنظيمات الإرهابية التابعة لها، لا تنخدعوا بالعمليات الذهنية التي ينفذها أنصارهم السريون في الداخل، كما لا تنخدعوا بالأجندات السرية لما يسمى بـ”المعارضة المحافظة”. لا يغرنكم الحسابات والامتعاضات الشخصية لأحزاب المعارضة التي لا تزال تعيش في عالم ما قبل 30 عاما ولا تستطيع تقديم أي شيء اليوم، ولا يغرنكم الحسابات الخبيثة الواردة من الدول الأطلسية وتلك التي يروج لها من ناحية الجنوب.

إنها تصفية حسابات تاريخية، تصفية حسابات بين القوى والحضارات، إنها واحداة من أصعب الاختبارات التي خضعنا لها على مدار تاريخنا الممتد لألف عام، وهو ما يشبه جسر الصراط.

لا يمكن أن يكون لهذا هوية سياسية أو عرقية أو مذهبية، كما لا يمكن أن يكون تحيزا سياسيا على هامش فترة ما بعد الحرب الباردة. إنها دعوى تركيا وتصفية حسابات تاريخية، كفاح لجعل تركيا تحجز لنفسها مكانا في قلب العالم الجديد، محاولة لنقل طموحاتنا التي يعود تاريخها إلى مئات السنين إلى حاضرنا.

لم يعد أمامنا شرق ولا غرب، بل نحن المركز

ولهذا السبب لم يعد هناك شرق ولا غرب ولا شمال ولا جنوب بالنسبة لنا، لم يعد هناك أوروبا ولا آسيا. جميعهم موجودون، لكن من في المركز، لدينا منطقتنا وحساباتنا وطموحاتنا وذاكرتنا ومُثلنا وحماستنا وكفاحنا.

علينا ألا نختزل هذا الكفاح العظيم في شخص واحد أو نلقي بظلالنا عليه أو حتى نضحي به في سبيل استياءات شخصية لبعض الأحزاب والزعماء السياسيين. إن الانتخابات المقبلة ليست قضية حزب ولا مسألة سلطة ضيقة أو عبارات سياسية محدودة الأفق، فهي ليست انتخابات عادية، بل خيار وتصويت على مصير هذه الأمة.

إنها مسألة اتخاذ قرار بشأن مستقبل تركيا وما إذا كانت ستنمو وتكبر أم ستنكمش، وهذه هي النتيجة الحقيقية لتلك الانتخابات. وإذا كان الأمر كذلك، فنحن أمام مسألة وطنية تاريخية، مسؤولية الوقوف تحت مظلة محور الوطن.

عمليات درع الفرات وغصن الزيتون وقنديل هي وقع أقدام تركيا

وعليه، يجب على الجميع أن يقرر ما إذا كان يقف في صف تركيا أو يقف ضدها في صف العمليات الدولية. فهذا قرار مصيري، ولا يمكن إخفاء هذه الحقيقة بعبارات فارغة تضلل العقول. كما لا يمكن لأحد أن يحول دون استفاقة الجينات السياسية التي يمتد تاريخها لألف عام من خلال الغضب والاستياء الشخصي.

إن عمليات درع الفرات وغصن الزيتون وقنديل هي وقع أقدام تركيا، وسيكون هناك المزيد من العمليات، بغض النظر عن رد فعل العالم، لأنه يجب تنفيذ تلك العمليات. وعندما نادينا قبل عامين بقولنا “يجب على تركيا التدخل في المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط غربا إلى حدود إيران شرقا مهما كلف الأمر، حتى وإن كان يعني الانتحار”، اتهمونا بأننا “نحرض على الحرب” وقادوا ضدنا حملات تشويه. نعلم جميعا من نسّق لهذا، لكننا نؤثر الصمت في الوقت الحالي.

خط الموصل – حلب هو خطنا الدفاعي

بيد أن ذلك لم يكن ليمنع حدوثه، فتركيا لم يكن أمامها أي خيار آخر سوى أن تعزز قدراتها، فلم يكن لها أن تقف موقف المتفرج، لأنها كانت ستنهار في اللحظة التي تقف فيها. والآن صار جليا أننا ليس لدينا خيار آخر سوى أن نتواجد في ذلك الحزام الواقع بين البحر المتوسط غربا وحدود إيران شرقا بغض النظر عن الدول والتنظيمات الموجودة به.

إن المنطقة الواقعة بين الموصل وحلب تعتبر منطقة أمان بالنسبة لتركيا، ولا يمكن إهمالها دون استقرار بأي حال، ولو صارت غير مستقرة فعلى تركيا الإشراف عليها؛ إذ ستمنح الظروف الإقليمية والدولية تركيا المسؤولية عن هذا الفراغ.

سنرى أن هذا سيتحقق على هذه الشاكلة خلال السنوات القليلة المقبلة. وستكون مدن عين العرب والقامشلي والحسكة ومخمور هدفا لتركيا لأنها تقريبا هي الأماكن التي تنفذ فيها عمليات الإرهاب الدولي والتدخلات الأجنبية. ولا شك أن تركيا ستنفذ تدخلاتها هناك.

مسيرة أردوغان: المسيرة السلجوقية والعثمانية والجمهورية

إن مسيرة الرئيس أردوغان هي مسيرة سلجوقية، مسيرة عثمانية، مسيرة جمهورية، مسيرة تركيا المستقبل. فالجميع يدرك ذلك سواء أصدقاؤه أو أعداؤه. فأعداؤه في الداخل يستهدفونه لأنهم يعلمون هذا، وأما الأعداء الخارجيون فيستهدفونه لرغبتهم في “إيقاف تركيا”.

إنها مسيرة مصيرية لهذه الأمة، مسيرة الأناضول والمنطقة بأسرها. فمتى نهض الأناضول، نهضت المنطقة ليتغير مجرى التاريخ، وهذا ما سيحدث هذه المرة كذلك، وسيرى كل من ينظر إلى تاريخنا الممتد لألف عام أن هذا يتحقق.

افتحوا أعينكم.. إنها حرب استقلال ودفاع عن القدس

إن انتخابات 24 يونيو/حزيران ستكون لحظة قرار مصيري، وهي لا تختلف شيئًا عن الدفاع عن القدس والمدينة المنورة، وجنق قلعة ومعركة الاستقلال التي خضناها عقب الحرب العالمية الأولى. ربما يعتبر البعض ما أقوله مبالغا فيه، لكن الأمر كذلك إذا ما وضعنا باعتبارنا مستقبل تركيا والمنطقة والعالم. ذلك أننا لو توانينا عن ترسيخ دعائم هذا الأساس اليوم وفشلنا في اتخاذ قرار من أجل تركيا القوية وتحولنا إلى ساحة ينفذ فيها البعض مخططاته؛ لن نستطيع الدفاع عن تلك المناطق مرة ثانية. ولهذا فإن القرار الذي سنتخذه اليوم سيضع حجر الأساس لهذا الدفاع.

افتحوا أعينكم… لا تنخدعوا بالعبارات التافهة والوعود الوردية ومحاولات تضليل الأذهان. راجعوا التاريخ وانظروا إلى كفاح الماضي. اتخذوا قرارًا بشأن المستقبل. قدموا الدعم والقوة للجيل والكادر المؤسس اليوم.

ذلك أننا لو فوتنا هذه الفرصة، فلن يعطونا الفرصة لمائة عام مقبلة، كونوا واثقين من ذلك…

ابراهيم كراجول + يني شفق

المقال يعبر عن راى الكاتب 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.