المعارضة جاهزة والحزب الحاكم يحسم أمره اليوم.. هل تركيا ذاهبة إلي انتخابات مبكرة؟

أعلنت أحزاب المعارضة التركية استعدادها لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، عقب دعوة زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، إلى تقديم الانتخابات التي كانت مقررة في نوفمبر 2019، إلى 26 أغسطس/آب 2018.

ففي كلمته الأسبوعية أمام الكتلة البرلمانية لحزبه يوم الثلاثاء 17 أبريل/نيسان، قال بهتشلي إن حزبه يفضل الانتخابات المبكرة لأنها “الطريق الأكثر عقلانية ومنطقية”، مشيراً إلى أن هناك عواقب تكتنف الانتظار حتى نهاية 2019، مثل المخاوف المتصاعدة بشأن الاقتصاد، واحتمالات زيادة الهجرة إلى البلاد.

رأى الصحفي في جريدة صباح، راغب صويلو، أن دعوة بهتشلي لم تكن مفاجئة، لوجود مؤشرات سابقة على هذا التوجه، رغم نفي الحكومة المتكرر لاحتمال تقديم الانتخابات، وعدم إظهار استطلاعات الرأي تأييداً كبيراً لهذه الفكرة. ومن هذه المؤشرات تقديم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية مواعيد المؤتمرات العامة لحزبيهما، وفصل أردوغان عدداً من رؤساء البلديات لأدائهم السيئ، وكذلك عملية عفرين.

 

ماذا يعني تقديم الانتخابات؟

ترتبط الدعوة إلى تعجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بتحوُّل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، حسب التعديلات الدستورية التي أقرَّها استفتاء أبريل/نيسان 2017، بدعم من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، التي لا تسري بشكل كامل حتى عقد الانتخابات.

وفي هذا الصدد، أشار الباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج، إلى أن “النظام السياسي التركي ما زال برلمانياً من الناحية القانونية، رئاسياً من الناحية الفعلية”، وأن تبكير الانتخابات يعني البدء بشكل مباشر في تطبيق النظام الرئاسي، الذي يفترض أن يكون أكثر استقراراً من النظام البرلماني، خصوصاً في الوضع الحالي الانتقالي.

 

وعلى الرغم من اشتراط الدستور التركي لسريان التعديلات على قانون الانتخاب مرور عام كامل بعد المصادقة عليها، الأمر الذي قد يحول دون التطبيق الكامل للنظام الرئاسي بعد الانتخابات المبكرة المزمعة، إلا أن هذا الشرط تمت إزالته لمرة واحدة في استفتاء أبريل/نيسان نفسه، مما سمح بتمرير تعديلات في قانون الانتخاب مثل التحالف بين الأحزاب.

ورأى سياسيون أتراك، أن دعوة بهتشلي تُعبِّر عن رأي حزب العدالة والتنمية، بالنظر إلى “تحالف الشعب” الذي شكَّله مع الحركة القومية لدخول الانتخابات، والذي أعلن دعم ترشيح الرئيس التركي أردوغان لفترة رئاسية أخرى. ومن هؤلاء بروين بولدان، الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي المعارِض، التي وصفت بهتشلي بـ”الناطق بلسان أردوغان”.

وزن الحركة القومية في السياسة التركية

تأتي أهمية الدعوة إلى تقديم الانتخابات أيضاً من كونها صادرة من دولت بهتشلي -الذي يتزعَّم حزب الحركة القومية منذ عام 1997- والذي يوصف بأنّه “صانع الملوك”، الذي شكّلت بعض قراراته السياسية منعطفات رئيسية في تاريخ السياسة التركية، وأهمها دعوته إلى الانتخابات المبكرة في 2002، التي كان من نتائجها غير المقصودة صعود حزب العدالة والتنمية، الذي غيَّر وجه السياسة التركية منذ ذلك الحين.

ويوصف حزب الحركة القومية أيضاً بـ”بيضة القبّان” في السياسة التركية. فقد ضَمِنَ حضور أعضائه جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان عام 2007 وصول عبدالله غُل للرئاسة، رغم محاولة الشعب الجمهوري إفشال ذلك بالغياب، بهدف عدم إكمال نصاب الجلسة.

كما حالَ رفضُ الحركة القومية التحالفَ مع حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، بعد انتخابات يونيو/حزيران 2015، دون الإطاحة بالعدالة والتنمية، الذي لم يملك أصواتاً كافية لتشكيل حكومة، مما أدى إلى انتخابات مبكرة، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، جدّدت نتائجها للحزب الحاكم مرة أخرى.

