اللجنة الدستورية.. الفرصة التي قد لا تعوض!

خرج لقاء القمة الثلاثي الأخير في أنقرة بين رؤساء الدول الضامنة لمسار أستانا، روسيا وإيران وتركيا بالتفاهم حول تشكيلة اللجنة الدستورية السورية، مع الدعوة لانطلاق أعمالها بأقرب وقت.

المشكلة الأهم الآن هي تحديد أهداف اللجنة وطريقة عملها وآلية النقاشات واتخاذ القرارات وتنفيذها وهي مسائل لا نعرف الكثير عنها بعد، لكنها فرصة قد لا تعوض لتتحول أعمال اللجنة إلى آلية بحث المرحلة السياسية والدستورية الجديدة في سوريا وموضوع الانتخابات بإشراف الضامنين والأمم المتحدة.

بين ما نعرفه حتى الآن هو ما جاء في البيان الختامي لقمة أنقرة وما ردده الرؤساء الثلاثة التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني حول أن عمل اللجنة سيكون مقدمة لإطلاق عملية سلام سياسية قابلة للتطبيق في إطار حوار معتدل وبناء.

النتائج اليوم تذكر إلى حد كبير بتغريدة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أشهر “كنا نصرّ دائماً على حل سياسي يقوده ويقرره السوريون. يجب تيسير حل لا إملاؤه”. فاللجنة هي سورية دستورية موثوقة ومتزنة، وتمثل أوسع شريحة شعبية ووطنية في البلاد.

تشكيل اللجنة الدستورية مسألة مهمة لكن الأهم يبقى مساعدتها على الانطلاق والعمل وتهيئة الأجواء المناسبة لعملها واتخاذ القرارت وتنفيذها، وهذا ما تريده تركيا. اختبار سوري – سوري لا يمكن التفريط به أو تجاهل حجم المطلوب من خلال حوار مباشر بين الحكم والمعارضة بصيغة جديدة تختلف عن كل الآليات واللقاءات السابقة.

المؤكد حتى الآن هو الرغبة الإقليمية والدولية المدعومة أمميا بالوقوف إلى جانب قرارات جنيف قبل عامين وخطة السلال الأربع في إطار إعادة برمجة وجدولة جديدة لا تبتعد كثيرا عن القرار الأممي رقم 2254. إلى جانب مسألة شبه محسومة صعوبة عرقلة أعمال اللجنة بشكل منفرد للنظام أو المعارضة دون دعم القوة الثالثة أمام الطاولة منظمات المجتمع المدني وممثليها.

المؤكد أيضا هو تقدم الرغبة الدولية بدعم الحل السياسي في سوريا ومطالبة اللاعبين المحليين بعدم هدر هذه الفرصة التي قد لا تعوض وعندها ندخل في نفق المجهول بالنسبة لمثار الأزمة وعمرها وسبل الخروج.

أما الغامض فهو معرفة هل ستعد اللجنة دستوراً جديداً أم ستنقح الدستور الحالي، أم هي ستناقش مسودة دستور جاهز يقدم لها وتدرس مواده وبنوده في محاولة لتعديلها وإقرارها ؟ هل يكون بين مهام اللجنة الدستورية في حال تقدم أعمالها بشكل إيجابي تخويلها صلاحية ومهام الإعداد والإشراف على تنظيم عملية انتخابية كاملة،بدعم الدول الثلاث والأمانة العامة للأمم المتحدة؟

الغامض كذلك  هو ردة الفعل الأميركية على استبعاد حلفائها المحليين من اللجنة وما الذي ستفعله واشنطن؟ هل التصعيد الأميركي الأخير ضد النظام في دمشق حول استخدامه السلاح الكيماوي محاولة لمحاصرة النظام ومنعه من الاقتراب من الطاولة الدستورية؟ أم هي للانتقام من دول اتفاقية أنقرة عبر تذكيرها بقدرتها على عرقلة أي تحرك دستوري لا يعجبها ولا يأخذ بعين الاعتبار مصالح حليفها في “قسد”؟

قرار عدم إشراك مجموعات “قسد” في اللجنة والذي كان مطلبا تركيا أساسيا دعمته المعارضة ووافق عليه النظام كون هذه الوحدات قررت الذهاب في مسار سياسي يخدم مشاريع التفتيت في سوريا. فما الذي ستفعله عند نجاح مساعي اللجنة مثلا وتتحول إلى آلية تنسيق وتعاون متعددة الأهداف والجوانب. هل تصريح المبعوث الأميركي الخاص للشؤون السورية، جيمس جيفري أن “قسد ستشارك في أعمال اللجنة الدستورية السورية ” هو متعمد أم سهوة ليس سهلا أن يرتكبها شخصية مسؤولة تتابع تفاصيل الملف السوري منذ سنوات؟

احتمال أول هو أن تكون واشنطن وصلت إلى نقطة الاستغناء عن هذه الوحدات بعد التفاهمات التركية الأميركية الواسعة في سوريا وهو الاحتمال الأقرب طالما أن هناك اصطفافاً سورياً واسعاً وراء قرار تفعيل عمل اللجنة الدستورية. واحتمال آخر هو أن تحاول الإدارة الأميركية مع “وحدات حماية الشعب” تكرار سيناريو الدستورين العراقي والكردي في شمال العراق وتشجع هذه المجموعات على إعلان دستورها الخاص بها وهي نقطة اللاعودة في سياسة أميركا السورية والخط الأحمر الذي لن يقبل به أحد في سوريا.

كيف سيكون رد واشنطن وبعض العواصم الإقليمية التي تنسق مع “وحدات حماية الشعب” على قرار الاستبعاد. هل سيكون هناك تصعيد وتحد وطرح خطة تحرك سياسي بديل لهذه القوى التي تسيطر على مساحات كبيرة من الجغرافية السورية، ولكنها تقول اليوم إنها لن تعترف بما سيصدر عن اللجنة الدستورية؟ أم أن الإدارة الأميركية ستضغط على هذه المجموعات لإعادة تعريف نفسها ومشروعها وأهدافها في سوريا لتكون جزءا من العملية السياسية والدستورية؟

قوى المعارضة والنظام، والدول الضامنة رفضت قبول هذه المجموعات بينها في اللجنة. و”قسد” تعرف أنها مستبعدة بسبب ارتباط أحد أهم مكوناتها حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي الذي يقود الإدارة الذاتية بحزب “العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب الدولية وبسبب مشروعها الانفصالي وبسبب رهانها على السلاح والتجهيز والدعم الأميركي مقابل تحقيق السياسة الأميركية في سوريا. خيارها الوحيد المتبقي هو إعادة تموضعها واصطفافها العقائدي والسياسي والعسكري بأسرع ما يكون. هل من المعقول أن تحاول هذه الوحدات قلب المعادلات التي قررت الأمم المتحدة دعمها في سوريا على طريق التسويات السياسية؟

.

 بواسطة/ د. سمير صالحة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.