تركيا والهند.. شريكتان في مركب تعسفات ترامب

أدى قرار الولايات المتحدة الصادر مؤخرا، بإنهاء الإعفاءات من العقوبات النفطية على إيران، إلى وضع تركيا والهند على شفا معضلة، إذ يعتمد البلدان بشكل كبير على الطاقة الواردة من طهران.

وكانت الإعفاءات الأمريكية تهدف إلى تمكين بعض الاقتصادات الكبرى من الاستمرار في شراء النفط الخام الإيراني.

وبالنسبة إلى الهند، جاء القرار بمثابة ضربة مزدوجة، حيث فرضت واشنطن أيضا عقوبات على أكبر مورديها، فنزويلا.

أيضا، جاء الإعلان في وقت سيئ لنيودلهي، إذ يأتي في خضم الانتخابات الوطنية، ومن ثم سيتعين على الحكومة المقبلة مواجهة تأثير ذلك بمجرد توليها السلطة في الأسبوع الأخير من مايو/ أيار الحالي.

وتعد إيران ثالث أكبر مورد نفط للهند بعد العراق والسعودية.

– قياس استجابة الهند

رسميا، وفي استجابة محسوبة، قالت الهند إنها مستعدة بشكل مناسب للتعامل مع تأثير قرار الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يعتقد مراقبون أن نيودلهي كانت تتوقع تمديدا جديدا للإعفاء، بالنظر إلى الشراكة الاستراتيجية الوثيقة، والدور الجديد الذي اكتسبته نيودلهي في منطقة المحيط الهادئ الهندية، باعتبارها قوة موازنة مقابل الصين.

وقال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية رافيش كومار، إن الحكومة ستواصل العمل مع الدول الشريكة، بما فيها الولايات المتحدة، لإيجاد جميع السبل الممكنة لحماية مصالح الطاقة والأمن الاقتصادي في الهند.

وأضاف: “لقد لاحظت الحكومة (الهندية) إعلان نظيرتها الأمريكية وقف الإعفاء الخاص بشراء النفط الخام من إيران” ، مشددا على أن الهند مستعدة بشكل مناسب للتعامل مع تأثير هذا القرار.

وتقوم الهند أيضا بتحليل تأثير العقوبات، ورد الفعل الإيراني.

وتحدثت وزيرة الشؤون الخارجية سوشما سواراج، مع نظيرها الأمريكي مايك بومبيو، السبت، حول مدى مرونة العقوبات الأمريكية على واردات النفط الإيراني، لكن بومبيو لم يبد التزاما تجاه أي شيء، على حد قول أشخاص مطلعين على التطورات.

– تحدي تركيا للقرار

وفي تركيا، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية حامي أقصوي، إن أنقرة تحاول إقناع واشنطن بالسماح لشركة “توبراش” التركية، أكبر مستورد للنفط الإيراني، بمواصلة شراء الخام من إيران دون عقوبات.

ونظرا لأن تركيا والهند في المركب نفسه، فإن تأثير إنهاء الإعفاءات الأمريكية على واردات النفط الإيراني، كان جزءا من المناقشات بين متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، الأسبوع الماضي في نيودلهي.

إلا أن المسؤولين الهنود أشاروا إلى أنهم يخفضون تدريجيا اعتمادهم على النفط الإيراني. ومع ذلك، ظلت تركيا، إلى جانب الصين، تتحدى قرار واشنطن.

وقال قالن في تصريحات صحفية من الهند: “أنشأ الأوروبيون آلية للمعاملات والدفع (لتجاوز العقوبات الأمريكية على إيران). ونحن نبحث ذلك الآن”.

وأضاف: “سنرى ما إذا كان بإمكاننا الانضمام إلى ذلك، أو الخروج بآلية مماثلة”.

وعندما سئل عما إذا كانت الهند أعربت عن ميلها للانضمام إلى مثل هذه الآلية خلال محادثاته، أجاب: “لا، لم أسمع ذلك”. وأضاف: “لكن من الواضح أنهم (الهنود) ليسوا سعداء بالعقوبات”.

