نيويورك تايمز: هكذا كان خاشقجي وهذا ما خطط له

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا تكشف فيه عن مشاريع وخطط الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي اختفى في داخل سفارة بلاده بداية هذا الشهر.

ويكشف التقرير،عن أن خاشقجي كان يعتزم إنشاء موقع ينشر فيه ترجمات للتقارير الاقتصادية عن الفساد في العالم العربي، بما في ذلك السعودية، مشيرا إلى أن من مشاريعه الأخرى كان منظمة للديمقراطية في العالم العربي.

وتنقل الصحيفة عن خاشقجي، قوله عندما استلم في نيسان/ أبريل إدارة مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، إن الديمقراطية تتعرض لهجوم في العالم العربي من الراديكاليين الإسلاميين والأنظمة الديكتاتورية والنخب التي تخشى من المشاركة الشعبية.

وأضاف خاشقجي أن ولي العهد محمد “يستثمر مئات المليارات في برامج المستقبل، ويقوم بعمله معتمدا على قدرته للحكم وقدرة مجموعة صغيرة من المستشارين”، وتساءل قائلا: “هل هذا يكفي، لا، إنه غير كاف”، فيما يقال إن ولي العهد اتصل به أكثر من مرة منذ وصوله إلى واشنطن، وطلب منه تخفيف لهجته، ودعاه للعودة لكنه رفض.

ويجد التقرير أن خاشقجي يمثل صورة عن العمل مع العائلة المالكة والتعاطف مع الإسلاميين ودعم الديمقراطية حتى وصل محمد بن سلمان إلى السلطة فقام بتكسيرها، مشيرا إلى أنه وصل إلى واشنطن الخريف الماضي، تاركا وراءه قائمة من الأخبار السيئة، ومنع من الكتابة حتى على “تويتر” من ولي العهد الجديد، بعد عمله ناطقا غير رسمي للعائلة السعودية الحاكمة.

وتلفت الصحيفة إلى أن مقالة خاشقجي في صحيفة الحياة ألغيت، وانهار زواجه، ومنع أقاربه من السفر؛ للضغط عليه ليتوقف عن نقد حكام السعودية، مشيرة إلى أن عددا من أصدقائه تعرضوا للاعتقال عندما كان في الولايات المتحدة، واتخذ قراره بأنه من الصعب العودة الآن في وقت قريب وربما للأبد.

وينوه التقرير إلى أن “خاشقجي قام بإعادة اختراع نفسه بصفته ناقدا للنظام، وساهم في صحيفة (واشنطن بوست)، واعتقد أنه وجد الأمن في الغرب، وكما اتضح فإن الحماية الغربية امتدت لمستوى ما، وكانت آخر مرة شوهد فيها بعد دخول قنصلية بلاده في 2 تشرين الأول/ أكتوبر لتسلم أوراق تتعلق بطلاقه، وقتل على ما قيل على يد فرقة موت حضرت خصيصا من السعودية لاختطافه، وينفي المسؤولون السعوديون أنهم تسببوا بضرر لخاشقجي، لكن وبعد أسبوعين تقريبا فشلوا في تقديم أدلة على أنه خرج من القنصلية”.

وتفيد الصحيفة بأن “اختفاء خاشقجي أدى إلى فجوة في العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها السعودية، وأثر بشكل كبير على سمعة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي ربما مضى بعيدا في تصرفاته بطريقة أبعد مما تحتمله الولايات المتحدة الحليف الأشد له”.

 

ويجد التقرير أن “إمكانية أمر الأمير الشاب بالعملية ضد المعارض السعودي تمثل تحديا للرئيس ترامب، وقد تحول العلاقات الدافئة بين البلدين إلى سامة، وقد تقنع الحكومات التي تجاهلت حملات اعتقاله واحتجازه رئيس الوزراء اللبناني، وردة فعله المبالغة ضد كندا، وحملاته ضد الدعاة والناشطين، وحربه في اليمن أنه مستبد لا يرحم، ولا يمتنع عن عمل أي شيء من أجل ملاحقة أعدائه”.

