هل تحاول سياسة كليجدار أوغلو السخيفة إشغال أردوغان؟!

هناك فجوة وتفاوت كبيرين بدءا بالظهور بين الدور الذي تلعبه تركيا بقيادة الرئيس أردوغان، وبين الأمور التي تضطر للانشغال بها على صعيد السياسة الداخلية. ليس هناك أحد حتى الآن تمكن من إثارة النقاش حول النظام العالمي القائم الآن بظلمه وقباحته.

التعبير بكلمة إثارة النقاش قليلة، لقد تحدّى (أردوغان) نظام الأمم المتحدة من داخل مقرها، ولم يكتف بفعل ذلك عبر خطاب أو خطابين، لقد أسس لذلك من خلال سياسة تركيا وموقفها الوطني. لقد أثبت أن قوته آخذة في الازدياد على الرغم من هذا النظام العالمي، وأنه قائد له صوته المسموع. اليوم وعلى صعيد الشرق الأوسط، عندما تدخل تركيا على الخط ضمن أي نزاع، فإن جميع الموازين تتغير، ويضطر الجميع لإعادة ترتيب مواقعهم بناء على ذلك.

في قطر عندما دخلت تركيا وجد الجميع أنفسهم مذهولين وقد راحت خططهم هباء منثورا.

السياسة التي كانت قائمة في البحر المتوسط على تهميش تركيا وعدم أخذها بعين الاعبتار، وجدت مصيرها الزوال بمجرد عقد تركيا اتفاقًا مع ليبيا، لتغرق سياسة الاستعمار في مياه المتوسط. الآن على الرغم من صراخهم وعويلهم في الظاهر، إلا أنهم في الواقع أدركوا جيدًا أن هذه السياسة لم تعد تنفع، وأن عليهم إعادة التموضع بناء على ما فرضته تركيا.

إن العمليات التي خاضتها تركيا على الأراضي السورية من درع الفرات وغصن الزيتون حتى نبع السلام، قد ألقت بخطط بعض الدول تجاه المنقطة كانت تعمل عليها منذ ستين عامًا؛ ألقتها في سلة النفايات. الآن تركيا تضع ثقلها من جديد في سوريا، وعليه فإن الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وإيران ودول الخليج تعيد رسم أوزانها من جديد.

في نهاية المطاف لن يحصل في سوريا إلا ما تقوله تركيا، لأن تركيا كما في أي مكان تتحرك وفق أحقية ومشروعية. وإنها إذ ترتكز على هذه الأحقية، فإنها تعزز ثقلها وقوتها وتأثيرها، وتفرض على الجميع قبول أطروحاتها المحقة سواء بالقوة الناعمة، أو المسلحة إن اضطر الأمر.

إن الخروج في وجه إسرائيل وضد صفقة القرن التي أعلنتها، يحتاج إلى شجاعة لا سيما وأن داعميها كثر؛ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والبحرين والعديد من الدول الأوروبية. بالطبع الشجاعة وحدها لا تكفي، بل هناك قوة مادية أيضًا تتمثل في قوتك كصاحب حق والوقوف وراء كلمتك. وجميعها موجودة في تركيا. بالنسبة للدول العربية فإن تلك القوة المادية موجودة، إلا أن هناك انبطاحًا لا يتناسب معها. حينما تفتح باب الزنزانة على من أرواحهم أسيرة ومستعبدة، فلن يكون بمقدورهم الفرار والخلاص. ولذلك السبب، فإن صفقة القرن لا تأخذ قوتها من الذين يدافعون عنها، بل من جبن ومذلة أولئك الذين ينبغي عليهم معارضتها، هذا طبعًا إن لم يكن لديهم نوايا سيئة أخرى تكمن في الإيمان بالقضية..

إن موقف أردوغان من هذه القضية يحظى بتأثر بالغ، يتجلى في الاستقبال الرفيع اللائق والخاص الذي يلقاه خلال زياراته لبعض الدول. خلال زيارته إلى باكستان مؤخرًا، أثنى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، على ضيفه أردوغان ولقد جسد الحقيقة حينما قال ما معناه، أن أردوغان لو خاض انتخابات في باكستان لفاز دون منازع وبنسبة عالية.

هذا الحجم الذي تتمتع به تركيا على صعيد السياسة العالمية، مع الأسف يبدو أنه ليس موجودًا بنفس المستوى والجودة على صعيد السياسة الداخلية لها. إن الأمر المتوقع من المعارضة، أن تكون متلائمة نوعًا ما مع هذا الوزن العالمي لتركيا، مع القوة التي وصلت لهاغ، مع الدور الذي تتمتع به من حيث كونها أملًا للمظلومين حول العالم، ومفتاحًا لحل الأزمات.

بكل تأكيد لا نعني أن على المعارضة أن تتفق مع السلطة في أي قرار أو خطوة، بل بالتأكيد عليها أن تقوم بالاعتراض الشديد في العديد من القضايا التي تراها أنها خاطئة. لكن حين النظر إلى أرض الواقع، نجد أن معارضة الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة التركية) عبر القضايا التي تقوم بإثارتها، قد تحولت إلى بنية بعيدة كل البعد عن تركيا كدولة وشعب.

أي نوع من أحزاب المعارضة يمكن أن يكون حزب الشعب الجمهوري، وهو الذي يقيم صلة الوصل مع كل خصوم تركيا الحقيقيين، ويتشاور معهم للعمل ضد الحزب الحاكم؟ إن زعيم الحزب كليجدار أوغلو يبدو في صداقة مع كل خصوم تركيا خلال السنوات الأخيرة؛ الأسد وحفتر والسيسي، غير مكترث بسبب الخصومة الحقيقية بينهم وبين تركيا، لأنهم قاتلون وظالمون وديكتاتوريون يخاصمون شعوبهم، ويلهثون وراء السلطة مهما كان الثمن.

طبعا الفجوة والتفاوت بين وضع السياسة والخارجية والداخلية لا يقف عند هذا الحد، بل ما يتم ترديده أيضًا في الآونة الأخيرة من أقاويل حول انقلاب عسكري، يعتبر أكبر شاهد على هذا التفاوت فضلًا عن أنه دليل آخر على العمل سوية مع منظمة غولن الإرهابية.

لماذا مثلًا كليجدار أوغلو تحديدًا يردّد مثل هذه الأقاويل، باعتباره الشخص الأكثر بروزًا في خدمته مصالح غولن الإرهابية؟.

إن هذه بكل تأكيد محاولات لتشتيت نظر أردوغان وإهدار طاقته عبر محاولة إشغاله في قضايا داخلية سخيفة، في الوقت الذي يسطر فيه سياسة غير مسبوقة ولا مثيل لها على المستوى العالمي. يتساءلون فيما بينهم؛ أردوغان الذي لم نستطع تنحيته ولا الفوز عيله، هل يمكننا النجاح هذه المرة بهذه الطريقة؟.

إنها لخطة محكمة بالنسبة لهم أو بنظرهم، إلا أنهم أخطؤوا مرة أخرى في حساباتهم حول أردوغان. لماذا؟ عليهم أن يدركوا الجواب هم بأنفسهم.

.

ياسين اكتايبواسطة/ ياسين اكتاي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.