أحمد داود أوغلو.. كيف سيكون الرد؟!

بقي القليل ونعرف ما المقصود من نشر ” توصيات وتقييم الدكتور أحمد داوود أوغلو لنتائج انتخابات 31 من آذار والظروف السياسية التي نعيشها ” على موقعه وباللغة العربية هذه المرة بعد أيام على تعميمها باللغة التركية.

قرار الانتفاضة التي حدثتنا عنها خير النساء غل زوجة الرئيس التركي الأسبق عبد الله غل عندما أعلنت في آب 2014 أنها لن تسكت وستتحرك لإطلاقها بسبب الهجمة التي تعرض لها زوجها لقطع الطريق عليه حزبيا وسياسيا يومها ثم عادت للتراجع عن ذلك ، كان أحمد داود أوغلو الذي قبل مهام رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة يومها جزءا منها فلا يمكن وصف ما يقوم به اليوم على أنه انتفاضة .

داود أوغلو، قال لنا يومها إن العدالة والتنمية حزب قديم منبعه ومصدر قوته جماهيره، بقيادة رجب طيب أردوغان.
مؤهلات داود أوغلو جعلته أحد أفضل الأسماء لتولي مهامه؛ هويته الإسلامية والمحافظة ومواقفه الليبرالية وصداقته للعدالة والتنمية. لكنه في أيار عام 2016 قرر مغادرة منصب رئاسة الوزراء ثم منصب رئاسة الحزب وبعدها في نيسان 2018 أعلن أنه لن يترشح للانتخابات البرلمانية.

أكثر من خلاف وأزمة مع الرئيس أردوغان في الأسلوب وطريقة التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية إلى جانب قرار تغيير شكل النظام في تركيا الذي كان لداود أوغلو الكثير من الملاحظات حوله.

ها هو داود أوغلو يعود مجددا إلى قلب المشهد السياسي عبر رسائل انتقاد واسعة لحزب العدالة وقياداته وأساليبه وقراراته في الداخل والخارج.

اعترض كما يقول على تسلم الرئيس لمنصب رئاسة البلاد ورئاسة الحزب في الوقت نفسه في النظام الرئاسي التركي الجديد . وعلى التمسك بالتحالف مع حزب الحركة القومية حتى الآن .وترك الحزب بيد مجموعة ضيقة من أصحاب المصالح .ودعا لمواجهة حالة الحزب اليوم وما كانت عليه قبل 17 عاما في شعارات التأسيس ومعايير الحريات والعمل الديمقراطي

ما الذي يريده أحمد داود أوغلو من خلال هذا الهجوم العلني والمباشر والمركز ؟

هل هو ينتقد ليتم إخراجه من الحزب طالما أن دوره وموقعه مهمش  ؟

هل كان أوغلو سيقدم على خطوة من هذا النوع لو لم يكن حزبه تعرض لخسارة موجعة في المدن التركية الكبرى بعد الانتخابات المحلية الأخيرة ؟

هو يقول إنه جزء من الحزب لكنه يغامر بتوجيه هذا الكم الهائل من الانتقادات العلنية وفي العمق هل من حقه أن ينشر غسيل الحزب على هذا النحو وهل سيتغاضى الحزب ورئيسه أردوغان عن ذلك ؟

حتى ولو كان ما يقوله في مضمون رسائله محقا أو هو قابل للنقاش فإن ما أقدم عليه من ناحية الشكل لا يمكن التغاضي عنه حزبيا وسياسيا . فهل هي رسالة وداع لحزبه حولها إلى قنبلة انشطارية سيكون لها ارتداداتها الواسعة داخل الحزب وخارجه ؟

هل هي خطوة باتجاه قيادة “حركة تصحيحية “داخل حزب العدالة والتنمية ويكون هو رأس الحربة فيها بعد انتظار اللحظة المناسبة لإعلان ساعة الصفر فيها ؟

لكن السؤال الأهم والأقرب هو هل سيهضم الحزب وقياداته هذه الهجمات في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها ؟

 

في الأسلوب أولا :

مشكلة داود أوغلو الأولى هي اللجوء إلى مخاطبة حزبه وقياداته عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهي طريقة تعامل غير مألوفة في العمل الحزبي الملتزم.

مشكلته الثانية هي توجيه انتقاداته العلنية بحوالي 15 صفحة إلى سياسات ومواقف وأساليب الحزب في التعامل مع كثير من القضايا الداخلية والخارجية دون تقديم وجهة نظره بالطرق الحزبية المتعارف عليها بين أعضاء الحزب الواحد لكن المشكلة هي أن المواطن سيسأل عن أسباب صمت داود أوغلو طوال هذه الفترة التي كان له كثير من المآخذ والانتقادات الحزبية خلالها .

مشكلة داود أوغلو الثالثة هي ترجمة انتقاداته من التركية إلى العربية ونشرها على موقعه وكأنه يريد أن يشرك العالم العربي في تحركه هذا متجاوزا حدود أن المسألة ينبغي أن تكون بين أهل البيت الحزبي المشترك .

الواضح أن داود أوغلو يمارس حقه الديمقراطي في التعبير والقول لكن عليه أن يستعد لتحمل ارتدادات خطوته هذه وهو حق للحزب وقياداته في مساءلته عن أسباب اللجوء إلى الإعلام بهذا الشكل وتجاهل التراتبية الحزبية الواجب احترامها والالتزام بها .

