“ترامب إيطاليا”.. من فتى شرير في اليمين المتطرف إلى وزير سيدمر أوروبا

اليمين المتطرف يواصل صعوده المخيف في أوروبا منذراً بتحول درامي في الهوية الأوروبية القائمة على الحريات واحترام التنوع وحقوق الإنسان، إلى قيم بغيضة مثل تفوق الجنس الأبيض وكراهية المهاجرين، وتجلى ذلك كله في الصعود الصاروخي لأحد أقطاب ذلك التوجه وهو ماتيو سالفيني الإيطالي، بحسب تقرير لصحيفة The Daily Beast الأمريكية.

كل من تابع التحول السياسي الغريب لماتيو سالفيني من فتى شرير في اليمين المتطرف إلى رجل دولة يميني متطرف يعرف أن الرجل محبٌ للظهور، سواءً كان هذا الظهور متمثلاً في نشر صور السيلفي لنفسه وهو يأكل النوتيلا أو تصوير نفسه مع أنصاره المتعصبين؛ فهو يعرف كيف يجذب الجمهور.

وهذا ما فعله صبيحة الإثنين 9 أبريل/نيسان 2019 في ميلان، حين دشن الزعيم اليميني رسمياً حملته لخوض الانتخابات البرلمانية الأوروبية مع وعود «بإحداث هزَّة في الاتحاد الأوروبي»، ويذكر أن الائتلاف اليميني الذي يتزعمه سالفيني هو نسخة مخفَّفة من حزب رابطة الشمال الانفصالي السابق.

الاتحاد الأوروبي كابوس

وقال سالفيني، كمقدمة لتدشين حملته: «بالنسبة للعديد من الأوروبيين، يعد الاتحاد الأوروبي كابوساً، نأمل أن نغير ذلك».

يأمل سالفيني أن ينشر النهج المتشدد الذي لاقى استحساناً بسببه في أرجاء أوروبا، وفي أقل من عام، نجح سالفيني في تقليل الهجرة غير الشرعية بشكل جذري من خلال غلق كافة موانئ البلاد أمام قوارب المهاجرين، والتخفيف من صرامة قوانين استخدام السلاح، وإدخال تشريع «اضرب بالنار أولاً» للدفاع عن النفس.

مكافأة موسوليني

كما أعاد تطبيق مكافآة من عهد موسوليني على إنجاب الأطفال، وتصرف لمن ينجب أكثر من طفل في إيطاليا، للمساعدة في تعديل معدلات المواليد السلبية في البلاد؛ وحاول أيضاً أن يحد من إذاعة الموسيقى الأجنبية على محطات الإذاعة الإيطالية، وفخخ طريق الحصول على الجنسية الإيطالية بالمعوقات التي لا يمكن للكثير تجاوزها.

يود سالفيني لو يحقق الأمر نفسه في أرجاء أوروبا، بأن يجعل الهوية القومية أولوية، وفي تدشين الحملة يوم الإثنين، كان محاطاً من الجانبين بزعماء لهم نفس التوجه من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.

وقال سالفيني: «ليس بيننا متطرفون أو أشخاص يتوقون إلى العودة إلى سيرة الماضي»، ووصف من يشعرون بالقلق من أن الائتلاف يمثل عودة إلى الفاشية أو النازية بأنهم «متغطرسون من اليسار الراديكالي المنمق».

وقال: «ما من صحبة سوء هنا على هذه الطاولة، والنقاش المضني حول وجود فاشيين بيننا لا يعنينا. نحن نتطلع إلى الأمام نحو المستقبل».

الدعوة لتحول درامي

وتحدث يورغ مويتن، رئيس حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي يُقال إن بعض أعضائه من منكري الهولوكوست، عن أن صعود اليمين المتطرف لا يعني العودة إلى الماضي المظلم للبلاد. وحين كثر سؤاله عن الهولوكوست قال: «يجب ألا ننسى الهولوكوست أبداً»، غير أنَّه أضاف أن ألمانيا لا يجب أن تطيل الوقوف عنده بعد الآن، ودعا إلى «تحول بنسبة 180 درجة»، فيما يتعلق بالتكفير عن جرائم ألمانيا النازية في عهد هتلر.

