ضربتان للسعودية في يوم واحد.. وتوقعات بتخلّص السعودية من الشهود بهذه الطريقة

ضربتان للسعودية في يوم واحد أمس الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. أعلنت السعودية أنَّها ستطلب إصدار أحكام بإعدام بعض أفراد الفريق السعودي المشتبه بهم في قتل جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات بحق بعضهم.

كان ذلك هو الرد الأقوى حتى الآن من جانب إدارة دونالد ترمب، التي قاومت أسابيع، إضعاف العلاقات بين واشنطن والرياض بصورة أكبر.

لكن وفقاً لخبراء، فإنَّ هذه الخطوة ليست كافية لتعنيف المملكة.

العقوبات فُرضت بعد ساعات من اتهام السعودية 11 شخصاً

فرضت الولايات المتحدة ما يُعرَف باسم عقوبات قانون ماغنيتسكي أو Global Magnitsky Human Rights Accountability Act على أكثر من 12 سعودياً.

وقانون ماغنيتسكي يهدف إلى كبح انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، عن طريق منع دخول الأفراد مرتكبي الجرائم البشعة إلى الولايات المتحدة، أو منعهم كذلك من استخدام نظامها المصرفي.

ووفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، فإنَّ كل مَن وُقِّعَت عليهم العقوبات يوم الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كانوا يعملون في الحكومة السعودية وقت مقتل خاشقجي.

وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، يوم الخميس، لموقع Vox الأميركي، إنَّ الأفراد المعنيِّين بالعقوبات «استهدفوا صحافياً أقام وعمل بالولايات المتحدة، وقتلوه بوحشية»، و»لا بد من أن يواجهوا عواقب أفعالهم».

وقبل ساعاتٍ من إعلان العقوبات الأميركية، وجَّهت السعودية الاتهام إلى 11 شخصاً على صلة بجريمة القتل -بينهم سعود القحطاني- وطلبت حكم الإعدام لـ5 منهم.

وكان أحمد عسيري، نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، من بين مَن اتهمتهم السعودية، لكنَّ العقوبات الأميركية المفروضة يوم الخميس لم تشمله.

لكن، هل تلك العقوبات كافية؟

هذا ما يشكّ فيه شون كاين، وهو مسؤولٌ سابق معنيٌّ بالعقوبات في وزارة الخزانة الأميركية.

قال كاين: «كانت تلك الخطوة أقل ما أمكنهم فعله وأقصى ما كان يجب علينا أن نتوقعه منهم».

وأضاف: «إنَّ سلطة قانون ماغنيتسكي العالمي موجودةٌ لتستهدف بالضبط مثل هذا السلوك الذي يرتكبه الفاعلون من الدول، ولذا كان عدم استخدامه في هذا السياق سيثير الشكوك».

مع ذلك، أضاف كاين: «لن تؤثر هذه العقوبات جدياً في سلوك النظام السعودي إذا لم تَتبعها خطوات أخرى».

لا يبدو أنَّ ترامب يريد فعلاً تعنيف السعودية، والسبب كل هذه المليارات

منذ مقتل خاشقجي، كانت حقيقةٌ واحدة جلية: سيفعل ترامب أي شيءٍ إلا أن يُعنِّف الحكومة السعودية بشدة.

فصرَّح يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد مضي أسبوعٍ لا أكثر على قتل الصحافي، قائلاً: «وقعت هذه الحادثة في تركيا، وعلى حد علمنا فإنَّ خاشقجي ليس مواطناً أميركياً».

وأضاف: «لا يُعجبني أن نُوقِف مبالغ طائلة من الأموال التي تُضَخ في بلادنا. هذا أمرٌ غير مقبول بالنسبة لي»، مُشيراً إلى رغبته في بيع أسلحةٍ بقيمة 110 مليارات دولار للسعودية.

وعلى ما يبدو، فإنَّ ترامب ببساطة لا يريد المخاطرة بخسارة المال السعودي الوارد.

وبخلاف صفقة الأسلحة، قالت الرياض إنَّها بصدد استثمار نحو 20 مليار دولار بمشروعات ببنية تحتية أميركية، كما نشرت New York Times سابقاً.

وكان ترامب قد تعهَّد باستمرارٍ بأن يُعيد بناء الكثير من الطرق والجسور والمطارات الأميركية المتهالكة، لكنَّه يفضِّل ألا يكون ذلك بأموال دافعي الضرائب الأميركيين.

كذلك، تدعم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الحرب السعودية في اليمن، عن طريق الدعم الاستخباراتي.

إذن، لمَ فُرِضَت العقوبات؟

من المحتمل أنَّ ترامب يحاول بذلك استرضاء الكونغرس الأميركي، الذي يزداد تشكُّكه في المملكة أكثر فأكثر.

إذ ضغط الديمقراطيون في كلٍّ من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، بدعمٍ من بعض الجمهوريين، على الولايات المتحدة لتقليص العلاقات الأميركية مع الرياض.

