واشنطن وأنقرة.. إدارة العلاقات دون تجاوز الخلافات

شهدت العلاقات التركية الأمريكية في الماضي وحتى اللحظة الراهنة، تذبذباً بصفة عامة، كما هي طبيعة الحال في العلاقات بين الدول الكبرى والصاعدة، حيث وصلت العلاقات بين البلدين نقطة يمكن إدارتها من دون تجاوز المسأئل الخلافية بينهما.

الأزمة التي حصلت بخصوص تنظيم “ي ب ك” الذراع السوري لمنظمة “بي كا كا” الإرهابية (تقديم واشنطن السلاح إلى ي ب ك)، ليست بمعزل عن المسار العام في العلاقات بين البلدين.

عقدة “ي ب ك”

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في لقائهم الأول 16 الجاري، على استراتيجية التعاون، وأهمية إظهار موقف مشترك وحازم في محاربة تنظيمي “داعش” و “بي كا كا” الإرهابيين.

وإستهدف اللقاء تقليل الفجوة بين البلدين، بخصوص مد تنظيم “ي ب ك” بالسلاح، واعتزام واشنطن إطلاق عملية عسكرية على الرقة مع قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل “ب ي د” عمودها الفقري، والعمل على إرضاء أنقرة من خلال تزويدها بمعدات عسكرية، قريبًا، حيث يعتقد أنها ستستخدم في محاربة منظمة “بي كا كا” الإرهابية.

ولم تظهر أي بوادر من الرئيس الأمريكي، بخصوص دور تركيا في عملية الرقة، أو بعدها، كما لم تظهر أي تسريبات بخصوص إعطاء واشنطن وعوداً لأنقرة، بخصوص تقديم معلومات استخبارية إضافية لتركيا، عن تحركات محتملة لمنظمة “بي كا كا” على حدودها، و تفعيل آلية مراقبة للحيولة دون انتقال الأسلحة الثقيلة المقدمة إلى الـ” ي ب ك” إلى “بي كا كا”.

والنتيجة الأولى من لقاء أردوغان ترامب، أظهرت أن واشنطن ماضية في خطتها للقيام بعملية عسكرية على الرقة بالاشتراك مع “ي ب ك” العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، واتباع موقف أكثر دعماً حيال محاربة تركيا لإرهاب منظمة “بي كا كا” مقارنة بالمواقف الأمريكية السابقة .

وتعكرت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بسبب تنظيم “ي ب ك”. ويمكن القول أن جذور هذه المسألة تعود إلى هجوم تنظيم “داعش” الإرهابي على مدينة عين العرب “كوباني” شمالي سوريا قبل ثلاث سنوات.

إن سياسة الولايات المتحدة تجاه الأكراد في منطقة الشرق الأوسط لسيت وليدة اللحظة، وبالإمكان القول إن واشنطن أضافت أكراد سوريا إلى تلك السياسة عقب الأزمة السورية، وهجوم داعش على مدينة عين العرب في أيلول/ سبتمبر 2014.

قدمت الولايات المتحدة الدعم الجوي لـ “ي ب ك” عندما حاصر داعش عين العرب، حيث تدفق عدد كبير من أكراد سوريا إلى الحدود التركية أثناء مهاجمة المدينة، واكتفت تركيا بالدور الإنساني والإغاثي فقط، دون الدعم العسكري لما يجري خلف حدودها آنذاك.

بعد تحرير عين العرب، أصبح “ي ب ك” عنصرا محليا مهما تقدم له واشنطن السلاح بشكل تدريجي لمحاربة داعش.

من الواضح أن الولايات المتحدة التي قررت تنفيذ عملية عسكرية برية مع “ي ب ك”، لتحرير الرقة من داعش، رغم اعتراض تركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، لا يأتي في سياق استراتيجية قصيرة المدى، بل ضمن استراتيجية متعددة الأبعاد ومتكاملة لواشنطن تجاه الأكراد.

تلمح الولايات المتحدة لأكراد سوريا من خلال تسليحهم، إلى الاستجابة لمطالبهم بإقامة حكم ذاتي في النظام الجديد الذي سيتشكل في سوريا بعد داعش، حيث تقوم واشنطن بدور الوسيط -إن صح التعبير- لتحقيق هذا التصور الجيوسياسي.

وعلاوة على ذلك فقرار الإدارة الكردية شمالي العراق، بإجراء استفتاء لاستقلال الإقليم في 2017، وطلبها الدعم من الولايات المتحدة، وأوروبا، يدعو إلى التفكير أن واشنطن في طريقها لوضع سياسة جديدة وشاملة للأكراد تضم في ثناياها مكونهم في سوريا.

وبخصوص العلاقات التجارية بين أمريكا وتركيا، فقد تجد متنفساً جديداً، خصوصاً عبر تعزيز العلاقات في المجال التجاري والعسكري، في ظل إدارة ترامب التي تهتم بالعلاقات الثنائية القائمة على مبدأ إربح – إربح، واتباع سياسة خارجية بعقلية تجارية.

كتبته “أمل بارلار دال” الأستاذة في كلية العلوم السياسية بجامعة مرمرة بإسطنبول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.