موقف موسكو من التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بين الانتظار والترقب

التوتر المتزايد مؤخراً بين الولايات المتحدة وإيران، هو الحدث الأبرز في منطقتنا. تتعامل واشنطن مع إيران بسياسة “الضغط الأقصى”. إذ لم تعزز الولايات المتحدة العقوبات فحسب، بل أرسلت أيضاً حاملة طائرات إلى الخليج.

وفي الوقت نفسه، كثّف البيت الأبيض اتصالاته الدبلوماسية مع أوروبا وروسيا. فالتقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي يوم الثلاثاء. ونتيجة للجو الإيجابي الذي نشأ في واشنطن بعد الكشف عن تقرير مولر، يبدو أنه من الممكن إحياء العلاقات الثنائية.

بالطبع، من السابق لأوانه القول إن العلاقات قد أعيد ضبطها. فقد ناقش الطرفان فتح “قنوات الاتصال المجمدة”، وتشكيل تعاون سري في القضايا الحرجة. في الواقع، الولايات المتحدة وروسيا، اللتان لا تستطيعان الاتفاق على قضيتي فنزويلا وأوكرانيا، تبحثان عن فرص للمصالحة حول مشاكل الشرق الأوسط. ومن الواضح أن قضيتي سوريا وإيران تحتلان الصدارة.

تم الإعلان عن “التوصل إلى العديد من الاتفاقات الخاصة، واتخاذ خطوات ملموسة” بشأن سوريا في اجتماع سوتشي الأخير. بالنسبة لي، تتعلق هذه الخطوات بعملية الانتقال السياسي بصيغة تشمل بشار الأسد بطريقة أو بأخرى. كما أن واحدة من القضايا الشائكة هي مستقبل المنطقة الآمنة.

الأهم من ذلك، أن الموضوع الرئيسي للمصالحة هو إيران. أعتقد أنهما لا تتفاوضان فقط لفك ارتباط الأسد مع طهران، وإخراج الميليشيات الشيعية من سوريا، بل تناقشان أيضاً مشروعاً أكبر يتمثل في الحد من نفوذ إيران في المنطقة. إذا جاز لي الاستدلال والتخمين، فسيكون هذا ثاني اتفاق سري يتم التوصل إليه بشأن المنطقة بين واشنطن وموسكو. الأول كان في عام 2015، عندما دعا الرئيس السابق باراك أوباما روسيا إلى سوريا، يوم وصل نظام الأسد إلى شفا الانهيار.

كان يشعر بالقلق من أن سقوط الأسد المفاجئ قد يعرض أمن إسرائيل للخطر. وكانت النتيجة تدمير سوريا ومحيطها. والآن تريد إدارة الرئيس دونالد ترامب أن تكون إيران “دولة طبيعية لا تشكل تهديداً لجيرانها”. بمعنى آخر، صوّر إيران كهدف، بسبب المخاوف الأمنية لإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبرأيي، أن أمن الخليج مسألة ثانوية، حيث يتمثل الاهتمام الرئيسي في ضمان توسع إسرائيل، وكذلك إقصاء المخاطر التي تشكلها إيران ووكلاؤها، بشكل كامل.

إن موقف موسكو، الذي يبدو أنها حليفة لطهران، مهم في مجرى الأمور. لا أعتقد أن روسيا ستبذل جهداً جادّاً لإحباط مشروع الحد من نفوذ إيران. والأمر ليس مجرد مسألة اجتماعات بوتين المتكررة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يعلّق بوتين أهمية على العلاقات الثنائية مع إسرائيل. لدرجة أن إسقاط طائرة روسية لم يؤذ العلاقة الحميمة بينهما. يفضل بوتين، من خلال الحفاظ على موقعه كوسيط، الاستفادة من التوتر الجديد الذي ستحدثه الولايات المتحدة في المنطقة. مثلما هو الحال في سوريا، سوف ينتهز الفرص بأقل الخسائر. لا واشنطن ولا موسكو تهتمان بالفوضى والمحنة الإنسانية في المنطقة. إضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن يُتوقع من الصين، الحليف البعيد، أن تسهم كثيراً، بغض النظر عن محاولتها التغاضي عن الحظر المفروض على إيران.

هذه التحليلات لا ينبغي أن تجعل المرء يعتقد أن طهران ستستسلم بسهولة، بالنظر إلى أن قائد فيلق القدس قاسم سليماني، قد أصدر تعليماته للميليشيات العراقية “بالاستعداد لحرب بالوكالة”.أمريكا

ونظراً إلى أنها ستنهار تحت الحصار في غضون عامين، فإن طهران تستعد لمواجهة النزاع في الخارج، وهي بالفعل تقوم بذلك مع وكلائها. إن ما تفعله إيران مع وكلائها، من حروب خارجية، يعزز مشاعر إيران الوطنية مع انسحابها الجزئي من الاتفاق النووي.

كما أن وكلاء إيران لن يتأثروا بالحصار الأمريكي، وسيستمرون في قيد الحياة.

وقد يخوضون صراعاً خطيراً ضد معاداة الإمبريالية، والمعادلة الشيعية. السؤال الحاسم هو من يستطيع تحمل حرب بالوكالة بشكل أفضل، أهم الجنود المستأجرون من الخليج وإسرائيل؟ أم وكلاء إيران، من لبنان إلى فلسطين واليمن؟ الجواب هو الفريق الثاني، بالطبع.

هذا يشير إلى أنه إذا نما التوتر وتحول إلى صراع، فلن يقتصر الأمر على الحروب بالوكالة، وسيحتاج إلى تدخل أمريكي. أما موسكو فستنتظر الوقت المناسب للتدخل.

.

برهان الدين دورانبواسطة/ برهان الدين دوران

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.