أزمة داود أوغلو الأكبر قد تكون ربما محاولة استغلال خسارة حزب العدالة للعديد من بلديات المدن التركية الكبرى فقرر التحرك مستغلا الظروف والأجواء لرفع مستوى ارتدادات الأزمة على حزبه.

أو هو يستعد للمغادرة لكنه أراد إشعال الفتيل من داخل الحزب نفسه ليقوده نحو التفكك والشرذمة وهو ما يعني في أضعف الأحوال ضرورة استعداده لتلقي ضربة الرد على ما فعله.

داود أوغلو وكما يرى البعض يستفز حزبه بهذا الشكل وهو يريده ربما أن يصعد ضده ويتبنى أسلوب إحالته على مجالس التأديب الحزبي، والحزب لا يمكن له سوى أن يعطيه ما يريده بعد هذه الساعة .

 

في المضمون ثانيا :

داود أوغلو قد يكون محقا في تشخيصه لموضوع العلاقة بين حزبي العدالة والحركة القومية وارتداداتها السلبية على الحزب الأول فحزب العدالة يتراجع لصالح حليفه اليميني القومي وهذا ما أعلنه بهشلي نفسه قبل أيام عندما قال إن أصوات حزبه تصل اليوم إلى 18 بالمئة مما يعني أن مجموع أصوات العدالة والتنمية لم يعد يتجاوز نسبة ال 35 بالمئة على ضوء أرقام ومعطيات الانتخابات المحلية الأخيرة .

لكن التفاف القيادات الحزبية المنسية أو المبعدة أو المتنحية في العدالة والتنمية حول مجلس قيادة جماعية يذكر بالقيادة الثلاثية عام 2001 في حزب العدالة قد يلحق أضرارا بالغة بقوة ونفوذ العدالة لصالح حزب الحركة القومية وأحزاب المعارضة الأخرى وهذا ما تعرفه القيادات الحزبية الإسلامية التي ستجد نفسها أمام مشهد مكلف وخطير .

ظروف ومعطيات اليوم تختلف كليا عن ظروف ومعطيات عام 2014 لناحية التطورات الداخلية والخارجية.

داود أوغلو لا يملك هذا الثقل الشعبي والجماهيري والحزبي الذي يعطيه فرصة قيادة العدالة والتنمية رغما عن الرئيس أردوغان أو حتى إنشاء حزب إسلامي بديل قادر على المنافسة وتصدر المشهد .

وداود أوغلو قد يكون محقا في الدعوة إلى مراجعة حزبية شاملة لمعرفة حقيقة ما جرى بتاريخ 31  من آذار الماضي وبالعودة إلى ما قبل 17 عاما مرحلة التأسيس والشعارات والأسس المرفوعة يومها . لكنه هو الآخر مدعو لشرح ما جرى عام 2014 وطريقة تحييد عبد الله غل أولا ثم موقفه من إزاحة العشرات من الكوادر الحزبية المعروفة ثانيا .

داود أوغلو يستفيد من نتائج الانتخابات المحلية التي أضعفت العدالة والتنمية في المدن الكبرى والتي تركت أردوغان أمام مأزق التمسك بحليفه القومي والإصغاء إلى ما سيقوله رؤساء البلديات الفائزون في إسطنبول وأنقرة وأنطاليا وأزمير وأضنة.

لكن هناك أكثر من عقبة ومشكلة تعترض طريقه في المرحلة المقبلة :

مشكلة داود أوغلو أنه يتحرك بمفرده حتى الآن ولا نسمع من يقف إلى جانبه .

مشكلته الثانية أنه دخل السياسة من باب التدرج الأكاديمي وليس العمل الحزبي فهو لا يعرف القواعد الحزبية وأنه من الصعب أن ينجح من خلال أسلوبه هذا في إقناع قيادات الحزب بما يريد ويقول .

لكن أخطر ما قد يطيح بكل تجاربه السياسية والحزبية هو الرهان على سيناريوهات حدوث مفاجآت سياسية وحزبية واقتصادية كأن يطالب دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية بانتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية مبكرة جديدة تضعف حزب العدالة أكثر فأكثر مثلا وعندها سيفقد هو الآخر الكثير من فرصه ومصداقية ما يقوله ويدعو إليه.

داود أوغلو قد يريد أن يصفي حسابات طريقة إبعاده عن رئاسة الحزب والحكومة قبل 3 أعوام بل الضربة الموجعة التي تلقاها في تحييد طروحاته و أفكاره وفلسفته وطموحاته السياسية . لكن مشكلته الأولى قد تظل دائما فشله في العثور على  ” العمق الاستراتيجي ” داخل حزب العدالة الذي يوفر له الاستقلالية وإطلاق يده في القرارات والقيادة . التسامح والتصافح بين قيادات العدالة هي مقدمة للتسامح والتصافح على طريق التحالف الوطني الذي تحدث عنه أردوغان مؤخرا لكن تحرك داود أوغلو الأخير يبقي الأبواب مشرعة أمام احتمالات التصعيد والقطيعة والانفصال في أية لحظة.

 بواسطة/ د. سمير صالحة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.