حقًّا ماذا حصل لكِ يا سوريا الجميلة؟

محمود ايرول كيلتش
قديمًا كانت هناك أغنية شعبية للمغني تشولبان كلماتها ” ماذا حصل لك يا تركستان الجميلة.. ذبلت زهورك فجأة دون أي سبب”. كنا نسمعها أيام شبابنا ونتأثر منها كثيرًا. واليوم وبعد سنوات من انتظار إعادة ازدهار ورود تركستان بدأت أتمتم تلقائيًا نفس الكلمات ولكن في هذه المرة عن سوريا ” ماذا حصل لك يا سوريا الجميلة…” وذلك كلما أسمع أخبارًا عن ديار الشام.
مع العلم شيخنا محي الدين بن عربي اقام في الشام في الفترة الأخيرة من عمره وتوفي فيها وذلك بعد أن استند إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “طوبى للشام، إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها”. وقبره الآن في جبل قاسيون.
أعزائي، أنا اليوم في حالة سيئة جدًا. وكما يقولون: ” أنا في حالة لا أتمناها حتى على أعدائي” . طيلة ثمان سنوات بموجب عملي أتنقل بين محافظتي اسطتبول و طهران. أي أقضي نصف الشهر هناك والنصف الآخر من الشهر هنا. أشاهد ما يحصل في سوريا على شاشات التلفاز من منزلي في اسطنبول من تدمير النظام السوري وتفجير المدارس وأشاهد أشلاء الأطفال ومن ثم أتمعن بتعليقات أهل السنة على تلك المناظر. وكوني سنّي تركي ألعَنُ هذه الوحشية.
ثم أذهب إلى طهران. وهذه المرة أشاهد النشرة المسائية من هناك. أشاهد كيفية قبض عناصر تنظيمي القاعدة وداعش السنيون (؟) لعناصر الشيعة وكيفية قتلهم (من دون تشفير) بكامل الوحشية. مشاهد مريعة من نزع قلب الضحية حيًا وحرقه حيًا لحد الموت و ترجي الضحايا وصرخاتهم وكثير من المشاهد المريعة التي تؤدي إلى تقشعر البدن. حاولت أن أضع نفسي مرة مكان شخص سني ومرة مكان شخص شيعي. وفكرت بماذا كنت سأفعل. ولكنني أصل لدرجة الجنون وأعيد اللعنة في الطرفين. أي قلب يستطيع تحمل هذه الوحشية؟ مع العلم أن لدي المئات من هذه الأمثلة التناقضية.
ولكن لحظة أعزائي، هناك شيء غريب.
يخدعوننا!..
الإعلام هنا لا ينشر الخبر الذي يُنشر هناك، والإعلام هناك لا ينشر الخبر الذي يُنشر هنا. كل طرف ينشر ما يحدث ضد عناصر مذهبه ولكنه يشفّر ما يقوم به هو. يخدعون الشعب بنشرهم لطرف واحد فقط. كما أننا نشاهد هؤلاء الذين يزعمون بأنهم رجال دين تلك الرجال الجاهلون من أهل الريف يدعون إلى تطبيق أفعال معاكسة للآية الكريمة ليكونوا “أشداء بينهم ورحماء على الكفار” وطبعًا بعد أن يثبتوا دعوتهم بروايات مفبركة و موضوعة حول اخوانهم “في الدين”. وهؤلاء الذين عكسوا هذه الآية الكريمة يظنون أنهم يمثلون أهل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودًا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق” (أبو داوود 2483).
إضافة إلى هذه المأساة نشاهد الصحفيين رغم جهلهم بلغة الإعلام واللغة المستعملة حول مواضيع المنطقة يكتبون أثناء تناولهم لقهوتهم أخبارًا من دون استنادهم لأي مصدر. فهدفهم هو إثبات وجودهم بأي طريقة كانت . وموقفهم هذا ما يؤدي إلى زيادة النار حطبًا. والدليل لكلامي هو التغيرات المستمرة في قرارات مدراء تلك الصحفيين الجهلاء البعيدين من عمق المعلومات كما يقولون باللهجة الصوفية ليس لديهم أي نوع من اليقين (لا حق اليقين ولا عين اليقين ولا حتى علم اليقين). وأشعر هناك من يشاهد لإعلام وأخبار تلك الطرفين بيده السيجار وبكامل السعادة.