المعارضة التركية تقبل التحدّي

اتَّفقت ردود أحزاب المعارضة التركية على نبرة “قبول تحدّي” دخول الانتخابات المبكّرة، معربة عن استعدادها لذلك. وكانت أولى الردود على لسان كمال كلتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي وصف خطوة بهتشلي بأنها “اعتراف بأن العدالة والتنمية لم يعد قادراً على حكم البلاد”.

وأكد حزب الشعب الجمهوري مجدداً رفضه التحول إلى النظام الرئاسي، باعتباره “يؤذي المبادئ الديمقراطية من خلال منحه سلطة كبيرة للرئيس”. وحمّل بولنت تيزجان، الناطق باسم حزب الشعب الجمهوري “المسؤولية عن كل المشكلات الأساسية مثل البطالة والفقر وتدهور التعليم والاستقطاب وتقويض الحرية والديمقراطية” إلى تحالف الشعب، الذي وصفه بـ”تحالف الرجل الواحد”.

وأعربت بولدان، الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي عن “قبول التحدي” لخوض الانتخابات المبكرة، داعية إلى اجتماع طارئ لقيادات حزبها في الولايات التركية في أنقرة، يوم الأربعاء 18 أبريل/نيسان الجاري. إلا أنّها حذَّرت من خوض الانتخابات، في ظلِّ استمرار حالة الطوارئ التي لن تكون الانتخابات ديمقراطية مع وجودها، حسب قولها.

وخاطبت بولدان الجبهات الديمقراطية وفئات النساء واليساريين والاشتراكيين قائلة: “حان الوقت لهزيمة حزب العدالة والتنمية. والفرصة هي في الانتخابات المبكرة”، ورأت أن بهتشلي لا يملك إطلاق مثل هذه التصريحات باستقلالية دون علم الرئيس أردوغان.

أما ميرال أكشينير الزعيمة المؤسِّسة للحزب الصالح -المنشقّة عن حزب الحركة القومية- فقد توقَّعت في وقت سابق أن يتم تعجيل موعد الانتخابات إلى الذكرى الثانية للمحاولة الانقلابية، في 15 يوليو/تموز 2018. وأكدت بعد دعوة بهتشلي أنّه ليس هناك ما يقلقها بشأن الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

ورأى أوميت بوزداغ، نائب أكشينير، أن الانتخابات المبكرة ستكون أمراً جيداً لتركيا، مرجعاً سبب “دعوة الحكومة لتقريب موعد الانتخابات إلى تأجيل الإعلان عن الانهيار الاقتصادي إلى ما بعد الانتخابات”.

العدالة والتنمية لم يحسم أمره

بدا حزب العدالة والتنمية متفاجئاً من دعوة بهتشلي. وأعلن زعيمه، الرئيس أردوغان أنّه سيلتقي بهتشلي بعد ظهر اليوم الأربعاء، 18 أبريل/نيسان، لبحث مقترحه بتقديم موعد الانتخابات.

وقال كل من وزير العدل عبدالحميد غُل، والمتحدث باسم الحكومة التركية، إن الأمر يتم تقييمه من قبل اللجان المختصة في حزب العدالة والتنمية.

ذكر الباحث والمحلل السياسي علي باكير، أن موضوع تقديم موعد الانتخابات ظلَّ لفترة طويلة محلَ تجاذب داخل أروقة حزب العدالة والتنمية، وأن النقاش قد حُسِمَ لمصلحة رافضي تقديم الانتخابات، إلا أن مؤشرات سلبية ظهرت خلال الثلاثين يوماً الماضية، تتعلق بالوضع الاقتصادي، مثل تراجع العملة وارتفاع التضخم، أعادت فتح ملف النقاش من جديد.

وأشار باكير إلى أن هناك من يعتقد أن الأرضية جاهزة لإجراء انتخابات، حيث تم الاتفاق على التحالفات الأساسية، وجرى اعتماد القانون الانتخابي، مشيراً إلى عدم وجود مبرر لوضع البلاد في حالة التأهب، أو الشلل، خاصة بعد الردود الإيجابية للمعارضة التركية على دعوة بهتشلي.

يُرجّح أن يكون اللقاء بين أردوغان وبهتشلي بعد ظهر اليوم حاسماً، وأن يرسم خريطة طريق سياسية جديدة للبلاد. فإما أن تتم الموافقة على إجراء أول انتخابات لرئيس بصلاحيات كبيرة في البلاد إلى جانب الانتخابات البرلمانية في عام 2018، وتجري الانتخابات المحلية بموعدها في مارس/آذار 2019، أو أن يزيد توتر المشهد بنشوب خلافات في “تحالف الشعب”، صاحب الفرص الأكبر في الانتخابات المقبلة.

 

 

 

 

.

م.عربي بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.