خيارات أنقرة النووية

يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن قرار شراء منظومة الصواريخ الروسية إس -400 سيساهم في تأمين الحماية لتركيا وبناء التوازنات في المنطقة. مَن الذي يضمن أن الرئيس التركي لن يقول غدا أنه من أجل الاستمرار في حماية هذه التوازنات الإقليمية قررنا أيضاً الالتحاق بالنادي النووي والبحث عن امتلاك الأسلحة النووية طالما أن البعض في المنطقة يمتلكها أو يتحرك بهذا الاتجاه؟

يقول الرئيس الروسي فلادمير بوتين إنه “ينبغي ضم تركيا إلى مجموعة الدول السبع، أو أن تكون الصين والهند وتركيا ضمن مجموعة على غرارها”، الرئيس الروسي يعرف جيدا أسماء الأعضاء السبع في المجموعة هو لا يطالب بضم بلاده أو الصين أو الهند إلى هذا النادي وهو لا يدافع عن مصالح تركيا الإقليمية طالما أنه تابع اقتراحه بضرورة أن تتوحد هذه الدول الأربعة أيضاً فيما بينها للمساهمة في رسم مستقبل التوازنات الاستراتيجية في العالم. بوتين يريد أن يذكر أنقرة بحجم التقارب الثنائي لكنه وهنا الأهم يترك الباب مفتوحا أمام عرض أن الخبرات النووية لهذه الدول ستكون تحت تصرف تركيا إذا ما احتاجته.

الحديث عن “استضافة” تركيا لأسلحة نووية أميركية في قواعدها العسكرية منذ الخمسينيات لمواجهة التهديدات الروسية شيء وامتلاكها لهذا النوع من السلاح شيء آخر. المضحك المبكي أن بوتين هو الذي سيدعم امتلاك أنقرة لهذا النوع من السلاح هذه المرة لأن واشنطن تعرضه على إسرائيل وتتجاهل موقع ودور حليفها التركي في الأطلسي.

العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الأمنية والاستراتيجية تلتقي منذ عقد تقريبا في تحليلاتها عند تقاطع طموحات تركيا النووية في ظل التوتر القائم في المنطقة. “تركيا تعد واحدة من الجهات الفاعلة التي ستراقب بعناية التطورات الدولية، حيث تملك حوافز قوية تدفعها للسعي نحو مسار نووي بالنظر إلى نقاط ضعفها ومركزها الاستراتيجي”.

أكثر من دليل ومؤشر تقني وعلمي يقول إن أنقرة دخلت في الطريق “النووي” وهي لن تتردد في قبول عروض موسكو وربما بكين لاحقا طالما أن أمنها القومي ومصالحها الإقليمية والحفاظ على التوازنات العسكرية الاستراتيجية في المنطقة في مقدمة أهدافها.

واشنطن ستكون بعد الآن ليس أمام التراجع عن قرار تجميد تزويد أنقرة بمقاتلات إف -35 والإسراع في قبول طلبها شراء الباتريوت والتخلي عن لعب ورقة إضعاف الاقتصاد التركي بل التحرك لقطع الطريق على “الخدمات الروسية” التي يتزايد عددها باتجاه تركيا في الأعوام الأخيرة والتي قد تتتضمن عرض تبادل الخبرات والتنسيق النووي التركي الروسي حتى ولو كان الثمن تعريض العلاقات التركية الغربية للانهيار.

تسريع العمل في محطة ”أكويو“ النووية التي يتم بناؤها في إطار عقد تركي روسي بنموذج الشراء والامتلاك والتشغيل وإصرار تركيا على تطوير عمل ومجال منظومتها الصاروخية المحلية إلى جانب القلق التركي من تحرك بعض العواصم في المنطقة للبحث عن امتلاك هذا السلاح يعزز سيناريو مضي تركيا وراء الحصول على هذا السلاح بشكل أو بآخر.

