أي قانون يمكنه ضبط انعدام الضمير؟!

تحدث لحظات كهذه، وتُعاش أحداث كهذه، وجميع الناس يعيشون هكذا أحداث، وجميع الأبصار تكون شاهدة عليها. أين ذلك القول الذي يقول أن درسًا واحدًا أجدر من مليون نصيحة. وأي كلمة هي الدرس، ستقولون أنّ القلوب المتأجّجة نارًا متأججة لن يكون فيها أيّ شيء كما الماضي.

ستقولون أنّ مجتمعًا كان شاهدًا على هذا لن يعيش أحداثًا كتلك مرة أخرى على الإطلاق، لأن هذه الحوادث وكأنها لم تقع بغرض معايشة آلامها والإحساس بها، بل وقعت من أجل إظهار خطورتها لجميع الناس، لإيقاظ ما تبقى من اكتراثهم لها، لإشراكهم فيها وأن يكون شهداء عليها.

إن هذه الأحداث تتم معايشتها وكأنها آية، تبدو كآية صادمة لقلوبنا فيما يتعلق بحياتنا وأحوالنا ومصيرنا. إنها تظهر لتقول لنا “كفى”، لتقرع جرس الإنذار تنبّهنا؛ ليس هذا هو الطريق، إنها تظهر لتدفعك نحو التفكير بأنّ هذه الحوادث هي قضيتك أيضًا.

عندما تعكس هذه الأحداث عيوب البشر والمستويات المتدنية التي يمكن أن يتنزلوا إليها، هل يا تُرى تكتسب القلوب بهذه الحالة ألفةً أكثر نحو السوء، ماذا يحدث؟

إن الطفل الرضيع “آلان” بجثته الصغيرة وما جسّده من دراما هائلة، كم استطاع أن يزرع من الرحمة في قلوب البشر؟ لو أنّ بذور الرحمة التي نثرها لم تكن كبذور تمّ نثرها على أرض قاحلة من القلوب؛ ألم يكن الحال اليوم وكل يوم قد خلا من رؤية المئات من آلان قد لفظتهم مياه المتوسط؟.

في الأمس وقعت حادثة؛ طفلة تصرخ تنادي أمها (التي تحتضر بعد أن ذبحها زوجها إثر خلاف)؛ “أمي من فضلك لا تموتي”، لماذا كانت صرخاتها داعيًا لنا كي نكون شهداء؟، أما أمها التي كانت تصيح دون جدى “لا أريد أن أموت”، لتفقد حياتها بعد وقت قصير أمام أعيننا جميعًا، كم وكم زرعت من نيران في شتائل الرحمة التي تأبى أن تنضج في قلوبنا؟.

في الأمس بينما وقعت هذه الحادثة، كان هناك حادثة أخرى مماثلة في نفس الوقت تقع في منطقة أخرى؛ حيث تمّ طعن أم لثلاثة أطفال من قبل زوجها عشرين طعنة حتى ماتت. وفي كلتا الحادثتين كان هناك العديد من الخصائص المشتركة على رأسها إفادة الزوجين: “لقد كنت أحبّها، تجادلنا، ولكن لم أكن أرغب بأن يصل الأمر لهذه الدرجة”.

لو نظرنا من أي ناحية نجد أننا نتحضّر، ومع مرور كلّ يوم نقترب مسافة أقرب نحو التحضّر. مقارنة مع الماضي؛ فإن الذين يرتكبون الجرائم ويخططون لها هم أكثر تعلّمًا وحضرية. وإنّ موضوع العنف ضدّ المرأة لم يعد قضية ريفية في الوقت الحاضر، بل هو قضية حضرية، وعلاوة على ذلك فإنه يتم تحسين وضع المرأة القانوني يومًا بعد يوم أكثر وأكثر، ونحن الآن في عالم حضري متطوّر يتم فيه منح المرأة امتيازات شتّى تحت باب التمييز الإيجابي.

إن الغريب في الأمر أنّه على الرغم من تطوّر الوضع القانوني للمرأة، نشهد في المقابل تزايدًا في أحداث العنف ضد المرأة.

ماذا يحدث؟

ألا تستطيع كل هذه القوانين الكثيرة أن تقدّم حماية كافية للمرأة؟ ما الذي أكثر من هذا؟

إنّ أي أحد لا يُعقل منه أن لا يتمنى بإلحاق أقسى العقوبات وأشدّها ضد أولئك الذين يمارسون العنف ضد المرأة، ما أعنيه أنه لا يوجد تقصير من جانب المجتمع من حيث إدانة هذه الحوادث ولعنها والتبرؤ منها، وإنّ الأصوات القادمة من المجتمع والتي تطالب بإلحاق أشد العقوبات ضد المجرم الذي يقتل امرأة؛ ترتفع يومًا بعد يوم. تنظر وكأنها الأصوات هي ذات تلك الأصوات؛ أصوات تعلمت الدرس، ولا يمكن لها أن تسمح بحدوث هذا مرة أخرى حتى ولو على أنفسها. ولكن وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد هناك تطوّر يبعث على الأمل نحو منع حدوث هكذا أشياء مستقبلًا.

لا تعتقدوا أنّ هذه المشكلة هي مشكلة تركيا فقط، إلا أنّ ما يعنينا بالطبع الآن هو تركيا، لقد بدأنا نلحظ ما يشير إلى وجود جفاف أو تصحّر حقيقي بخصوص الرحمة، تغزو هذه الأراضي التي كانت على الدوام مرتعًا خصبًا ومعطاءًا للشفقة والمرحمة.

عندما يتم ربط كل شيء بالقانون، وعندما يتم التخلي عن الوثوق بالضمير، ينتقم الضمير بطريقة قاسية ويطيح بالقوانين وكأنها باطلة. إذا لم يكن هناك ضمير، وإذا لم يكن هناك رحمة، وإن لم تكن هناك مسؤولية؛ فما هو القانون الذي بإمكانه أن يحمي المرأة من الرجل، أو الطفل من أبوين ظالمَين، أو المرأة من المرأة، أو الصغير من الكبير، أو العامل من رب العمل؟.

في الحقيقة إن كل شيء يبدأ بالنظر نحو أنّ العنف ضدّ المرأة هو على رأس تلك الحوادث أو المسبّب لها. إنّ المشكلة تكمن في استخدام الناس للقوى التي تملكها بطريقة غير مسؤولة في مشهد غير منضبط. المشكلة أكبر من كونها منحصرة في أنّ الرجل يمارس العنف ضدّ المرأة، إنّها عبارة عن قضية أخلاقية مجتمعية قوية ضرورية لتبيين ما يجب أن يتصرف به الأقوياء نحو من هم أضعف منهم، والأثراء نحو الفقراء، والكبار نحو الصغار. هي قضية حول لماذا يجب على الذكر الذي يرى في نفسه قوة تدفعه لاستخدام العنف ضدّ الأنثى؛ لماذا عليه أن يضبط تلك القوة ويسيطر عليها؟.

يمكنكم تطبيق هذا على جميع موازين القوى البشرية الأخرى. ما هو أيضًا الحاجز الذي بإمكانه أن يمنع المرأة حينما تكون قوية، من استخدام قوتها ضدّ من هي أضعف منها، أو حتى ضدّ أطفالها أنفسهم.

.

ياسين اكتاي بواسطة/ ياسين اكتاي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.