قراءة في زيارة أردوغان لموسكو

قام رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، بزيارة موسكو، لعقد لقاء مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى المشاركة في مراسم افتتاح معرض الطيران والفضاء الدولي «ماكس- 2019» الـ14 الذي يقام بضواحي العاصمة الروسية.

 

جاءت هذه الزيارة في ظل تصعيد النظام السوري هجماته في ريف حماة وإدلب، وسيطرته على مدينة خان شيخون، بدعم الطيران الروسي والميليشيات الإيرانية، ومحاصرته لنقطة المراقبة التركية التاسعة التي تقع في بلدة مورك بريف حماة الشمالي الغربي.

 

المباحثات التي أجراها أردوغان مع بوتين في موسكو تركزت على ملفين، هما: الملف السوري، وملف العلاقات الثنائية. ويحمل كل واحد من هذين الملفين بين دفتيه عناوين عديدة. وتأتي التطورات التي تشهدها منطقة خفض التصعيد على رأس العناوين التي يحتوي عليها الملف السوري. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان التركي والروسي في ختام لقائهما، لفت بوتين إلى ضرورة إزالة كل «العناصر الإرهابية» من إدلب، فيما أكد أردوغان رفض بلاده الهجمات الجوية التي تستهدف المدنيين.

 

وكانت أنقرة قد شددت قبل الزيارة على أن الجيش التركي لن ينسحب من نقطة المراقبة التاسعة، وأنه سيرد على قوات النظام السوري بقوة إن هاجمت القوات التركية المتمركزة في تلك النقطة. وأعرب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عن أمله في أن يستقر الوضع الآن في إدلب. وقال، في حديثه للصحفيين بعد اللقاء، إن الاتفاقيات المتعلقة بمنطقة خفض التصعيد يتم تنفيذها، مشيراً إلى وجود صعوبات ومشاكل. ويمكن القول في ظل هذه التصريحات إن الاتفاقيات المبرمة في أيلول/سبتمبر 2018 ما زالت سارية، وإنه لا تغيير في موقفي الجانبين ووجهتي نظرهما.

 

العنوان الثاني في الملف السوري الذي بحثه أردوغان مع نظيره الروسي في موسكو، هو المنطقة الآمنة التي ستقيمها تركيا شمال سوريا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وقال بوتين في المؤتمر الصحفي إنه يتفهم جيداً حساسيات تركيا، «ويجب ضمان أمن حدودها، وهذا حقها المشروع». ويمكن اعتبار تصريحات بوتين بشأن حساسيات تركيا ضوءاً أخضر من موسكو لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا، ودخول القوات التركية إلى مناطق شرق الفرات. ومن المعلوم أن هناك توافقاً بين موقفي البلدين من الحفاظ على وحدة تراب سوريا، ورفض مشاريع التقسيم.

 

العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو شهدت في الآونة الأخيرة تطوراً بوتيرة سريعة، في ظل توتر العلاقات التركية الأمريكية. وعلى الرغم من معارضة واشنطن وتهديداتها، اشترت تركيا من روسيا منظومة «إس400» الدفاعية. وفي اليوم الذي قام رئيس الجمهورية التركي بزيارة موسكو، وصلت طائرة شحن روسية إلى أنقرة تحمل أجزاءً من معدات البطارية الثانية للمنظومة.

 

أردوغان، خلال زيارته معرض «ماكس- 2019″، أبدى اهتماماً بمقاتلات «سو-57» الروسية، واستمع لشرح مفصل عن مزاياها، وسأل نظيره الروسي ممازحاً: «هل يمكن أن نشتريها؟»، ليجيب بوتين بعد تردد قصير قائلاً: «نعم، يمكنكم شراؤها». وهذه رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال امتنعت الولايات المتحدة عن بيع مقاتلات «إف-35» إلى تركيا، بل لدى أنقرة بدائل أخرى، ويمكن أن تشتري مقاتلات «سو-57» من روسيا، كما اشترت منظومة «إس-400» بعد رفض الولايات المتحدة بيع منظومة «باتريوت» إليها.

 

مستشارة وزارة الدفاع الأمريكية، إيلين لورد، صرحت قبيل زيارة رئيس الجمهورية التركي للعاصمة الروسية، بأن تركيا بلد حليف وشريك استراتيجي لبلادها، مشيرة إلى أن واشنطن على تواصل دائم مع أنقرة. وأضافت أن منظومة «إس-400» لا تتطابق مع طائرات «إف-35″، إلا أن الولايات المتحدة تبقي أنشطتها الأخرى بشكل منفصل عن موضوع «إف-35″، في محاولة لتخفيف غضب أنقرة من استبعاد تركيا من برنامج إنتاج مقاتلات «إف-35».

 

تركيا تهدف إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع روسيا، وترغب في التعاون مع موسكو في مشاريع الطاقة ومجال الصناعة العسكرية، وفقاً لمصالحها القومية، ودون أن تبالي بالتهديدات والابتزازات الغربية، كما تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة. ويمكن القول إن أنقرة نجحت حتى الآن في تحقيق التوازن بين علاقاتها مع موسكو وعلاقاتها مع واشنطن، على الرغم من وجود صعوبات كبيرة في ذلك، في ظل المصالح الإقليمية المتضاربة، وتعرضها لضغوط مباشرة وغير مباشرة من موسكو وواشنطن كي تميل إلى إحدى العاصمتين.

.

 بواسطة/ إسماعيل ياشا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.