خبراء: السياسات الأمريكية في سوريا تستهدف الإضرار بأمن تركيا

التقى خبراء عرب على وجود مساعٍ أمريكية لتعطيل وإضعاف حركة التنمية في تركيا، من خلال الاستثمار في مجموعات مسلحة تهدد الأمن القومي التركي، انطلاقا من الحدود التركية- السورية المشتركة، وشددوا في الوقت نفسه على ثبات موقف أنقرة، ورفضها التعبية، مقابل تراجع أمريكي مستمر.

هؤلاء الخبراء اتفقوا، في تصريحات منفصلة لوكالة الأناضول، على أن الولايات المتحدة لم تكن وفية بالتعهدات التي قطعتها على نفسها بوقف تسليح التنظيمات المسلحة، التي تصنفها تركيا على قائمة الإرهاب، وأن واشنطن لم تمارس ما يكفي من الضغوط على تلك التنظيمات الحليفة لها، رغم تصريحات مسؤولين أمريكيين عن إخلاء مناطق غرب نهر الفرات، استجابة لرغبة أنقرة.

منع تقسيم سوريا والعراق

المتخصص في العلاقات الدولية، الدكتور عمر عبد الستار محمود، مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات (غير حكومي)، وجد في التنسيق بين واشنطن والتنظيمات المسلحة، المرتبطة بـ”بي كا كا” الإرهابي، واستمرار الدعم التسليحي، ما يشكل قلقا تركياً تجاه آثار بعيدة المدى على الأمن القومي التركي.

وأضاف محمود، لوكالة الأناضول، أن “تركيا تعمل بنسق متوازٍ في الساحتين العراقية والسورية، ضمن دورها في محاربة الإرهاب القومي أو الديني المسلح العابر للحدود”.

وأوضح أن ذلك “ربما بدأ مع منع استفتاء الانفصال في شمال العراق (سبتمبر/ أيلول 2017)، ومنع وإفشال استفتاء مناطق سيطرة التنيظمات المسلحة في الشمال السوري”.

وتابع “ربما تكون تركيا قد منعت مشروعا محتملا لانفصال شمال العراق بعد فشل الاستفتاء، كما تعمل أنقرة على إفشال ذلك في الشمال السوري، لمنع الارتباط والتواصل الجغرافي بين الطرفين”.

و”تحرص تركيا على الحفاظ على أمنها القومي، “ومنع انتقال فوضى دول الجوار إلى الداخل التركي، بما يعنيه ذلك من منع قيام كيانات مستقلة على أسس قومية أو دينية في العراق أو سوريا”، وفق محمود.

وأوضح أن الحديث لم يعد عن “قيام دولة أو خلافة دينية مزعومة، بعد الانتهاء من تنظيم داعش، بمشاركة التحالف الدولي، الذي تشارك فيه تركيا، وإنما باتت السياسات التركية تركز على منع قيام دولة أو أكثر من دولة على أساس الانتماء القومي في الجوار”.

وتتداخل العلاقات التركية مع الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتتخذ، بحسب محمود، “أبعادا متعددة محلية وإقليمية ودولية”.

وفي عودة إلى التاريخ استشهد بـ”استبدال معاهدة لوزان (في 1923) بمعاهدة سيفر (عام 1920) ، قبل نحو مائة عام، عندما ضغطت تركيا على روسيا بتقاربها مع بريطانيا”.

وتساءل عن “استطاعة تركيا، التي تقاتل اليوم في سوريا، وفي ظل اقترابها من روسيا، في انتزاع مكاسب مماثلة من واشنطن”.

ورأى أن تركيا تنطلق في “علاقاتها مع الولايات المتحدة من إدراكها للدور الأمريكي المؤثر في الملف السوري عموما، وعلاقة واشنطن بتنظيم ما يسمي بقوات سوريا الديمقراطية خاصة.. لذلك نجحت تركيا في فرض تنازلات قدمها الأمريكيون في منبج وشرق نهر الفرات”.

وتابع “ففي منطقة منبج السورية، وبعد الانتهاء من عملية غصن الزيتون، سيكون على قوات سوريا الديمقراطية الانسحاب منها مستقبلا، وفي شرق نهر الفرات سيكون على التنظيمات المسلحة نسيان قيام كيان منفصل  في الشمال السوري في مرحلة لاحقة”.

وضمن عملية “غضن الزيتون”، يستهدف الجيشان التركي و”السوري الحر”، منذ 20 يناير/كانون ثان الماضي، المواقع العسكرية لتنظيمي “ب ي د/بي كا كا” و”داعش” الإرهابيين في منطقة عفرين شمالي سوريا، مع اتخاذ التدابير اللازمة لتجنيب المدنيين أية أضرار.

وختم محمود بأن تركيا “بذلك تكون قد نجحت في نهاية المطاف في منع تقسيم سوريا، كما أن فشل الاستفتاء منع تقسيم العراق”.

تركيا ترفض التبعية

منذ انتقال العالم إلى أحادية القطب، مطلع تسعينيات القرن الماضي، إثر انهيار الاتحاد السوفيتي (عام 1991)، اتبعت واشنطن استراتيجية فرض “التبعية” على الدول الأخرى، و”حاولت تطبيقها على تركيا، في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، لكنها اصطدمت بسياسة تركية ثابتة ترفض التبعية، مؤكدة على أنها دولة مستقلة في قرارها وذات سيادة”، كما قال الأكاديمي الدكتور ممدوح المنير، مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية (مقره إسطنبول).

