العلاقات التركية العربية.. “متأخرة”

ما هو سبب اهتمامك في تركيا؟

تتمتع تركيا بمكانة مهمة لأسباب تاريخية، وثقافية، وسياسية، وجغرافية. واهتمامي كباحث في جمهورية تركيا لا يخرج من هذه الأبعاد التي شكلت مدخلا مهماً لاهتمامي أيضاً بالعلاقات التركية – الخليجية ولا سيما دولة الكويت. إن خروج تركيا من العزلة وتحديداً في ٢٠٠٦ وتفاعلها مع قضايا المنطقة هو بمثابة تحول في سياستها الخارجية. وأعتقد أن هذا التحول أدى إلى اهتمامات متنوعة سواء على مستوى الدول، أو المؤسسات، أو الأفراد (بحثية، ثقافية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية). وبالنسبة لي أجد أن التحولات السياسية التي شهدتها تركيا جديرة بالمتابعة والقراءة، ولذلك كان لي اهتمام في حقل الحركات السياسية والدينية التي لعبت دوراً محورياً في تاريخ تركيا الحديث، لا سيما الطريقة النقشبندية وأثرها ولو كان بشكل غير مباشر على الحقل السياسي والاجتماعي.

متى كانت أول زيارة لك إلى تركيا؟

كانت أول زيارة لي في شتاء ٢٠١٠، وخلال هذه الرحلة القصيرة في إسطنبول لم أتمكن من زيارة مناطق أخرى، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن لم تنقطع زياراتي إلى تركيا. وتحديداً في صيف ٢٠١٨ سافرت من إسطنبول إلى إزمير، والطريق ما بينهما كفيل لفهم جغرافيا تركيا. إسطنبول مدينة عالمية ومتنوعة سواء كان ذلك في الشطر الأوروبي أو الآسيوي، أما مدن الأناضول لها خصوصية ثقافية واجتماعية. في رحلتي إلى إزمير والمناطق المحيطة بها، لاحظت أن المجتمع منفتح على الغرب أكثر من المناطق الأخرى، وهذا ما يميز تركيا، وأقصد بذلك التنوع الثقافي والفكري واللذان يصبان في صالح استقرار تركيا. وأعتقد أن هذه الميزة لا يمكن فهمها عبر الإعلام أو الكتابات التي تناولت المجتمع التركي دون ملاحظتها على الأرض.

ما هو تقييمك للعلاقات التركية – العربية؟ هل مستواها جيد؟

كما قلت في بداية حديثي، أن العلاقات ما بين الدول العربية لا سيما (مجلس التعاون الخليجي، شمال أفريقيا، مملكة الأردن) MESA)) وتركيا مرت بمراحل عديدة مختلفة، ومرحلة ما بعد ٢٠٠٢ وحتى ٢٠١٨ شهدت صعود واستقرار وتراجع. في هذه الحقبة لعب الحراك الثوري العربي دوراً مهماً في هذه العلاقات، وكانت العلاقة تسير بشكل متقدم حتى الانقلاب العسكري في مصر في يوليو ٢٠١٣. منذ هذا العام ومستوى الاستقرار والتطور في العلاقات مع بعض الدول العربية لم يعد كالسابق وخاصة مع المحور السعودي والإماراتي والمصري. وإذا أردنا تقييم علاقة تركيا مع كل دولة عربية على حدة، فهناك تفاوت واضح وملحوظ خاصة في الوقت الراهن ولذلك استخدمت مصطلح MESA.

كيف تقيم الدور الكويتي، والتركي في الأزمة الخليجية؟

منذ بداية هذه الأزمة وحتى الوقت الراهن، ودولة الكويت تسعى إلى حلحلتها وإيجاد المخرج المناسب لها، ولذلك يمكن اعتبار حياد دولة الكويت ودور أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح من أهم عوامل التهدئة. والشأن ذاته يمكن ملاحظته لدى الدور التركي في بداية الأزمة وخاصة في خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان الذي حرص في أكثر من مناسبة على ضرورة تجاوزها. هناك أطراف حريصة على استمرار الأزمة الخليجية دون أي حل بغية تحقيق مصالحها في المقام الأول، وهي تسعى أيضاً لزعزعة العلاقة المستقرة ما بين تركيا والمملكة العربية السعودية. ولا يمكن فهم الأزمة الخليجية بعيداً عن سياقها التاريخي أي أن أسبابها لم تكن وليدة يونيو ٢٠١٧، بل تعود إلى ما قبل ذلك وخاصة ما بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١٤. إن دور دولة قطر الداعم للحراك الثوري العربي وجماعة الإخوان المسلمين سياسياً و اعلامياً و احتضان بعض قادتها، هو أحد أهم الملامح الرئيسة لتحول السياسية الخارجية القطرية ، ومن خلال هذا التحول يمكن الفهم بشكل واضح أسباب الأزمة الخليجية وهي ذاتها الشروط التي طرحت من الطرف السعودي و الإماراتي و البحريني و المصري لحل الأزمة الخليجية ، و التي بلغت قرابة ١٣ شرط من بينها اغلاق قناة الجزيرة ، و قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين ، و خفض التمثيل الدبلوماسي مع ايران ، واغلاق القاعدة العسكرية التركية … الخ . ورفضت دولة قطر هذه المطالب، لأسباب عديدة أهمها أنها تمس سيادتها، كما أنها نفت دعمها لجماعات متطرفة. والأزمة الخليجية هي بمثابة معركة صفرية لا رابح فيها ولا خسران، لأن تداعياتها السلبية سواء كانت اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية ستشمل جميع دول مجلس التعاون لا سيما في محيط إقليمي ملتهب. استمرار هذه الأزمة يعني الطريق إلى ما بعد مجلس التعاون الخليجي، وأتمنى ألا نصل إلى هذه المرحلة.

