“المخلب” التركي في هاكورك

 

تواصل القوات المسلحة التركية عملية “المخلب” العسكرية التي أطلقتها بتاريخ 27أيار/مايو الماضي في منطقة هاكورك شمال العراق ضد مواقع عناصر تنظيم PKK الإرهابي.

قد يبدو للبعض أنها عملية “المخلب” هي عملية كلاسيكية عادية تنفذها القوات المسلحة التركية ضد أوكار الإرهاب في شمال العراق بين الحين والآخر.

لكن اللافت هو عنصر المفاجأة والسرعة في تحقيق عملية عسكرية متعددة الجوانب والأهداف من هذا النوع بمشاركة وحدات الكوماندوز التي نفذت عمليات إنزال ليلي بالتزامن مع غارات جوية قامت بها المقاتلات التركية، وقصف مركّز للمدفعية لأهداف بعيدة المدى في جبال قنديل، ومنطقة أسوس وسط معلومات أمنية تقول إن العمليات العسكرية مستمرة إلى أن تحقق أهدافها.

عملية “المخلب” التركي مرة أخرى في عمق جبال قنديل إذًا، فما الذي تعنيه هذه العملية لناحية التوقيت والأهداف، واحتمالات ارتداداتها على مسار العلاقات التركية العراقية؟

أهمية العملية وحجمها برزت من خلال إشراف وزير الدفاع التركي خلوصي أقار وقيادات القوات البرية والجوية على إدارتها من مبنى قيادة الأركان في العاصمة أنقرة ومتابعة كل التفاصيل من قرب.

النقطة اللافتة الأخرى في هذه العملية هي إنجازها وسط تحسن ملحوظ في العلاقات التركية العراقية التي شهدت خلال الأشهر الخمسة الأخيرة ستة لقاءات على مستوى القيادات الرفيعة، وانطلاقها بعد أقل من أسبوعين على زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى تركيا، وقبل ساعات فقط من زيارة قصيرة خاطفة قام بها الرئيس العراقي برهام صالح لتركيا بدعوة من نظيره التركي في 29 الشهر المنصرم، وتوجه وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إلى بغداد للقاء نظيره العراقي محمد علي الحكيم، بعد يومين فقط على عودة الرئيس العراقي من إسطنبول.

اللافت هنا طبعاً كان قرار الإعلان عن انطلاق هذه العمليات العسكرية بعد ساعات من قدوم الرئيس العراقي برهام صالح إلى إسطنبول في زيارة خاطفة التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مما يعكس حجم التنسيق التركي العراقي في قرار التحرك وإعلان ساعة الصفر. كل هذا الحراك السياسي والدبلوماسي بين أنقرة وبغداد يؤكد أن التحرك العسكري التركي هذه المرة كان بالتنسيق المباشر بين البلدين.

وتحمل العملية أكثر من رسالة بأكثر من اتجاه، وهي:

أولاً: إعلان جهوزية القوات المسلحة التركية مرة أخرى للتدخل السريع والمباشر ضد أوكار هذه العناصر داخل تركيا وخارجها ولو لجأت إلى مناطق جبلية بعيدة ووعرة تحاول أن تطل برأسها منها بين الحين والآخر للتذكير بوجودها عملاً بنصيحة بعض الأجهزة الاستخباراتية التي تمولها وتدعمها.

ثانياً: غلق المنافذ والمعابر الحدودية التي تستخدمها هذه العناصر للتسلل عبر الأراضي التركية والعراقية.

ثالثاً: استكمال خطط تصفية كبار قيادات وكوادر هذا التنظيم التي تحتمي في أوكار ومغاور جبال قنديل.

رابعاً: قطع الطريق على محاولة هذه المجموعات استغلال فرصة أي توتر أو تصعيد إقليمي مرتبط بسيناريو وقوع مواجهة عسكرية أمریكية-إيرانية، واستغلال جغرافيا شمال العراق لتوسيع رقعة نشاطاتها الإرهابية.

خامساً: تدمير مواقع هذه المجموعات في العمق العراقي في جبال محمور “وكراجاك”، والمناطق النائية بعدما استفادت من صعوبة الوصول إليها بسبب الأوضاع الأمنية، والسياسية الداخلية في العراق. وتأزم العلاقات التركية العراقية.

سادساً: استكمال لعملية سنجار وقنديل التي نفذت العام المنصرم بهدف قطع الطريق على خطوط التنقل والإمداد التي استفادت منها لسنوات.

سابعاً: تضييق الخناق على أماكن انتشار هذه المجموعات، ومحاصرتها في بقعة جغرافية ضيقة ثم القضاء عليها تماماً في قنديل.

ثامناً: ترجمة عملية أخرى للمواقف التركية حول أن العراق يسترد عافيته وقوته وموقعه العربي والإقليمي، وأن تركيا جاهزة لتكون بين أوائل من يقف إلى جانبه في هذه المرحلة.

ردود الفعل الواردة من أنقرة وبغداد وبعكس الكثير من المرات السابقة تقول إن الطروحات ولغة الحوار كانت مختلفة تماماً هذه المرة بعكس ما كان يقال قبل أشهر على مستوى القيادات في البلدين من تصعيد وتحدٍّ.

النقاط الإيجابية في الحوار التركي العراقي هذه المرة هي إلى جانب التركيز على التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي وتقديم حسابات الربح والخسارة في العلاقات في إطار تحرك براغماتي، هي بروز تفاهمات توسيع رقعة التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين في إطار الحرب على “الإرهاب”، ورفض السماح بأن تتحول الأراضي العراقية إلى مصدر للهجمات والاعتداءات الموجهة ضد تركيا.

أعلنت أنقرة أكثر من مرة أنها جاهزة لبحث وتنفيذ كل السيناريوهات التي تقبل بها بغداد باتجاه مواجهة هذه المجموعات تجاه إما أن تقوم القوات المسلحة العراقية بهذه المهمة وحدها، وإما أن يكون هناك عمليات عسكرية تركية-عراقية مشتركة في شمال العراق ضد هذه العناصر الإرهابية أو إفساح المجال أمام تركيا لتتحرك بمفردها في مواجهتها مع عناصر التنظيم.

يبدو أن القيادة السياسية والأمنية العراقية مقتنعة بما تقوله وتريده أنقرة بدليل أننا وبعد انطلاقة هذه العملية لم نسمع أو نقرأ ما كان يردده البعض حول “الخروقات” التركية وعدم احترام السيادة العراقية. ويبدو أيضاً أن أنقرة وبغداد تفاهمتا على عدم السماح لهذه الأطراف باستغلال مثل هذه الفرص.

وقد نفذت القوات التركية منذ مطلع الثمانينيات حتى اليوم العشرات من العمليات العسكرية في شمال العراق ضد مخابئ ومخيمات مجموعات تنظيم PKK الإرهابي. بعضها كان عمليات خاطفة مباغتة وقصيرة، وبعضها الآخر كان حملات عسكرية طويلة المدى.

وزير الداخلية التركي سليمان صويلو يقول اليوم إن تقديرات الأجهزة الاستخباراتية تتحدث عن وجود نحو 650 عنصراً لهذه المجموعات مخبأة في شمال العراق بعدما كانت التقارير السابقة تتحدث عن وجود الآلاف هناك.

يبدو أن العمليات العسكرية التركية كان لها مفعولها في خسارة التنظيم لعناصره وفشله في تأمين عناصر جديدة تسد هذا التراجع الكبير في صفوفه.

بواسطة/د. سمير صالحة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.