وتبين الصحيفة أنه “في الوقت الذي كشف فيه حادث اختفاء الصحافي ضوءا جديدا على ولي العهد، إلا أنه أشار إلى التشابكات داخل حياة خاشقجي، الذي وازن بين تعاطفه الإسلامي ودعمه للديمقراطية وخدمته الطويلة للعائلة المالكة، فتعاطفه مع الإسلام السياسي ساعده على عقد صداقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يطالب السعوديين بالكشف عن مصير صديقه الآن”.

ويذهب التقرير إلى أن “المنفى الإجباري كان ضربة لخاشقجي، الذي عمل معلقا وكاتبا ومحررا ليصبح من أشهر الشخصيات في المملكة، ولفت الانتباه أولا عندما قابل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ثم أصبح مقربا وموثوقا من الأمراء السعوديين، وأصبح بهذا على علاقة قوية وشخصية مهمة لمن يريد التعرف على المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية، لكن أمريكا أعطته الحرية، (لأنني أصبحت حرا وأكتب بحرية)”.

وتورد الصحيفة نقلا عن عدد من أصدقائه، قولهم إن رغبته في الكتابة والدعم للإصلاح من الخارج وضعاه على تصادم مع ولي العهد السعودي، مشيرة إلى أنه “بسبب قيام محمد بن سلمان بتفكيك نظام الحكم الإجماعي الذي أديرت فيه المملكة، وأصبح الحاكم المطلق، فإن أي قرار لتصفية معارض لن يتخذه غيره، وكانت أول معرفة لخاشقجي بالشهرة هي علاقته بابن لادن، فهو مثله عاش في جدة، وكان جد جمال طبيبا عالج الملك السعودي الأول للمملكة، وكان عمه عدنان خاشقجي المعروف في عالم صفقات الأسلحة، مع أن جمال لم ينتفع من ثروته، ودرس في جامعة ولاية إنديانا، حيث عاد إلى السعودية للعمل في (سعودي غازيت)”.

وينقل التقرير عن عدد من أصدقائه، قولهم إنه انضم في شبابه لجماعة الإخوان المسلمين، ومع أنه توقف عن حضور اجتماعاتها، إلا أنه حافظ على البعد المحافظ المعادي للغرب، وكان يبرزه عندما أراد، ويصفه أصدقاؤه بالملتزم الذي كان يؤم الصلاة في غرف الأخبار، كما يقول المحرر شهيد رضا بيرني، الهندي الذي عمل معه.

وتقول الصحيفة إنه مثل بقية السعوديين، شارك في الجهاد الأفغاني، حيث سافر بناء على دعوة لمشاهدة ساحات المعركة، وفي أفغانستان لبس الزي الأفغاني، وحمل البندقية، لكنه لم يشارك في المعارك كما يبدو.

وينقل التقرير عن الباحث النرويجي توماس هيغهامر، قوله: “كان هناك بصفته صحافيا أولا، وكونه شخصا متعاطفا مع الجهاد، وكان هذا حال الصحافيين العرب كلهم، وبعض الغربيين”، فيما قال بيرني، الذي يعمل محررا في صحيفة في الهند: “القول إن جمال كان متطرفا هو كذب”، إلا أن الحرب الأفغانية كانت خيبة لاحقته، كما كتب أحد أصدقائه قائلا: “أصيب بالخيبة بعد القتال كله، ولأن الأفغان ظلوا متفرقين”.

وتذكر الصحيفة أن رحلات خاشقجي كانت مع مدير المخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل، بشكل جعل بعض أصدقائه يشكون إن كان يتجسس لصالح السعوديين، وبعد سنوات من قتل فريق من القوات الأمريكية الخاصة صديقه ابن لادن، حزن خاشقجي على المصير الذي أصابه، قائلا: “أنهرت باكيا قبل فترة ومحطم القلب لما حصل لأبي عبدالله.. كنت شجاعا وجميلا في تلك الأيام قبل أن تستسلم للكراهية والعاطفة”.

