آخر مرحلة من المخطط السري.. لا يمكن هذه المرة مراوغة تركيا!

أريد تسجيل ملاحظة، ألا وهي أن جميع الوعود والتعهدات والعروض التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون لإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا أمس في أنقرة سيظهر كذبها، لتكون الولايات المتحدة أضافت كذبة جديدة إلى تاريخ أكاذيبها. ذلك أن الكذب كان من نصيب جميع الوعود التي قدمتها على مدار عشرين عاما بشأن العمليات التي تنفذها في الشرق الأوسط بشكل عام ومحيط تركيا بشكل خاص.

كانت لهم دائما وأبدا أجندات سرية نفذت بنسبة كبيرة من خلال “الصداقة والشراكة مع تركيا”. وحان اليوم الذي بدأت فيه تلك الأجندات السرية ضرب تركيا، ثم اتضح في نهاية كل هذه المخططات أنها ستتسفر عن فتح “جبهة تركيا” التي سعوا لتشكيلها من خلال هجوم 15 يوليو، لكننا صمدنا ضد هذا الهجوم الغاشم.

كيف قامت قيامتهم!

لقد بدأنا التحرك وحماية أنفسنا بتنفيذ عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون اللتين أفشلتا مناورات المخادعة وكشفتا عن الأجندات السرية، وهو ما جعل واشنطن تشعر بالقلق. وسبب ذلك أن ذلك المشروع الكبير الذي كان مستمرا خطوة بخطوة منذ احتلال العراق كان على وشك أن يفشل في وقت وصلوا فيه إلى نهايته.

ولقد أفشيت الجوانب السرية من ذلك المشروع الكبير بفضل احتلال العراق وإشعال فتيل الحرب في سوريا والتخلي عن تركيا في جميع معادلات ومشاريع الشراكة في سوريا، بل وفي نهاية المطاف ضرب تركيا من خلال عقد شراكة مع تنظيم بي كا كا الإرهابي. وهو ما أفضى إلى أن يصبح خطاب “الشراكة والتحالف والعلاقات الجيدة” لا يسمن ولا يغني من جوع.

إن العلاقات التركية – الأمريكية تعيش أصعب فتراتها على مر التاريخ بسبب التعارض بين الأقوال والأفعال، وصدور تصريحات متخبطة من المسؤولين الأمريكيين، وإفساد البنتاغون والسي آي ايه الوعود التي قدمها الرئيس ترمب لنظيره أردوغان، وتحرك الجنود الأمريكيين في سوريا كأفراد وكأنهم يشكلون تنظيما فيما بينهم ولا يتبعون جيش دولة نظامي. وهو ما لم يترك لتركيا خيارا سوى الشعور بالقلق إزاء أمنها وحماية أراضيها.

أحقر الأكاذيب.. ليس من حق أحد مطالبتنا بالسكوت

ليس من حق أحد أن ينتظر أن نبقى صامتين أمام استهداف بلدنا والرغبة في تمزيق أراضيها باسم الصداقة مع الولايات المتحدة، أو أن يحاول مراوغتنا وإبطاء تحركاتنا بألاعيب الصداقة والشراكة، فلا يمكن لأي دولة أن تسكت أمام هذا الأمر، وهو ما ستفعله تركيا.

لقد صدقنا وعود واشنطن على مر عشرين عاما ونحن نعلم أنها ليست سوى كذبا، بل إننا اضطررنا لتصديقها في أغلب الأحيان، ذلك أننا كانت لدينا مشاكل أخرى، وكانت تركيا تجد صعوبة في رسم طريقها لأنها كانت تتعرض للهجمات من الداخل الواحدة تلو الأخرى.

لقد تحركنا للمرة الأولى من خلال حقائقنا، ونضج عقل الدولة القومي، ونجحنا في التعرف بلساننا على ما يمثل تهديدا بالنسبة لنا. وعندما تحركنا بدأوا يتوافدون على أنقرة وجلين، ولم يكن بأيديهم سوى الوعود القديمة.

لقد بدأوا يتوافدون على أبوابنا في الوقت الذي يغرقون فيه بي كا كا بالسلاح ويستهدفون من الحدود السورية وداخل الأراضي التركية جميع الأهداف الحساسة بالنسبة لأنقرة. ولا ريب أن تصريح وزير الدفاع الأمريكي ماتيس الذي قال فيه “لو تطلب الأمر سنحرض بي كا كا والقوات السورية الديمقراطية على القتال” لهو إشارة على أن الولايات المتحدة صارت تجد صعوبة حتى في اختلاق الأكاذيب التي كان أحقرها ذلك التصريح. فمن المستحيل أن نصدق أن دولة تسقط في هذا المستنقع أو تظن أن بإمكانها خداع دولة كتركيا بهذه الطريقة.

جربناها مرات كثيرة.. السي آي ايه والبنتاغون سيرفضان تصريحات تليرسون

ولنحفظ ما يلي جيدا: لن تتطابق أي من أولوياتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في سوريا أو أي مكان آخر بعد اليوم، لأننا جربنا هذا مرات كثيرة، ونعمله ونراه ونقرأ أين سيحدث صراعات وخلافات في المستقبل.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن النظر إلى المنطقة من وجهة نظر الولايات المتحدة سيجعلنا ندفع الثمن غاليا. ذلك أن المخطط الذي يسعون لتنفيذه في شمال سوريا إنما هو من أجل تشكيل جبهة تركيا، يهدف لحماية أولويات إسرائيل، وهو موجه ليكون استكمالا لموجة 15 يوليو. فلو صدقنا اليوم تلك الأكاذيب مرة أخرى، سنضطر لإنكار هجمات 15 يوليو…