وأوضح أنه بينما تدرس تركيا خيارات مختلفة، ستستمر في التجارة مع إيران. وأكد أن العقوبات المفروضة على طهران سوف تأتي بنتائج عكسية.

وبيّن أن “الإيرانيين يتمتعون بمرونة ملحوظة، وتعلموا كيفية العيش في ظل ظروف معاكسة منذ عام 1979”.

ومن المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك بين الهند وتركيا، صفقة شراء أنظمة الدفاع الجوي “S 400” من روسيا.

ويتعرض البلدان لتهديدات بفرض عقوبات ثانوية من جانب الولايات المتحدة، بموجب قانون داخلي يهدف إلى ردع الدول عن إبرام صفقات جوهرية مع قطاعي الدفاع والأمن الروسيين.

– الهند تخفض مشتريات النفط

وكانت الهند خططت في السابق لرفع وارداتها من النفط الإيراني إلى حوالي 500 ألف برميل يوميا بحلول 31 مارس/ آذار. ولكن عليها تخفيض هذا الرقم إلى 300 ألف فقط.

كما هو الحال في نظام العقوبات السابق الذي فرضه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يعمل المسؤولون الهنود على دفع مستحقات النفط الخام الإيراني بالروبية الهندية، التي ستستخدمها إيران في الحصول على سلع غير خاضعة للعقوبات، وأخرى إنسانية مثل الغذاء والدواء من الهند.

لكن واشنطن تبدو أكثر صرامة هذه المرة في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ووفقا لأرقام وزارة الخارجية الأمريكية، فقد حرمت العقوبات أسواق النفط من 1.5 مليون برميل، ومنعت 75 ناقلة نفط من الإبحار، وأجبرت أكثر من 100 شركة على الخروج من إيران، وأنهت أكثر من 20 دولة جميع وارداتها من النفط الإيراني.

وإلى جانب النفط، تضرب العقوبات الأمريكية قطاع الزراعة الهندي أيضا، الأمر الذي يسبب قلقا محليا، لأن القطاع يعاني بالفعل ضائقة في البلاد.

وبسبب العقوبات الأمريكية، لا يمكن لطهران بيع الأسمدة مباشرة إلى الهند، وإنما عبر وسطاء فقط، ما يجعل المزارعين الهنود يدفعون 38 في المئة أكثر، مقابل الأسمدة الإيرانية.

وبالنسبة إلى الهند، يعتبر الخام الإيراني أمرا مهما، بسبب انخفاض الأسعار والتسهيلات الائتمانية لمدة 90 يوما.

ونظرا لأن العقوبات الأمريكية منعت شركات الشحن، والتأمين، الدولية من تقديم خدماتها، كانت إيران توفر كلاً من الناقلات والتأمين بموجب عقود خاصة لإيصال النفط إلى المصافي الهندية.

وتعتقد تانفي مادان، الخبيرة بالشأن الهندي في معهد بروكينغز الأمريكي، أن نيودلهي المحبطة نتيجة ذلك، ستعتبره قرارا أمريكيا أحاديا آخر، يعيق مصالحها أو يضرها، ويقيد خياراتها.

وأضافت: “رغم أن الهند ليست الهدف الأساسي للعقوبات، إلا أنها أصبحت ضحية الأضرار الجانبية لبعض الإجراءات الأمريكية”.

وأوضحت أن الأمر لم يقتصر على النفط وحسب، بل شمل التعريفات الجمركية المفروضة من جانب إدارة ترامب، على واردات الصلب والألمنيوم، وانسحابها من اتفاقية باريس لتغير المناخ، وخفض قواتها أو انسحابها من أفغانستان، وكذلك العقوبات المفروضة على إيران وروسيا وفنزويلا.

وقالت: “هذه الخطوات تقوي أيضا أصوات وأيدي أولئك في المؤسسة الهندية الذين يحثون على توخي الحذر من تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة”.

.

بواسطة/افتخار جيلاني

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.