مشروع السيل التركي.. عامان من التجاذبات يتكللان بتوقيع اتفاق روسي تركي

بعد جهود دبلوماسية دامت عامين اثنين شهدت العديد من اللقاءات والأطروحات والخلافات، نجحت الدبلوماسية التركية في توقيع اتفاق مشروع خط الغاز الطبيعي “السيل التركي” مع الحكومة الروسية. ويهدف المشروع الذي سيرسم خارطة صادرات الغاز خلال الفترة المقبلة، إلى نقل الغاز الروسي لأوروبا.

وبتوقيع الاتفاق، تكون أنقرة بدأت رسمياً الاستفادة من ثمار جهودها الدبلوماسية على مدار عامين، لتكون مركزاً عالمياً للغاز الطبيعي. ووقع وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي براءات ألبيراق ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، الإثنين الماضي، اتفاق “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا. وجرى التوقيع، في مراسم أقيمت بحضور الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحفي مشترك في قصر “مابين” باسطنبول.

ويتكون مشروع “السيل التركي” من خطين لأنابيب نقل الغاز بسعة 31.5 مليار متر مكعب. على أن يُخصص أحد الخطين لنقل الغاز إلى تركيا لتلبية احتياجاتها، والخط الثاني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. وطرأت فكرة مشروع السيل التركي على الساحة الدولية للمرة الأولى عندما أعلن بوتين في 25 مايو/ أيار 2014، أن بلاده قررت أن يمر خط السيل الجنوبي لنقل الغاز إلى أوروبا عبر دولة ليست عضواً بالاتحاد الأوروبي.

وعقب القرار، أعلنت روسيا مطلع ديسمبر/كانون الأول 2014، إلغاء مشروع خط أنابيب “السيل الجنوبي”، الذي كان من المفترض أن يمر من تحت البحر الأسود عبر بلغاريا إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا.

وجاء الإلغاء بسبب موقف الاتحاد الأوروبي الذي يعارض ما يعتبره احتكاراً للمشروع من قبل شركة الغاز الروسية “غازبروم”.

و قررت روسيا مد أنابيب لنقل الغاز عبر تركيا لتصل إلى حدود اليونان، وإنشاء مجمع للغاز هناك، لتوريده فيما بعد للمستهلكين جنوبي أوروبا.

و صرح مدير شركة غازبروم الروسية “ألكساي ميلر” أن خط الغاز الجديد سيضخ إلى أوروبا بسعة تبلغ 63 مليار متر مكعب سنوياً.

وعقب ذلك بأيام، وتحديداً في 11 ديسمبر/كانون أول، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي حينها تانر يلدز، أن أنقرة وموسكو اتفقتا على تسمية المشروع الجديد بـ”السيل التركي”. وحينها، اتفق البلدان أن 47 مليار متر مكعب ستذهب إلى أوروبا، فيما سيخصص 16 مليار متر مكعب للاستهلاك التركي.

و مطلع فبراير/ شباط 2015، أطلق الجانب التركي والروسي الدراسات الفنية للمشروع.

وفي 8 من الشهر نفسه، قام يلدز وميلر بجولة استقصائية في مروحية انطلقت من اسطنبول، لتحديد المسار المحتمل للمشروع على ساحل البحر الأسود حتى معبر “إيبسالا” الحدودي مع اليونان.

وفي 26 يونيو/ حزيران من نفس العام، أفادت غازبروم أنها أنهت الدراسات الهندسية لجزء المشروع الذي سيمر من تحت البحر الأسود. لكن المشروع شابه بعض الخلافات في نقاط فنية، وأخرى متعلقة بالجانب المالي بين تركيا وروسيا أدت إلى التوقف قليلاً.

وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إنَ “ثمة تعديل جرى على المشروع ليصير خطين فقط وليس أربعة خطوط كما كان متفق عليه سابقا، بحجم اجمالي يبلغ 31.5 مليار متر مكعب سنويا”.

و أضاف نوفاك أن الخط الأول من المشروع سيُخصص لتركيا وحدها، وسيمدها سنوياً بـ 15.75 مليار متر مكعب ، بينما الخط الآخر سيُخصص لباقي الدول الأوروبية.

وعلى خلفية حادث إسقاط تركيا مقاتلة روسية من طراز “سوخوي – 24″، في نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، لدى انتهاك روسيا المجال الجوي التركي عند الحدود مع سوريا، بولاية هطاي جنوبي البلاد، شهدت العلاقات بين أنقرة وموسكو توتراً كبيراً أدى إلى تعليق المشروع تماماً.

وبدأت بوادر تطبيع العلاقات التركية الروسية، عقب إرسال الرئيس التركي رسالة إلى نظيره الروسي، نهاية يونيو/حزيران الماضي، أعرب فيها عن حزنه حيال إسقاط الطائرة الروسية، وتعاطفه مع أسرة الطيار القتيل. وتبعتها بأسابيع قليلة، زيارة أردوغان، في آب/أغسطس الماضي، إلى روسيا، حيث اتفق الطرفان على تنفيذ مجموعة من الإجراءات الملموسة، بهدف دفع علاقاتهما نحو الأمام بالسرعة المنشودة.

ويعد مشروع السيل التركي أبرز الموضوعات التي ناقشها أردوغان مع بوتين خلال لقائهما الأول، عقب أزمة إسقاط المقاتلة الروسية. وعقب ذلك، أعلن وزير الطاقة الروسي نوفاك في تصريحات صحفية، أنه يبحث عن قرب مع نظيره التركي مشروع السيل التركي. و لفت إلى إمكانية إنشاء الخط الأول من المشروع في النصف الثاني من عام 2019.

وفي 31 أغسطس/آب الماضي، عقد وزير الطاقة التركي ألبيراق، اجتماعاً مغلقاً مع وفد من شركة غازبروم الروسية وتم في اللقاء، وضع آخر اللمسات ومناقشة أحدث الدراسات الفنية حول المشروع. وفي 9 أكتوبر الحالي، أعلن نوفاك أن روسيا وتركيا ستوقعان قريباً اتفاق مشروع السيل التركي. وتكللت الجهود السابقة، الإثنين، بتوقيع الحكومة التركية والروسية الاتفاق.

وتعد تركيا ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا، إذ تستورد نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً عبر خطي أنابيب “بلو ستريم” الذي يمر تحت البحر الأسود الشرقي و”الخط الغربي” عبر البلقان.

يشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا وصل إلى 35 مليار دولار سنوياً، قبل الأزمة، لكنه تراجع خلالها إلى ما بين 27 و28 مليار دولار، بحسب تصريحات رسمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.