إن الجنود الأمريكيين في سوريا يوجهون من قبل قوة أخرى، ولا أحد في واشنطن واضح ما يقوله بالضبط. فأمريكا لم تعد موجودة، بل نحن أمام سلطة حاكمة ممزقة، وبعض الكيانات داخل الدولة كونت عصابة فيما بينها، وتعمل وكأنها دولة منفصلة. إذن؛ أي أمريكا سنخاطب؟ سنثق بوعد من؟ ألا نعلم أن السي آي ايه والبنتاغون سيرفضان وعود تليرسون التي ستبقى معلقة في الهواء؟

البعض من الداخل وأمريكا من الخارج.. اللعبة واحدة: مراوغة تركيا

لقد بنوا كل شيء على مراوغة تركيا، وهذا ما كان سائدا كذلك لسنوات، وكان قائما منذ بدء الحرب في سوريا، بل إن إشعال فتيل الحرب كان من أجل ذلك. لأن تركيا كانت ستكون هي الجبهة الأساسية، فكانوا سيوفرون هذه البيئة بشكل تدريجي.

لكننا نرى أن البعض يواصل من الداخل والولايات المتحدة من الخارج لعب اللعبة ذاتها. كما أن مؤيدي وعود تليرسون داخل تركيا يسعون لمراوغة أنقرة بقدر سعى واشنطن نفسها.

وأرى أن على العقل السياسي في تركيا أن يضع في حسابه أن هذه ليست قضية إرهاب أو مسألة تغيير نظام في سوريا، بل إنها ليست قضية مقتصرة على تضرر العلاقات التركية – الأمريكية.

تشكيل جبهة كبيرة.. ماذا سيكون مصيرنا؟

ليعلم الجميع أننا أمام تشكيل شرق أوسط جديد. لكن تغير الجغرافيا يعني تغير الأذهان، تغير نظرتنا نحو أنفسنا وبلدنا والعالم. ولهذا، فإن هذا التغير الإقليمي هو الذي سيقرر ما إذا كان ما يحدث ينتمي إلينا أم إلى قوى خارجية.

إن المنطقة وخريطتها تتغير الآن وستتغير مستقبلا كما تغيرت في الحرب العالمية الأولى وما كان قبلها من أزمات كبرى. فالقضية هي ماذا سيكون مصيرنا في الشرق الأوسط الجديد الذي هو أبعد من جميع هذه الحروب التكتيكية؟ إلى أي مدى سنصمد؟ وما هو قدر مساهمتنا لتقرير مصير هذه المنطقة؟

لا يمكن تقرير مصير المنطقة بدوننا

وهو ما يعني وجود شرط منظور طويل المدى من أعماق التاريخ وحتى مبهمات المستقبل. ويجب أن تكون وجهة النظر مطلقة، ويجب ألا نحدد وجهة نظرنا وفقا للحسابات الصغيرة لبعض الأوساط في الداخل أو توافق المصالح الإقليمية لبعض الدول في الخارج.

لقد أصبحت الولايات المتحدة للمرة الأولى لا تملك شيئا تفعله بشأن تحدد ملامح المنطقة. فهي لا ولن تستطيع فعل ما تريده. فلا يمكن تقرير مصير المنطقة أو رسم تلك الخريطة بدوننا. ذلك أن هذه هي المرة الأولى التي يبرز فيها هذا العمق ووجهة النظر بهذا القدر من القوة.

حساباتهم الخطيرة.. عزل تركيا

لنقول كذلك إنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة ما لم تنسحب من تلك الأراضي وتقطع علاقتها مع بي كا كا وتستعيد الأسلحة التي دعمته بها وتتراجع عن جميع الحسابات التي تزعج تركيا.

إن حسابهم الذين يحاولون تجريبه اليوم قائم على التقارب مع تركيا والتعاون مع البعض في سوريا والتسبب في شعور روسيا وإيران بالقلق وإحباط التقارب الإقليمي بين تركيا وروسيا وإيران.

فهل تعلمون ما نتيجة هذا الأمر؟ عزل تركيا. وإذا حدثت هذه النتيجة وتضررت قنوات التعاون مع روسيا وإيران فستكون مناورة الكذب التي تقوم بها واشنطن قد نجحت، وحينها لن تجد بلدنا تركيا أي فرصة أخرى لتحقيق التعاون الإقليمي مع أي دولة.

المرحلة الأخيرة من الأجندة السرية.. لن ننخدع بهذه اللعبة

وحينها لن نستطيع التقاط أنفاسنا بسبب الألاعيب الإقليمية للولايات المتحدة وإسرائيل، وسنكون عاجزين عن الإقدام على أي خطوة لحماية تركيا، ولن تقدم روسيا على التعاون مع تركيا في أي مسألة. حينها فقط ستعمل واشنطن مع بي كا كا بشكل أقوى، وستضع تركيا في خانة اليك، وتكون بذلك قد انتقلت إلى المرحلة الأخيرة من أجندتها السرية.

كما سيتحرك حينئذ القائمون على تنفيذ عمليات الولايات المتحدة وبي كا كا في الداخل. لكن تركيا لا ولن تسقط في هذه المصيدة أبدا.

نحن لا نعتبر بالأقوال، ولن نصدق أي وعد في وقت يستشهد فيه جنودنا وتستهدف فيه دباباتنا بالأسلحة الأمريكية، ويتحول فيه الجنود الأمريكيون إلى عناصر مرتزقة، ويتعرض فيه مواطنونا للقتل على يد بي كا كا.

فلن ننخدع بهذه اللعبة هذه المرة. ولهذا؛ فلا ليعقد أحد أملا على هذا الأمر أبدا!

ابراهيم كراجول – يني شفق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.