المنير شدد، في حديث لوكالة الأناضول، على أن سياسة تركيا في التعامل مع الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، “قائمة على الندِّية، وليس التبعية، وعلى سياسة التحالف، وليس المحاور”.

وتبعا لذلك، رأى المنير أن السياسة التركية المستقلة “أزعجت الإدارة الأمريكية، التي سارعت لدعم التنظيمات المصنفة على قائمة الإرهاب في تركيا، ولعب دور غير معلن في المحاولة الانقلابية الفاشلة (بتركيا منتصف يوليو/ تموز 2016)، وسياسات مناوئة أخرى تهدف في مجملها إلى تقليم أظافر تركيا ودورها الإقليمي”.

ورجح بقاء العلاقات بين أنقرة وواشنطن في “حالة توتر دون حسم سلبا أو إيجابا”، مرجعا ذلك إلى أن “الولايات المتحدة لن تتراجع عن سياستها في فرض الهيمنة على العالم ومحاولة الحد من الدور التركي في المنطقة، وتركيا هي الأخرى لن تقبل بأن تعود إلى سياسة التبعية لواشنطن في مواقفها”.

ومع كل ذلك، بحسب المنير، فإن “الولايات المتحدة ستحافظ مرغمة على علاقاتها مع تركيا؛ فخسارتها تعني خسارتها كذلك في حلف الناتو (شمال الأطلنطي)، الذي تمثل تركيا قوة أساسية بين أعضائه، وهو ما لن تخاطر به واشنطن في ظل تصاعد الصراع على النفوذ مع روسيا في سوريا والمنطقة”.

تسليح “عصابات”

“واشنطن تزود العصابات الارهابية شمالي سوريا بأسلحة تفوق حاجتها، وفق الخبير العسكري، العميد المنشق عن النظام السوري، أحمد الرحال.

ومستنكرا، تساءل الرحال، في حديث لوكالة الأناضول، عن حاجة هؤلاء لأسلحة ثقيلة، مثل “الدبابات والمدرعات المصفحة والصواريخ الحرارية المحمولة على الكتف، طالما أن طيران التحالف الدولي يستخدم سياسة الأرض المحروقة في تحرير المدن من داعش، وتسليمها إلى تلك العصابات”.

وشدد على أن واشنطن تسعى من خلال ذلك إلى “خلق بؤرة صراع طويلة الأمد شمالي سوريا على الحدود الجنوبية لتركيا، بهدف استنزاف القدرات الاقتصادية ووقف عملية التنمية وإضعاف تركيا”.

ولفت إلى الولايات المتحدة حاولت “جس نبض “تركيا عندما أعلن التحالف الدولي، بقيادة واشنطن (في يناير/ كانون ثان الماضي)، عن إنشاء قوة حرس حدود قوامها 30 ألف مقاتل، نصفهم من قوات سوريا الديمقراطية، لنشرهم في مناطق شرق نهر الفرات، وصولا إلى مدينة البو كمال على الحدود مع العراق”.

لكن الولايات المتحدة اصطدمت، بحسب الخبير العسكري السوري، بردّ تركي عنيف “هدد بقتال أي قوات تهدد الأمن التركي، ما دفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن بناء تلك القوة”.

مرة أخرى حاولت الولايات المتحدة “إثناء تركيا عن المضي قدما في عملية غصن الزيتون لتطهير منطقة عفرين من الإرهابيين، بإدعاء وجود جنود أمريكيين، لكن تركيا أرغمت الأمريكيين على التراجع مجددا، بعد أن هددت بقتال كل من يقف في طريق العملية، حيث تراجعت واشنطن وأنكرت وجود جنود لها في عفرين”.

ورجح الرحال “تخلي الولايات المتحدة عن قوات سوريا الديمقراطية مستقبلا، كما تخلت عن البيشمركة (قوات إقليم شمالي العراق) عندما هاجمتها القوات الأمنية (الاتحادية) والحشد الشعبي في كركوك، (شمالي العراق)، طالما أن مهمة تلك القوات قد انتهت بانتهاء داعش في العراق”.

واتسمت سياسة واشنطن وعلاقاتها مع أنقرة في سوريا بصفة “عدم الوفاء بالوعود والتعهدات التي قدمتها لتركيا، بما فيها وقف تسليح العصابات الانفصالية، والتي جاءت على لسان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وكذلك التعهد بالضغط على هذه العصابات للخروج من منبج، وهو ما لم يحدث حتى الآن، رغم وعود خرجت في أنقرة، عام  2016، على لسان جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما 2009-2017)، بحسب الخبير العسكري السوري.

وختم الرحال بأن “الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة بأن تركيا لديها إصرار على متابعة عملية غصن الزيتون، وما بعدها في منبج وشرق الفرات، بما يجعل الخيارات الأمريكية في حالة تراجع، وستنتهي إلى تخلٍ تامٍ عن دعم التنظيمات الارهابية”.

 

الاناضول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.