وعلى هامش الفعالية، صرح مويتن لصحيفة The Daily Beast الأمريكية أنّه يتفق مع ما قاله عضو الحزب ألكسندر غاولاند بأنّ النازيين «مجرد فضلات في تاريخ ألمانيا الذي يذخر بنجاحات امتدت لأكثر من 1000 عام».

الاضطهاد العنصري لا يعنيهم

ويعتقد مويتن، مثل سالفيني، أنّ السيطرة على البرلمان الأوروبي ستمكن أحزاب اليمين المتطرف من نزع مركزية صنع القرار في أوروبا والترويج للقومية، ولا يبالي بأنَّ الجماعات التي تُسمى بـ»جماعات أنصار الهوية» التي تركز على القومية وترفض دمج المهاجرين في المجتمع، مرتبطة في الأذهان بالاضطهاد العنصري والهجمات العنصرية، بل إنّ منفذ الهجوم على مسجد النور بمدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا كان قد تبرع لأحد أحزاب أنصار الهوية بالنمسا قبل أن يطلق النار على المسجد في مارس/آذار الماضي ويقتل 50 شخصاً.

ورغم التدهور الذي شهدته مفاوضات البريكست، فإن العديد من الأحزاب التي يشملها الحلم الجديد لسالفيني من المشككين في أوروبا، وقال مويتن: «لابد من إدخال تغييرات جذرية؛ بمنح مزيد من الصلاحيات للدول ونزع السيطرة من بروكسل»، وأضاف حين سُئل عما إذا كان سيدفع في اتجاه تصويت يشبه البريكست في ألمانيا: «إذا وجدت تحركات في اتجاه بناء الولايات المتحدة الأوروبية، فسنرغب حينها في المغادرة».

وفي إيطاليا، كشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة La Stampa خلال عطلة نهاية الأسبوع أن ما يقرب من 50% من الإيطاليين يفضلون الآن عقد استفتاء للتصويت على بقاء إيطاليا في الاتحاد الأوروبي.

سالفيني رئيساً للاتحاد الأوروبي؟

أما أولي كوترو من الحزب القومي الفنلندي، وأندرس فيستيسن من حزب الشعب الدنماركي، فيدافعان بحماس عن سالفيني، وفي لحظة ترامبية بامتياز، تناوبا على التعهد بالولاء للزعيم الذي دعاهما إلى مشاركته المنصة، وشاركهما في ذلك مويتن، وقال كوترو، حين سُئل عما إذا كان يرى في سالفيني رئيس البرلمان الأوروبي القادم: «لا أرى قائداً أصلح بين المرشحين لرئاسة البرلمان الأوروبي من سالفيني».

وتُسمى كتلة سالفيني اليمينية المتطرفة بـ»أوروبا الأمم والحريات»، أو ما يُعرف اختصاراً بـ ENF، وتضم أحزاباً على شاكلة حزب الحرية في النمسا وحزب هولندا للحريات. كما تضم أيضاً مارين لوبان، التي كان غيابها ملحوظاً عن تدشين الحملة. وكان سالفيني قد التقى لتوه توأم روحه في باريس الأسبوع الماضي، وحين سئل عن سبب غيابها عن تدشين الحملة في ميلان رُغم ما يحمله الحدث من أهمية، قال بنبرة ذات دلالة «Cazzo!» وهي كلمة عامية إيطالية تعني «تباً» في سياق يتحمل السخرية بعبارات غير لائقة.

قال هذه الكلمة وكررها ثلاث مرات، ثم قال: «كما قلت وكررت ألف مرة في أسبوع واحد، أنا أمثل جميع الأعضاء، أنا أتحدث نيابة عن الفرنسيين والنمساويين والهولنديين؛ حتى حين لا يكونون حاضرين».

دمج الأحزاب اليمينية المتطرفة

يحلم سالفيني بدمج كتلة أوروبا الأمم والحريات مع كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) الذي يشمل حزب الشعب الدنماركي وحزب الفنلنديين وأوروبا الحرية والديمقراطية المباشرة (EFDD)، الذي انبثق عنه حزب «البديل من أجل ألمانيا» و»حزب البريكست» المشكل حديثاً في المملكة المتحدة والذي يتألف من أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي المتشددين الذين كانوا في السابق ضمن حزب استقلال المملكة المتحدة، وتعهد سالفيني أن تحالفاً كهذا بين الكتل الثلاث سيحدث «هزة في أوروبا» بشكل جوهري، لا سيما إذا تمكنت الكتل الثلاث من الفوز ولو بأغلبية بسيطة في انتخابات مايو/أيار المقبل.