هل يمكن اعتبار جماعة الإخوان المسلمين السبب الرئيس للأزمة الخليجية؟

نعم هي الأساس من وجهة نظر الطرف السعودي والاماراتي والبحريني والمصري، فهذه الدول تعتبر جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابيا ً ويسعى إلى تقويض الأنظمة الخليجية. وإذا سلمنا بذلك هل تعتبر مملكة البحرين جمعية المنبر الإسلامي الذراع السياسي للإخوان المسلمين في البحرين حركة إرهابية أم المسألة هنا تتدخل فيها العلاقة القوية التي تجمع ما بين هذه الحركة والأسرة المالكة والتي تقوم على ثنائية المصاهرة والاثنية؟ وكذلك دولة الكويت وإن اختلفت تجربة الحركة الدستورية الإسلامية السياسية عن جمعية المنبر، التي تعمل في حقل سياسي مختلف عن بقية دول الخليج. وانطلاقاً مما سبق هل يوجد تعريف متفق عليه لمفهوم الإرهاب، حتى يمكن تصنيف أي حركة أو حزب أو تيار إن كان إرهابياً أم لا؟

ألم تحتضن المملكة العربية السعودية بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الماضي؟

في حقبة الخمسينيات ونهاية الستينات، كان المد الناصري والقومي يشكل تهديداً لأنظمة الخليج العربي، وفي هذه الفترة احتضنت دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية أعداد كبيرة من جماعة الإخوان المسلمين سواء من مصر أو سوريا أو العراق بغية قطع الطريق على التأثير الناصري في المنطقة. وكانت العلاقة ما بين جماعة الإخوان المسلمين والمملكة العربية السعودية قوية في هذه الفترة، ويشهد على ذلك الدعم الذي قدمته المملكة لبعض قيادات الجماعة والذي حصل بعضهم على الجنسية السعودية.

الإسلاميون ما بعد أحداث ١١ سبتمبر / أيلول.

ماهي قراءتك لهذه المرحلة؟

بعد هذه الحادثة، دخلت المنطقة العربية والإسلامية في مرحلة حرجة وليس فقط حركات الإسلام السياسي. فمنذ ذلك العام وحتى الآن والدول العربية والإسلامية تشهد تحولات سياسية، وأحداث سريعة لا يمكن فصلها عما نعيشه الآن. وهذا ينطبق على حالة العلاقة ما بين الإخوان المسلمين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، التي بدأت تتدهور بعد الاتهامات المصرية في نهاية تسعينات القرن الماضي تجاه جماعات الإخوان المسلمين في الخليج العربي بأنها تدعم الإرهاب، ورسمياً تدهورت العلاقة في السعودية بعد تصريح الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي في عام ٢٠٠٢ لصحيفة السياسة الكويتية بأن الإخوان المسلمين هم أصل البلاء. والوضع في الإمارات لم يخرج من السياق السابق، ولكن بمشاهد مختلفة، وما يعنينا هنا أن القطيعة ما بين النظام الإماراتي والاخوان حصلت في مارس عام ٢٠١١ بعد تقديم عدد من نشطاء (جمعية الحقوقيين) وهي التي تم تأسيسها بعد حل جمعية الإصلاح (التي تمثل الاخوان المسلمين في الإمارات) وثيقة إصلاحية، تطالب بتوسيع صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي. وأعتقد أن الصعود الإسلامي بعد ثورات الربيع العربي في تونس، والمغرب، ومصر هو المأزق الرئيس.