ويستدرك التقرير بأن عمله الصحافي تواصل، حيث كتب من الجزائر، وسافر إلى الكويت أثناء حرب الخليج، وصعد في سلم الصحافة في المملكة، حيث عمل في صحف يملكها الأمراء، وبعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، هاجم الذين نشروا نظريات المؤامرة، وقال إن المنفذين هاجموا الإسلام كونه دين تسامح وتعايش، وعين رئيسا لتحرير صحيفة “الوطن” عام 2003، ليعزل منها بعد شهرين، لكتابته مقالا هاجم فيه علماء الدين، وعين مرة ثانية عام 2007، وظل حتى عام 2010، وسافر مع الملك عبدالله، وأصبح قريبا من الملياردير الوليد بن طلال وتركي الفيصل، الذي عينه مستشارا له عندما كان سفيرا في كل من لندن وواشنطن، واشترى خلال هذه الفترة بيتا في ماكلين في فرجينيا، حيث هرب إليه بعد خروجه من المملكة.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن معظم أصدقائه، قولهم إنه عمل على المقاربة بين حبه للديمقراطية وتعاطفه مع الإخوان وخدمته للعائلة المالكة، وفي عام 1992، عندما سيطر العسكر على الحكم في الجزائر، وألغوا الإنتخابات، فإنه تعاون مع صديق له، وشكلا منظمة “أصدقاء الديمقراطية في الجزائر”.

وينقل التقرير عن عزام التميمي، قوله أن الجمعية نشرت إعلانات في الصحف، وجاء فيها “عندما ستدلي بصوتك، تذكر أن هذه نعمة محروم منها الكثيرون حول العالم، بمن فيهم الجزائريون”.

وتشير الصحيفة إلى أن خاشقجي عندما وصل إلى سن الخمسين أصبحت علاقته مع الإخوان غامضة، حيث قال الكثير من الإخوان إنه معهم، لكن أصدقاءه العلمانيين لا يعتقدون بهذا، إلا أنه لم يطالب أبعد من إصلاح العائلة المالكة، ودعم لاحقا التدخل العسكري السعودي في البحرين واليمن لمنع التأثير الإيراني، لافتة ألى أنه تحمس للربيع العربي مثلما تحمس للجهاد الأفغاني، وشعر بالخيبة لتدخل السعودية وغيرها لقمع حركات الربيع العربي.

وينقل التقرير عن المحلل في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن سيغورد نيبور، قوله: “لم يحب استخدام السعودية سياساتها للتصعيد والقمع في المنطقة”.

وتلفت الصحيفة إلى أن تسامح المملكة مع النقد تراجع مع صعود الملك سلمان عام 2015، وتعيين ابنه وليا للعهد، حيث تقدم بخطة لتنويع الاقتصاد والتحلل من النفط، مشيرة إلى أن خاشقجي دعم الإصلاحات، لكنه شعر بالضيق من سياسات الأمير، وعندما انتقد خاشقجي انتخاب ترامب حظر عليه السعوديون الحديث، حيث خافوا من الإضرار بعلاقاتهم مع الإدارة، وعندما غادر المملكة، وبدأ في الكتابة في “واشنطن بوست”، حيث قارن في واحد من مقالاته محمد بن سلمان بفلاديمير بوتين، ما جعل أصدقاءه يعتقدون أنه أصبح على القائمة السوداء.

 

ويختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول عزام التميمي، صديق خاشقجي: “دفع محمد بن سلمان الملايين لخلق صورة له، وكان جمال خاشقجي يقوم بتدمير هذا كله بكلمات قليلة”.

 

 

 

.

م.عربي21

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.