الهدف التركي يختلف تماما هذه المرة عن التسريبات والمواقف الصادرة عن بعض العواصم الأوروبية والشرق أوسطية حول البرنامج النووي التركي الذي يبحث منذ مطلع التسعينيات عن تطوير نفسه واستكمال الشروط والمواصفات العلمية والصناعية للالتحاق بهذا المضمار باتجاه الحصول على اليورانيوم المخصب من شركاء وحلفاء وعواصم آسيوية تعاونت معها في السابق.

السبحة النووية العالمية الكلاسيكية تكاد تنقل إلى الشرق الأوسط هذه المرة مع إسرائيل وإيران وهي التي تدفع بالبعض للبحث عن امتلاك هذا النوع من الأسلحة لموازنة القوى العسكرية الدفاعية والهجومية بين الدول.

يرجع البعض تاريخ البرامج النووية التركية إلى منتصف الستينيات في إطار التعاون التركي الأميركي المستمر تحت سقف حلف شمال الأطلسي. لكن أكثر من أزمة سياسية واقتصادية تركية دفعت لجمود التحركات وإرجاء خطط تطوير المشاريع. مع حكومة العدالة والتنمية في السلطة عاد الاهتمام التركي مجددا بمواصلة خطط تطوير والاستفادة من الطاقة النووية في المجالات السلمية. الملفت هنا هو انعدام وجود أية أرقام معلنة في الموازنة العسكرية التركية لتطوير هذا القطاع رغم الحديث عن تقديرات تصل إلى 25 مليار دولار في إطار خطط خماسية تركية لإنتاج أسلحة غير تقليدية.

توتر العلاقات التركية الأميركية واستمرار التقارب التركي الروسي سيدفع أنقرة لمراجعة سياستها النووية في نهاية الأمر لناحية التفكير في امتلاك سلاح نووي مستقل وخاص بها رغم الكلفة الاقتصادية والسياسية التي قد تتعرض لها وحتى لو وجدت أنقرة نفسها وجها لوجه في مواجهة تركية أوروبية تهدد عضويتها في المجموعة. وسيدفعها كذلك قانونيا لمراجعة موقفها من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وهو ما يحظر عليها امتلاك سلاح نووي أو استخدام التكنولوجية النووية للأغراض العسكرية.

أردوغان يقول “أحدهم يمتلك صواريخ ذات رؤوس نووية، ليس واحدا أو اثنين بل أكثر، ولكن يجب علينا نحن أن لا نمتلك صواريخ برؤوس نووية، هذا أمر لا أقبله “. توقيت تصريح الرئيس أردوغان هذا لا يمكن فصله عن التقارب التركي الروسي والتركي الصيني من جهة مقابل البرودة في العلاقات التركية الأميركية والتركية الأوروبية من جهة أخرى.

في العام 2009 كان الرئيس التركي يردد إننا ضد انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الاوسط. لكن أردوغان الذي تحدث في العام 2017 عن ازدواجية المعايير في العالم وسباق التسلح النووي يبدو أنه يغير من مواقفه وسياساته حيال هذا الملف. القيادات السياسية التركية كررت أكثر من مرة أن القوات المسلحة التركية توفر لنفسها نسبة 70 بالمئة من حاجتها إلى التسلح من الصناعة المحلية. وجرى الحديث حول جلوس الأتراك مع أميركا في السابق واليوم نجلس مع روسيا وغداً سنجلس مع الصين. والتوقف عند مسألة يحاولون إخافتنا بإسرائيل بإعطائها كل ما تريده.

تركيا لم تكن الدولة التي بدأت الحديث عن هذا السلاح في المنطقة لكنها ستجد نفسها ملزمة بدخول هذا المضمار إذا ما شعرت أنه سيكون على حساب قوتها وموقعها ودورها الأمني الإقليمي.

المشكلة تبقى في الموقف الروسي الصيني وجديته في دعم أنقرة إذا ما قررت قبول التحدي خصوصا إذا ما صعدت واشنطن وبعض العواصم الغربية والإقليمية مواقفها وحاولت لعب العديد من الأوراق السياسية والاقتصادية الداخلية ضدها.

.

بواسطة/ د. سمير صالحة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.