وبرأيي من يحاول أن يقوم بدور رجل المخابرات نتيجة تأثره بأفلام جيمس بوند هو أيضًا يضر مصالح دولته. قد يكون السلاح نافع في المعنى التنفيذي ولكن السلاح الحقيقي هو في المعلومة والعالم. ولم يقم مارك سايكس صاحب مشروع سايكس بيكوت الذي شكل سياسة الشرق الأوسط منذ بداية هذا القرن بتصميم هذا المشروع عن طريق إخراجه لفيلم. ولم يقم بتصميمه وهو جالس في لندن. بل تجول في الولايات العثمانية وتكلم بلهجاتها الشعبية. ولم يقم بأي عملية مع أيه مترجم لأنه على يقين بأن المترجم يوم سيعمل معه ويوم سيعمل مع الطرف الآخر. كان يقرأ كثيرًا. كما قام بنشر ذكرياته أيضًا. هو رجل اقترح بتقسيم المناطق على مجموعات وفق ثقافات مختلفة بدلًا من تحويل الأراضي العثمانية إلى دول ائتلافية. والبعض من رجال من السياسة مثل كتشنر أكتشفوا الجوهرة الذي يكمنها هذا الشاب الذي توفى في التاسع والثلاثين من عمره وقاموا بتنفيذ معلوماته التي أصدرها نتيجة يقينه العيني والعلمي.
وبرأيي ما سيقود بلدي إلى الراحة و الأمان هو بعده عن المغامرات واعتماده للتحليلات الهادئة. بالطبع هناك حالات استثنائية ولكن التشدد في هذا المبدأين العاطفيين وهما الدين و الوطنية قد يؤديان أحيانًا إلى فقد البصيرة. فكافة الحالات المحرضة خرجت من تلك المجالين. والقوة التي لا تحتوي على المعلومات لا تعد قوة. نعم الطعام يجهز من قبل طباخ واحد فقط ولكن هناك الآلاف من يعمل في مطابخ الدول الكبرى . والدول الصغرى تقوم بالاستعراضات الفردية آملة بالتقاط الحظ في كل مرة. هناك من يلتقط الحظ وهناك من يفقده وتستمر هذه القاعدة لحد نهايتها. ولكن هناك شيء يجب ألا ينسى وهو أن هذا الحال المزاجي قد يؤدي إلى خروقات حادة في مراكز الدول التي تمثل الأداة الموضوعية.
كما نعلم أنه في اجتماع OPEC الذي تم عقده في الأسبوع الماضي تم الاتفاق على القرار المشترك للدول المصدرة في موضوع تحديد عرض النفط وسعره. ولكن هل تعلمون بقيام السعودية وإيران باللقاءات فيما بينهما واتفاقهما على زيادة إيران لعرض النفط ورفعها لأسعار النفط؟ بيد أن إيران كانت في المستوى الثاني بين دول منظمة OPEC ولكنها فقدت هذا المستوى بسبب الحظورات. وهي الآن تحاول إعادة مستواها بعد رفعها للعرض بمساعدة السعودية. مع العلم أن السعودية دعمت طيلة سنين بعض القوات التي اقترحت بعرض النفط على إيران بعد تخفيض الأسعار. ولكن اليوم بعد أن واجهت الدولة لنفس الرصاصة فقد قررا على الاتفاق ورفع الأسعار. يا لها من حالة جميلة أليس كذلك؟ اتحد القطبين المتنافرين في العالم الإسلامي. وهذا يعني أن المستحيل قد يتحقق حينما نشاء.
ولكن دعوني أن أسألكم. هل البيترو-الدولارات هي أغلا إليكم من الدماء السائلة في اليمن وفي سوريا ؟ لِمَ لم تتحدوا من أجل إيقاف نزيف آلاف الأبرياء؟ لِمَ يحللون تسييل دماء السنة من قبل الشيعة أو تسييل دماء الشيعة من قبل السنة ولا يحرمون استعمال الشيعة لنفط الوهابية أو استعمال الوهابية لنفط الشيعة؟ ما هذه الفتاوى المتناقضة؟. سواء كنا من الشيعة أو من السنة فجميعنا مسؤولون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا وبيكتم كثيرًا”. والآن حاولوا أن تشبهوا هذا الحديث الشريف على أنفسكم. “أيها الناس العاديون لو كنتم تعلمون ما يعلمهم البعض…”. لو تعلمون كم أتمنى أن أكون من الطبقة التي لا ترى سوى من طرف واحد ومن زاوية واحدة. ما أسعد حظكم!… يقولون لكم اصرخوا على هؤلاء تصرخون.. ويقولون صفقوا إلى هؤلاء تصفقون.
إني مدرك بأنني كتبت كلمات خطيرة. و شعاري هو جواب يونس بعد أن قالوا له “اسكت يا يونس سيسمعك مولّا قاسم” “أَأموت وأنا ساكتٌ”.
لا أريد أن أجرح أي أحد بكلامي. ولكن كلام الصديق يكون مرًّا. وعلى المنافقين أصحاب الوجهين أن يعلموا جيدًا “تحرم غلبة المنافقين على مؤمنين الشام. بل هؤلاء سيموتوا بغضبهم ومأساتهم”.
وأنهي آهاتي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إذا فسد أهل الشام لا خير فيكم” لأقدمه إلى أعزائي من أصحاب الضمير والفراسة والعلم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.