ولاقت العقوبات المُوقَّعة يوم الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، احتفاءً من بعض أعضاء قيادة الحزب الديمقراطي بمجلس النواب الأميركي، مثل النائب ستيني هوير، وهو  عضو ديمقراطي بمجلس النواب عن ولاية ماريلاند ومسؤول الالتزام الحزبي للأعضاء الديمقراطيين بالمجلس.

وقال هوير في بيانٍ أصدره يوم الخميس: «إنَّ العقوبات الموقَّعة اليوم خطوةٌ مرحَّب بها في التعامل مع جريمة القتل البشعة التي تعرض لها جمال خاشقجي، والتي حاولت الإدارة الأميركية في البداية التغاضي عنها. وبينما نحن مستمرون في الإعلاء من شأن شراكتنا الاستراتيجية مع السعودية، فإنه يجب إحداث تغييرات كبرى».

لكنَّ الأرجَح أنَّ الشخص الوحيد الذي بيده عمل ذلك اتغيير (ترامب) لن يُقدِم على ذلك.

بعد شهر ونصف الشهر، السعودية تبرّئ ساحة محمد بن سلمان

إذن، بعد شهرٍ ونصف الشهر من عملية القتل، بات كل شيءٍ واضحاً: باءت محاولة إعادة خاشقجي بفشلٍ ذريع، وحُدِّدت هُويات المشتبهين، ووُزِّعت العقوبات الصارمة، وأُغلِقَت القضية.

وبُرِّئت ساحة محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي البالغ من العمر 33 عاماً.

فأكَّد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، للصحافيين، في الرياض، الخميس، أنَّ «صاحب السمو الملكي ولي العهد بالتأكيد لا علاقة له بهذه القضية».

ولا تصل العقوبات الأميركية إلى مستوى الأمير، ولا حتى قريباً منه، وفق ما أكدته صحيفة The New York Times.

ويبقى أن نرى ما إذا كانت النسخة الأخيرة من رواية الأحداث ستضع حداً لقضية خاشقجي أم لا.

لكن تركيا ليست مقتنعة، والتسجيل الذي بحوزتها يفترض تورطه

فتركيا ليست مقتنعة بها، وهي التي يبدو أنَّ لديها تسجيلاً صوتياً كاملاً لما حدث، وقامت بالكشف عن بعض أجزائه بانتظام.

كان آخرها أنْ أخبر أحد أعضاء فريق القتل مديراً له عبر الهاتف، بقوله: «أبلِغ رئيسك» أنَّ العمل قد أُنجِز.

إذ شدَّد وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، على أنَّ عملية القتل لم تكن قراراً ارتجالياً.

وقال: «جُلِبَت المعدات والأشخاص اللازمون مسبقاً من أجل القتل، ثُمَّ بعد ذلك تقطيع الجثة».

وبالفعل، يصعب تصديق أنَّ عملاء أمنيين يُشكِّلون حمولة طائرة، بينهم متخصص بالطب الشرعي، قد قطعوا كل هذا الطريق إلى إسطنبول، فقط من أجل إقناع خاشقجي بالعودة إلى بلاده، وهو الذي كان مُقرَّباً قبل ذلك من أمراء في العائلة الحاكمة، ثم أصبح مُنتقِداً لولي العهد بمنفاه الاختياري.

تخوُّف من أن تتخلص السعودية من الشهود الرئيسيين بإعدامهم

وقد لا تظهر الحقيقة أبداً، لا سيما إذا نجح النائب السعودي في استصدار حكم الإعدام الذي يطلبه لـ5 من المشتبهين السعوديين؛ ومن ثم التخلُّص من الشهود الرئيسيين، وفق تعبير الصحيفة.

لكن الأمر الواضح بالفعل هو أنَّ العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة يجب أن تتغير.

فالأمر لا يتمثل في مجرد أنَّ الغضب بشأن عملية الاغتيال الفجّة قد وضع عائلة آل سعود في موقف الدفاع، وذلك بالنظر إلى أنَّ أهم حليف للرياض ومُورِّد أسلحة لها يضغط من أجل توجيهها أكثر تجاه الأهداف الأميركية.

ما تغيَّر هو أنَّ عملية الاغتيال والمحاولات المثيرة للشفقة من أجل التغطية عليها، قد تركت الإمبراطور (ولي العهد) عارياً، كما وصفته الصحيفة.

علاقات أميركا مع السعودية وغيرها كان دائماً عنوانها النفط

منذ تأسيس السعودية تقريباً، لجأت الولايات المتحدة والقوى الغربية المُتعطِّشة للنفط والجائعة لدولارات الاستثمارات السعودية، إلى غض الطرف بدرجةٍ كبيرة عن انتهاكات المملكة المنهجية لعناصر حقوق الإنسان، وضمن ذلك قمع النساء والحريات الدينية وحرية التعبير.

