السوق المصري باسطنبول.. عبق التوابل تجمع الحضارات على مائدة واحدة

لم يعد غريبا رؤية لوحات تعريفية باللغة العربية وغيرها من اللغات الأخرى في كل مكان من إسطنبول التركية، بفضل الارتفاع الملحوظ في عدد أفراد الجاليات الأجنبية فضلاً عن السياح، ما وصل إلى حد الاعتماد عليها في السوق “المصري” الأثري، المعروف بسوق البهارات.

ففي هذا السوق تنتشر كتابات ولوحات تعريفية باللغة العربية على معظم المحلات، في مشهد يكتمل بعمال عرب في السوق يستخدمون العربية في محاولة لجذب المترددين على السوق كي يزورا محلاتهم ويتسوقون منها.

والسوق المصري أو “Mısır Çarşısı” بالتركي، الموجود في منطقة “أمينونو”، هو السوق المغلق الثاني في إسطنبول، بعد الآخر المسقوف في منطقة “بايازيد”، وقد تم بناؤه خلال حكم السلطان مراد الثالث، في 1597، بهدفُ تمويل عملية بناء الجامع الجديد الواقع مقابل السوق، والذي افتتح رسميا عام 1664 في عهد من تلاه.

في البداية أُطلق على هذا السوق اسم “البازار الجديد”، ثم اتخذ اسم “السوق المصري”؛ لأنه كان يتم استيراد القهوة والتوابل من الهند وجنوب أسيا إلى مصر، ومنها إلى إسطنبول، عبر البحر الأبيض المتوسط.

وظلّ هذا السوق مركزا رئيسيّا لتجارة التوابل في تركيا بشكل عام، وفي إسطنبول خصوصا، لفترة تزيد عن قرنين.

وساهمت الأحداث وحالة عدم الاستقرار التي شهدتها دول عربية، وخاصة سوريا وليبيا واليمن ومصر والعراق، في تدفق موجة من اللاجئين من تلك الدول إلى تركيا، واتخاذ إسطنبول مكانا للنشاط التجاري والاقتصادي والثقافي، ما رفع الحاجة إلى اللغة العربية.

تلك الحاجة دفعت كذلك التجار وأصحاب المصالح، وحتى الدوائر الرسمية الحكومية، إلى وضع لافتات باللغة العربية، لتوجيه المواطنين العرب، لا سيما أيضا مع ارتفاع أعداد السياح الوافدين من دول عربية.

وفضلا عن مكانته التاريخية، فإن السوق المصري هو مقصد المقيمين في إسطنبول والسياح، لشراء هدايا وأطعمة وحلويات تركية تقليدية.

“يحيى باللي”، وهو صاحب محل لبيع الهدايا والحلويات في السوق: “أتوقع زيادة أعداد الوافدين مع تحول الطقس إلى الربيع، واكتمال أعمال إعادة ترميم السوق من الخارج، والجامع الجديد (يني جامي)، ليكتسب السوق حيوية أكبر”.

ويخضع السوق حاليا لعملية ترميم من قبل السلطات المعنية، وسبق أن تعرض لحوادث احترق جزئية، ويعود آخر ترميم له إلى أكثر من 50 عاما.

وباتت أصوات العرب العاملين في محلات السوق المصري لافتة وجاذبة للأذن، حيث يستخدمون عبارات ترحيبية بالعربية، منها “(أهلا وسهلا)، و(تفضلوا.. ألقوا نظرة على المحل). وهي عبارات تألفها الأذن العربية الزائرة للسوق وتنجذب إليها.
الشاب السوري “ملهم”، يعمل في أحد محلات السوق، يرحب دائما بالزوار، ويدعوهم باللغة العربية من أجل لفت أنظارهم والحديث معهم وإقناعهم بالشراء.

“ملهم” لفت في حديثه إلى أن “العمل في هذا المجال متوفر له، رغم أن اختصاصه مخابر (مختبرات طبية)، لكن يصعب عليه ممارسة تخصصه، فضلا عن تحقيقه ربحا جيدا في عمله في المحل التجاري”.

ودخلت العربية في مختلف لوحات التعريف بالمحلات، ومنها محلات الصابون وأنواعها، والعطور والزيوت المختلفة، والدهون التي تتميز بها تركيا، حيث يمكن للمقيم والسائح العربي قراءة ومعرفة تفاصيلها بسهولة كبيرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.