وسيضم التكتل بعد تدشينه مرشحين من كافة دول الاتحاد الأوروبي، ويأمل أن يجذب إلى صفوفه حزب المحافظين البريطاني في حال لم تكتمل إجراءات البريكست بحلول 26 من مايو/أيار، وهو موعد عقد انتخابات البرلمان الأوروبي. كما يتواصل التكتل مع أحزاب اليمين المتطرف الهامشية في اليونان وإسبانيا، حيث تعد قضايا مثل الهجرة والتقشف محل إشكال كبير.

ويشترك كافة القادة الحاضرين في هدف محدد هو تحويل حُلم الولايات المتحدة الأوروبية إلى شيء أشبه ما يكون بائتلاف فضفاض للدول التي تتشارك في أهداف الهوية القومي والأمن القومي وحماية الحدود.

وقال سالفيني: «نحن لا نرغب في أوروبا تعيد توزيع المهاجرين السريين، وإنما نريد أوروبا لا تسمح لهم بالدخول».

وتشمل خطته دعم وكالة مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، والمعروفة اختصاراً بـ»فرونتيكس»، بـ 10000 رجل مسلح مستعد لحماية حدود أوروبا بأي ثمن، ويقتصر نشاط الفرونتيكس في الوقت الحالي على القيام بعمليات استطلاع جوية بعد إيقاف برنامج «صوفيا» الذي كان ينفذ عمليات البحث والإنقاذ، وفي ظل البرنامج الجديد، ستعمل وكالة الفرونتيكس كجيش دفاع موجود في البحر لإيقاف المهاجرين ومنعهم من العبور إلى إيطاليا واليونان وإسبانيا.

المهاجرون إرهابيون ومغتصبون

ويشير سالفيني باستمرار إلى المهاجرين الذين يحاولون الدخول إلى البلاد باعتبارهم إرهابيين ومرتكبي جرائم الاغتصاب، تماماً كما يفعل ترامب. وعند إنقاذ المهاجرين في البحر، غالباً ما يعرض إدخال النساء والأطفال إلى إيطاليا، ويعنفهن إذا ما رفضن ترك أبنائهن المراهقين أو أزواجهن في البحر.

كما يرغب سالفيني في إنهاء أي فرصة لتركيا بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي، علماً بأنها لا تزال في المراحل الأولى من التفاوض، وقال: «تركيا ليست ولن تكون أبداً جزءاً من أوروبا»، وشدد على أن هذا الموقف جزءٌ أصيل وغير قابل للتفاوض في برنامج اليمين المتطرف، وأضاف: «يجب إلغاء عملية إدخال تركيا. يجب بشكل قاطع فعل ذلك».

الدولة القومية وفقط

وتقتات جماعة اليمين المتطرف أيضاً على الهوية الوطنية، وهو مصطلح تكرر استخدامه أثناء تدشين الحملة. إذ قال سالفيني: «سندافع عن علامة «صُنع في أوروبا»؛ ولكننا نرغب أيضاً في الاحتفاء بظهور قدر أكبر من علامات مثل «صُنع في إيطاليا» و»صُنع في هولندا» و»صُنع في النمسا». ويمتد تعريف الهوية الوطنية ليشمل التراث الوطني واللغة والثقافات الوطنية. إذ لا ينظر هؤلاء الزعماء إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره بوتقة تنصهر فيها كل الثقافات؛ فما هو إلا اتحاد مفصول تماماً لشعوب متنوعة.

وقال فيستيسن: «لا يمكن العمل إلا من خلال مفهوم الدولة القومية والتركيز. إذا تركنا اختلافاتنا تقسمنا، سيغلب الطابع الأوروبي وسيطرة بروكسل على كل ما نقوم به».

بل إن سالفيني كان أكثر دقة في حديثه وقال: «لا نهدف إلى الخسارة أو إلى مجرد المشاركة في تلك الانتخابات. هدفنا أن نفوز وأن نغير قواعد اللعبة في أوروبا».المصدر/عربي بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.