هل يمكن اعتبار حركة النهضة التونسية من الإخوان المسلمين لا سيما بعد تجربتها في الحكم؟

المسألة في تونس مختلفة عن المشرق. لقد ذكرت في كتابي (تحولات الإسلام السياسي: حركة النهضة التونسية انموذجاً) أن الحركة تأثرت بأفكار الإخوان المسلمين لا سيما في حقبة الحبيب بورقيبة التي فرضت العلمانية فيها، وأثرت على الثقافات والبنى التعليمية. في عام ١٩٧٨ وهي الانتفاضة العمالية، اكتشف راشد الغنوشي أن الحركة كانت بعيدة عن الواقع التونسي، ومن هنا كانت بداية المراجعات. ذكر الغنوشي في كتابه (من تجربة الحركة الإسلامية في تونس): كانت الحركة أمام خيارين، إما أن تختار الأفكار المستوردة وتصطدم مع الواقع التونسي، أو أن تنتظم مع الثقافة والبيئة التونسية. وأعتقد أنه لو لا الخيار الثان لما وصلت الحركة إلى حجمها الراهن. في مقابلة خاصة أجريتها مع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، سألته عن تأثير أيديولوجيا الاخوان على الحركة، فقال ” كل ما يدخل إلى تونس يتتونس “. وهذه إشارة مهمة إلى ضرورة التأقلم مع خصوصية البيئة وثقافة مجتمعها. بالإضافة إلى ما سبق هناك مقابلة مهمة أجراها الإعلامي أحمد منصور مع عبد الفتاح مورو قيادي في حركة النهضة وأحد مؤسسيها، ونائب رئيس مجلس النواب التونسي، قال فيها ” أن الحركة لم تبايع جماعة الإخوان المسلمين “. أستطيع أن أقول إن التأثر بفكر جماعة أو حزب، لا يعني الارتباط العضوي. والمتابع لتجربة الحركة في الحكم وما تلاها من تطورات لا سيما في مؤتمرها العاشر عام ٢٠١٦، سيدرك الفارق ما بين التأثر والتجاوز.

التيارات المتطرفة، وسيد قطب

هل كان لفكر الإخوان المسلمين دور مباشر في انتاج الحركات الإسلامية المتطرفة؟

الإجابة على هذا السؤال المهم لا يمكن أن تكون بنعم أو لا. هناك كتابات ودراسات عديدة غربية كانت أو عربية سلطت الضوء على هذه المسألة وبعمق. ولكن ما المقصود بفكر الإخوان المسلمين؟ ألا يحتاج هذا السؤال إلى فهم تاريخ هذه الجماعة وتحولاتها ومراجعاتها؟ ومن يمثل فكر الاخوان المسلمين؟ هل هي رسائل البنا فقط؟ أم سيد قطب؟ أم مراجعات الهضيبي؟ أم مراجعات وتحولات الحاضر؟ في الحقيقة إذا كان التيار القطبي هو من يمثل الإخوان فقط، فأستطيع أن أقول إن الحركات الإسلامية المتطرفة استفادت من اطروحاته لا سيما ما كتبه أبو بكر ناجي (إدارة التوحش)، وهو بمثابة دستور داعش، كشأن التيارات والحركات المتطرفة الأخرى التي تغذت على أفكار اليسار على سبيل المثال، والسؤال هنا: أين الخلل في هذه الحالة؟

تشدد سيد قطب زاد في السجن، وما أنتجه من أفكار لا يمكن فصلها عن نفسية السجين، لا سيما كتابه معالم في الطريق الذي قاده إلى طرق الإعدام في أغسطس ١٩٦٦. قطب لم يمر بمرحلة التكوين الحزبي لدى جماعة الإخوان المسلمين، ونشأته كانت بعيدة عن هذه الجماعة، ولكن انضمامه لها في ١٩٥٣، كانت بمثابة ردة فعل على نهج عبد الناصر، وأعتقد أن أحد أسباب فكرة كتاب معالم في الطريق، هو الانتقام من عبد الناصر ذاته. لو لم يعدم سيد قطب، هل سيراجع كتاباته في عالم غير ثابت؟

هناك من يقول إن الاسلاموية في طريقها إلى الاندثار. ما هو مستقبل هذا المكون؟

الحركات السياسية الإسلامية هي حركات اجتماعية بالمقام الأول، وقائمة على فكر معين، ستنتهي إذا تصلبت ورفضت تجديد أفكارها، وستصبح مجرد معلومة في صفحات التاريخ، ولكن الواقع يقول إن بعض هذه الحركات تطورت في نهجها وأسلوبها، ويمكن ملاحظة ذلك في شمال أفريقيا، والمشرق العربي أيضاً. كما أن هذه المسألة متعلقة بالكيفية أكثر من الوجود نفسه، وهو أمر متعلق بكيفية قراءة الظروف المحيطة والعلاقات الدولية والديناميات المحلية. هناك حركات تجاوزت وخرجت من المفهوم التقليدي للإسلام السياسي، يطلق عليها بعض الباحثين (ما بعد الإسلام السياسي)، وآخرون يصفونها (ما بعد الإخوان). ويمكن القول إن هذه الحركات هي نتاج لمراجعات وتجديدات فكرية لم تخرج عن إطار القيم الأساسية.

.

مبارك صالح الجِرِي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.