لم يكن هذا النهج ضيق الأفق مقتصراً على السعودية، إذ تعامَل الغرب مع الاتحاد السوفييتي وعشرات النظم الاستبدادية الأخرى لمنع الحرب، وضمان إمدادات النفط والمواد الخام الأخرى، وفي العقود الأخيرة لمحاربة الإرهاب.

لكن الأمير محمد بن سلمان تجاوز الحد وأحرج الأميركيين

ففي أثناء حملته لاحتواء النفوذ الإيراني، شنَّ حرباً غير مدروسة في اليمن.

تفجَّرت وتحوَّلت إلى أزمة إنسانية ذات أبعاد لا تُوصَف، تُعَد أميركا متواطئة فيها، باعتبارها مُورِّدة للأسلحة والدعم العسكري.

وحاصر قطر؛ واحتجز رئيس الوزراء اللبناني. وجعلت نتيجة الانهزام الذاتي السعوديةَ تبدو هي التهديد الإقليمي الرئيسي بدل إيران.

وفي داخل السعودية، بدأ الأمير ما بدا للوهلة الأولى أنَّها إصلاحات اجتماعية واقتصادية واعدة، تضمَّنت رفعاً للحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات.

لكنَّه أيضاً احتجز مجموعة من أبناء عمومته الأمراء وغيرهم من المليارديرات، لبسط سلطته.

وضيَّق الخناق على المعارضين؛ الأمر الذي أدَّى إلى مقتل خاشقجي، سواء كان ذلك بأمرٍ منه أو لا.

وواصل الأمير محمد، خلال فترة حكمه السيئة في معظمها، التمتُّع بحظوة الرئيس ترامب وصهره غاريد كوشنر، الذي تولّى ملف الشرق الأوسط داخل البيت الأبيض رغم افتقاره إلى المؤهلات.

ونظرا (ترامب وكوشنر) إلى الأمير باعتباره حليفاً ضد إيران إلى جانب إسرائيل، ومشترياً لأسلحة أميركية لا حصر لها.

كان أول رد فعل لترامب على استمرار صفقات الأسلحة، ثم عيَّن سفيراً!

وكان من بين ردود فعل ترامب الأولى على مقتل خاشقجي تصريحه بأنَّ القضية لن تؤثر على مبيعات الأسلحة المُربِحة.

بدلاً من توتر العلاقات الدبلوماسية، عيَّن ترامب سفيراً!

وقد اختار الرئيس أخيراً، في الوقت الحالي، سفيراً للرياض، وهو منصب ظل شاغراً منذ توليه الرئاسة.

لكنَّ المظهر الأكثر شيوعاً للتعبير عن الاستياء في الدبلوماسية هو سحب البلدان سفرائها، وليس تعيين أحدهم.

غير أنَّ جون أبي زيد، وهو جنرال أميركي متقاعد لديه معرفة واسعة بالشرق الأوسط، يبدو خياراً جيداً، ونأمل أنَّه سيُنوِّر البيت الأبيض حيال السعوديين.

لكن القلق منه بدأ قبل خاشقجي بكثير

وعلى أي حال، تنامى قلق البعض في واشنطن وبعض العواصم الأخرى من محمد بن سلمان قبل فترة طويلة من اغتيال خاشقجي.

لكنَّ عملية الاغتيال في إسطنبول، التي سُجِّلت بكل فظائعها في الأشرطة التسجيلية التركية، قد مزَّقت الستار الأخير.

وسرعان ما قلَّصت حكومات ومديرون ورؤساء تنفيذيون لشركاتٍ، وساسة ارتباطهم بالمملكة.

والآن لأميركا اليد العليا في البتّ بملفات أخرى مثل قطر واليمن

لا شك في أنَّ ذلك يعطي إدارة ترمب نفوذاً كبيراً على نظامٍ سعوديٍّ أُضعِفت قواه، لدفعه إلى قول حقيقة كيفية موت خاشقجي، وإنهاء حرب اليمن الكارثية، ورأب الصدع بالعلاقات مع قطر، والمساعدة في صنع السلام بإسرائيل، والحفاظ على استقرار أسعار النفط، واستبدال ولي العهد بآخر أقل تهوراً وخطورة، وهذا بحسب ما ترشحه نتائج التحقيقات المتعلقة بوفاة خاشقجي.

ومقتل خاشقجي هو الحد الذي يتوجب عنده أن تنتهي كل التجاوزات

ولفتت الصحيفة في افتتاحيتها، إلى أنَّ أي مَطالب كهذه ستكون نفاقاً، «إن لم يصحبها إنهاءٌ للاستهانة السافرة بحقوق الإنسان الأساسية من جانب المملكة».

كل هذا لم يبدأ بقتل خاشقجي، لكنَّ قتله هو النقطة التي يتوجب عندها أن ينتهي كل هذا، وكذلك التواطؤ الأميركي.

 

 

 

 

.

المصدر:عربي بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.