(تحليل) هل قُطعت “شعرة معاوية” بين “حماس” والسعودية بعد اعتقال قيادي في الحركة وعشرات الفلسطينيين؟

يرى مراقبون فلسطينيون أن العلاقات بين المملكة السعودية وحركة “حماس”، وصلت أسوأ مراحلها، بعد إعلان الأخيرة عبر بيان أن الرياض تعتقل أحد قادتها، إلى جانب العديد من الفلسطينيين.

وقالت حماس، الإثنين، إن جهاز مباحث أمن الدولة السعودية، يعتقل منذ 5 شهور القيادي محمد الخضري (81 عاما) ونجله، موضحةً أن المذكور كان مسؤولا عن إدارة “العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة”.

 

وأضافت إن اعتقال الخضري ونجله يأتي “ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية”، دون مزيد من الإيضاحات.

من جانبه، قال القيادي في الحركة، موسى أبو مرزوق، في تغريدة له على موقع تويتر، إن الخضري هو أول ممثل للحركة في السعودية.

ولم تذكر “حماس” تفاصيل حول عدد المعتقلين الفلسطينيين في السعودية، فيما لم تعقب السلطات السعودية على بيان الحركة.

لكن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، قال في بيان أصدره يوم 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، إن السعودية تخفي قسريا 60 فلسطينيا.

 

وذكر المرصد أن المعتقلين طلبة وأكاديميين ورجال أعمال وحجاج سابقين، تم عزلهم عن العالم الخارجي دون لوائح اتهام محددة أو عرض على جهة الاختصاص (النيابة)، ولم يُسمح لهم بالاتصال مع ذويهم أو التواصل مع محاميهم، كما تمت مصادرة أموالهم.

وقال عدد من قادة حماس، في تقرير متلفز بثته فضائية “العربي”، إن تأسيس تنظيم الحركة خارج فلسطين، كان داخل الأراضي السعودية.

وذكر القادة، ومنهم إبراهيم غوشة، الناطق السابق باسم الحركة، أن علاقات الرياض بحماس، كانت طيبة، قبل نحو عقدين من الزمن.

وتأسست حركة حماس، نهاية عام 1987 في قطاع غزة، على يد تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين.

 

ولاحقا، شكّل قادة تنظيم الإخوان “الفلسطينيين”، مكتبا سياسيا خارج فلسطين، اتخذ من العاصمة الأردنية، عمان، مقرا له.

** اعتقال الخضري

الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، يعتقد أن صمت الحركة على اعتقال “الخضري”، وغيره من الأفراد التابعين لحماس، جاء من باب إفساح المجال لدبلوماسيتها من أجل حل القضية، والإفراج عن المعتقلين.

ويقول الصواف للأناضول، إن السعودية لم تعر الدبلوماسية التي بذلتها حماس في ذلك الإطار أي أهمية، ما دفع الحركة أخيرا لإصدار البيان كي تعبّر عن ما يجري داخل الأراضي السعودية.

وتابع: “الحركة كانت تريد أن تحل القضية بعيد عن الإعلام، الأمر الذي استغرق شهورا عدة، لكن إفشال المساعي دفعها للحديث عبر الإعلام”.

** دوافع الاعتقال

الصواف يعتقد أن السعودية حاليا، تحاول التركيز على اعتقال الأفراد الذين يجمعون الدعم المالي لحركة “حماس”.

ويضيف مستكملاً: “العمل الاجتماعي لحركة حماس والكل الفلسطيني في السعودية محاصر بشكل كبير، دليل ذلك الاعتقالات لكل العاملين في المجال الاجتماعي ولكل من كان يساعد الشعب الفلسطيني بما يجمعه من معونات”.

 

ويستدل على كلامه، بما ورده عن بعض من تم استجوابه داخل السعودية، حيث كانت السلطات هناك تسعى لمعرفة “لمن يجمع المال”.

يتفق معه المحلل السياسي، تيسير محيسن، الذي يقول إن السعودية وأغلب دول الخليج، تعمل وفق نظرية “تجفيف المنابع (المالية)”، وذلك لحصار وقطع الإمدادات والمساعدات التي تمثّل العصب الرئيسي لبقاء الحركة.

ويتابع محيسن للأناضول: “الدعم الواصل من السعودية تم إيقافه، كل من تم اعتقاله له علاقة بالبنية المالية التابعة للحركة، لم يعد هناك وجود لهذه القناة”.

ويصف محيسن هذه الخطوة بـ”ببالغة الخطورة”، مشيرًا أن السلطات السعودية غيّبت عشرات الأشخاص العاملين لدعم القضية “بشكل قسري”.

ويعتقد أن التحول الذي شهدته السعودية ضد “حماس”، “بدأ مع حالة الربيع العربي، والتحول الاستراتيجي للقيادة العربية وعلى رأسهم (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان، و(ولي عهد أبوظبي) محمد بن زايد، والذيْن يقودان تيار معادي للتيارات الإسلامية بشكل كامل”.

ويضيف: “منذ 4 أو 5 عقود، كان هناك علاقة قائمة في المملكة لحركة حماس، وكان لها أنشطة مختلفة، وبنية تنظيمية ومالية وشخصيات تجوب أراضيها بحرية، كما كان من أهم المصادر الداعمة شعبيا ورسميا لحماس”.

** خلفية عن العلاقة

وبحسب مصادر في “حماس” تحدثت للأناضول، فقد بدأت العلاقة بين الحركة والرياض، بعد أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948، حيث كانت السعودية حاضنة للإخوان المسلمين الفلسطينيين (المهاجرين إليها)، وسمحت لهم بالعمل (تنظيميا) داخل أراضيها.

واعتبرت السنوات الأولى من تأسيس “حماس” عام 1987، ذروة هذه العلاقة، حيث اتجهت نحو “الرسمية” حين التقى مدير المخابرات السعودية آنذاك، بالقيادي موسى أبو مرزوق عام 1988، وافتتحت الحركة مكتبا لها (غير مُعلن) في الرياض، لكن العلاقة شهدت حالة مد وجزر على مدار العقود السابقة في ظل التغييرات السياسية.

 

وتغيّر المشهد السياسي في المنطقة العربية والإسلامية، تزامنا مع اندلاع أحداث ما يُعرف إعلاميا بـ”الربيع العربي”، ثم عقب تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد.

وفي هذه الفترة، نعت مسؤولون سعوديون، حركة “حماس”، ولأول مرة، بـ”الحركة الإرهابية”.

** واقع ومستقبل العلاقة

ويتفق المحللان الصواف ومحيسن، على أن الفترة الحالية هي الأسوأ في تاريخ العلاقة بين “حماس” والمملكة، ويؤكدان أنها وصلت حد “القطيعة التامة”.

ويقول محيسن بهذا الصدد: “السعودية لها تاريخ طويل كداعم للقضية والتعامل مع الحركات المختلفة وفي مقدمتها حماس، وكان هناك تواجد للحركة في السعودية، وكان هناك نوع من العلاقة التي تصعد وتهبط في فترات مختلفة”.

وفي الفترة الأخيرة، أصاب العلاقة بين الطرفين عطب كبير لعدة اعتبارات، عددها محيسن، الأول هو “موجة العداء للتيار الإسلامي العام في المنطقة باعتبار حماس جزء منه، إلى جانب وقوف السعودية بصف إجهاض الثورات العربية وتحديدا بمصر”، وفق تعبير المحلل.

وأما الثاني، وفق محيسن، فهو مرتبط بحالة التقارب الواضح بين حركة “حماس” وإيران.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.