خيبة المتشائمين والمتربصين

كان معظم المحللين والمتابعين للشأن التركي يتحدثون قبل أسابيع، بكثير من التشائم، عن العقوبات التي يمكن أن تفرضها الولايات المتحدة على تركيا، إن لم تتراجع أنقرة عن شراء منظومات “إس400” الدفاعية من روسيا. كما أن المتربصين بتركيا كانوا ينتظرون تلك العقوبات بشغف، ويحلمون بنزولها على الاقتصاد التركي كصاعقة تدمره وتؤدي إلى خروج الشعب التركي إلى الشوارع والساحات في مظاهرات احتجاجية ضد الحكومة.

تركيا لم تتراجع عن شراء منظومة “إس400” الدفاعية، على الرغم من التهديدات الأمريكية، ووصلت الدفعة الأولى منها إلى العاصمة أنقرة على متن طائرات الشحن الروسية. ولم يحدث حتى الآن ما كان المحللون المتشائمون يتوقعونه من عقوبات وكوارث اقتصادية، بل تراجعت حدة تصريحات المسؤولين الأمريكيين، في ظل التفهم الذي يبديه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتأكيده أكثر من مرة أنه لا يلوم تركيا بسبب حصولها على المنظومة الروسية لتعزيز دفاعاتها الجوية؛ لأن إدارة أوباما رفضت بيع تركيا صواريخ باتريوت الأمريكية.

المتربصون بتركيا كانوا ينتظرون تلك العقوبات بشغف، ويحلمون بنزولها على الاقتصاد التركي كصاعقة تدمره وتؤدي إلى خروج الشعب التركي إلى الشوارع والساحات في مظاهرات احتجاجية.

التقارير والتحليلات المشابهة التي تختلط فيها الأمنيات مع التشاؤم؛ سيطرت على وسائل الإعلام المعارضة، حين أقدم رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان على إقالة رئيس البنك المركزي التركي، وتعيين رئيس جديد للبنك. وقيل إنه تدخل في شؤون البنك المركزي الذي يجب أن يظل مستقلا ليتخذ قراراته بنفسه، بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية، كما قيل إن هذا التدخل سيثير شكوك المستثمرين حول استقلالية البنك المركزي.

أردوغان يعارض بشدة زيادة سعر الفائدة، وسبق أن انتقد السياسة النقدية للبنك المركزي، حين رفع سعر الفائدة. وكان هؤلاء المتشائمون يقولون في البرامج التلفزيونية إن خفض سعر الفائدة يؤدي إلى تراجع كبير لسعر الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي. وقام البنك المركزي التركي قبل أيام بخفض سعر الفائدة من 24 في المئة إلى 19.75 في المئة، مشيرا إلى أن “البيانات المعلنة في الفترة الأخيرة بتركيا تظهر وجود تعاف معتدل في النشاط الاقتصادي”. وبعد هذا القرار، ارتفع مؤشر بورصة إسطنبول، كما ارتفع سعر الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، ولم تقع الكوارث الاقتصادية التي كان المعارضون يخوِّفون منها.

قضية استقلالية البنك المركزي ليست من الثوابت المقدسة، بل لا بد من إثارة أسئلة حول حقيقة تلك الاستقلالية ومداها، فهل يمكن أن يتبنى البنك المركزي سياسة نقدية تعارض سياسة الحكومة المنتخبة الاقتصادية وتعرقلها؟ وماذا لو استغل رئيس البنك المركزي منصبه وقرارات البنك لأغراض سياسية؟

رئيس البنك المركزي الأسبق، دورموش يلماز، دخل المعترك السياسي، وانضم إلى الحزب الصالح المعارض الذي أسسته ميرال أكشينر. كما يدور الحديث في الكواليس حول انتماء رئيس البنك المركزي السابق الذي أقاله أردوغان؛ إلى إحدى الجماعات التي تعارض رئيس الجمهورية الحالي، وتؤيد رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول. وبغض النظر عن صحة هذا الادعاء أو عدمه، وهل كان تحدي الرئيس المقال لأردوغان من خلال رفع سعر الفائدة له علاقة بارتباطاته السياسية والاجتماعية، فإن القول بضرورة عدم التدخل في شؤون البنك المركزي بحجة الاستقلالية يبقى محل نقاش في ظل هذه الأمثلة.

هل يمكن أن يتبنى البنك المركزي سياسة نقدية تعارض سياسة الحكومة المنتخبة الاقتصادية وتعرقلها؟ وماذا لو استغل رئيس البنك المركزي منصبه وقرارات البنك لأغراض سياسية؟

منظومة “إس400” الدفاعية التي اشترتها تركيا من روسيا بدأت تصل إلى أنقرة، وأقال رئيس الجمهورية التركي رئيس البنك المركزي، وقام الرئيس الجديد بخفض سعر الفائدة، ولم تقم القيامة، كما لم يتدهور وضع الاقتصاد التركي. بل هناك مؤشرات إيجابية في ظل مواصلة سعر الليرة التركية ارتفاعه أمام الدولار الأمريكي، ولم تحدث أي من توقعات المتشائمين الذين يعانون حاليا من خيبة أمل كبيرة.

العلاقات التركية الأمريكية ليست على ما يرام، إلا أنها لم تتدهور أكثر بعد وصول أجزاء منظومة “إس400” الدفاعية إلى أنقرة. وما زالت المباحثات جارية بين البلدين للتوصل إلى تفاهم بشأن إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا. وتشدد أنقرة على أنها لن تنتظر إلى ما لا نهاية للتوصل إلى تفاهم مع واشنطن، وأن تركيا ستتحرك وحدها لإقامة تلك المنطقة التي أُطلق عليها “ممر السلام”؛ في بيان مجلس الأمن القومي التركي الذي عقد مساء الثلاثاء اجتماعا استمر حوالي ست ساعات. ومن المؤكد أن تركيا ستواصل طريقها في الدفاع عن أمنها واستقرارها ومصالحها، دون الالتفات إلى المتشائمين والمنهزمين، ورغم أنف المتربصين.

.

 بواسطة/ إسماعيل ياشا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.