عملية نبع السلام… مكاسب تركية وفشل غربي- إقليمي

على الرغم من أن العملية كانت معلنة وأصرت تركيا على أن تخبر بها الولايات المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن وحتى أنها أبلغت القنصل السوري في تركيا، حتى أن مسار العملية ومناطق الاستهداف كان معلوما لدى الأمريكيين، وهو ما دلل عليه أن الولايات المتحدة أعلنت أن قواتها ابتعدوا عن مسار العملية العسكرية التركية شمال شرقي سوريا إلا أن توقيت البدء بها كان مفاجأة، على الأقل لغير العسكريين مثلي، فلقد اعتدنا أو تعلمنا أثناء تأدية فترة التجنيد الإجباري، أن غالب العمليات العسكرية تبدأ مع آخر خيط ضوء، يعني وقت المغرب، أو مع أول ضوء، أي وقت الفجر، لكن أن تبدأ العملية بعد العصر تقريبا، فهذا ما يحتاج المحللين العسكريين أن يقفوا عليه ويفسروه لنا.

وبعيدا عن التكتيكات العسكرية وفنون الخطط الحربية، وبعيدا أيضا عن بنك أهداف العملية العسكرية المعلنة بحسب المسئولين الأتراك، والتي تتمثل في إنشاء منطقة آمنة تمتد من نهر الفرات غربا وتحديدا مدينة جرابلس حتى المالكية في أقصى شمال شرقي سوريا عند مثلث الحدود التركية العراقية، والتي تضم مدن وبلدات الطبقة وعين عيسى وتل أبيض في محافظة الرقة، والقامشلي والمالكية في محافظة الحسكة، بعمق يتراوح بين 30 و40 كيلومترا، وعلى امتداد يقدر بنحو 460 كيلومترا، لإزالة ما وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالممر الإرهابي، ويعني به تلك الدولة المأمولة للميليشيات الكردية الإرهابية من (يي بي دي) و (يي بي جي) و(بي كا كا) في جنوب تركيا، ومن ثم إحلال السلام وتهيئة الفرصة لعودة اللاجئين السوريين بعد إنشاء منطقة آمنة لهم في هذه البقعة بعد تطهيرها.

لكن مكاسب العملية العسكرية في الشمال الشرقي لسوريا متعددة، فبالإضافة لما ذكر من أهداف فهناك أهداف سياسية خارجية وداخلية ستحققها تلك العملية، لكن دعونا نقف مليا عند توقيت العملية، ولا أقصد هنا بدأها عسكريا، ولكن التوقيت السياسي الذي اتخذ فيه تنفيذ العملية، فالشارع التركي بدأ يتململ من البقاء الطويل للضيوف السوريين، وبدأت أحزاب المعارضة تلعب على هذه الورقة لإحراج أنقرة، وظهرت احتكاكات شعبية بالفعل بين المضيف والضيوف، لا تستبعد الإدارة التركية أن تكون مفتعلة من قبل أجهزة مخابرات إقليمية، كما أن الغرب بدأ يرفع يده عن قضية اللاجئين السوريين في وقت ينظر العالم فيه لإدلب – القنبلة الموقوتة – وهي تضبط لكي تنفجر بملايين اللاجئين الجدد ولا يحرك ساكنا، وهو ما يعني تصدير أزمة جديدة لتركيا في هذا الملف، كما أن التوقيت الذي اتخذ فيه قرار العملية استفاد من فرصة انشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأزمته الداخلية والمطالبات البرلمانية بمحاكمته بعد أن انكشف كذبه في قضايا عدة، وخلافاته المستمرة مع دوائر البيروقراطية الأمريكية والتي غالبا مع يهزم فيها، وإن كان صاحب القرار، وهي فرصة ذهبية لاتخاذ قرار البدء، كما أن الخلاف الأمريكي- الأوروبي كان فرصة أخرى، لكن أزمة السعودية في اليمن وانسحاب الإمارات، بعد التهديد الصريح لها من إيران، من التحالف العربي في اليمن، وهو ما أظهر حقيقة التنسيق السعودي الإماراتي وهشاشة العلاقة بينهما، كان فرصة تضاف إلى عوامل الوقت الذهبية لاتخاذ قرار التحرك نحو تحقيق أهداف العملية، والتي لن تقتصر على إزالة الممر الإرهابي وإنهاء حلم الجسم الغريب الذي يحلم الغرب زرعه من أجل إضعاف الدولة التركية ولفتها عن مسار التنمية بعد أن تغوص في مستنقع صراع ودوامة حرب لا تنتهي مع الكيان المزروع.

لكن دولا إقليمية كالكيان الصهيوني والسعودية والإمارات الذين اتحدوا! من أجل أن يكون لهم قاعدة متقدمة على الحدود التركية كان بين ناظري القيادة التركية وهي تضع أهداف العملية، فلقد كان الكيان الصهيوني حاضرا منذ البداية بتمويل وتسليح وتدريب وتأهيل الميليشيات الكردية الإرهابية، ولا يخفى على أحد أن (بي كا كا) تتلقى تدريباتها وتسليحها من الكيان الصهيوني، بينما كشفت السعودية والإمارات عن حقيقة وجودهما المستتر في الشمال السوري بزيارة ثامر السبهان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي السعودي لعين العرب والرقة ووعوده لقادة الميليشيات الكردية الإرهابية بالدعم، ومن قبله زيارات متكررة لمسئولين إماراتيين وتمويل لا محدود لتلك الميليشيات، وهو ما كشفت عنه تقارير صحفية، حيث التقى وفدا السعودية الإمارات المبعوث الأمريكي الخاص للرئيس ترامب في المنطقة بريت ماكغورك في الحسكة، وتعهدا بتمويل إنشاء 12 نقطة عسكرية للميليشيات مع وعد بتدريب وتسليح 30 ألف عنصر من عناصر تلك الميليشيات، وهو ما يعني أن قرار البدء في عملية نبع السلام ما كان ليتأخر أكثر من ذلك بعد أن بدأت الإمارات تلعب في الداخل التركي بتأليب الأنصار على المهاجرين السوريين، وهو ما ستبطله العملية بتوطين أكثر من مليون لاجئ سوري في تلك المناطق بعد تأمينها، ومن ثم إسكات الفتنة التي تستغلها أيضا المعارضة، وبالنتيجة استعادة الحزب الحاكم الكثير من ثقة الشعب الذي عاقبه في الانتخابات البلدية الأخيرة.

إن هذه العملية أثارت ضجة إعلامية أكثر منها سياسية بعد أن أصبحت واقعا بعد كلام، فالغرب الغاضب والخليج العاض على أصابعه والإدارة الأمريكية التي تحاول إظهار أنها ممسكة بخيوط اللعبة وأنها لا تزال سيدة المشهد ومحركته، كل هؤلاء غاظهم الزرع ويحلمون لو يقطعونه، لكنه أخرج شطأه وآزره واستغلظ واستوى على سوقه، ولقد كانت الرسالة الأقوى ذلك المقطع المصور للجنود الأتراك وهم يقرأون سورة الفتح في طريقهم للمعركة، ما يعني أن تركيا العدالة والتنمية تغيرت وعلى الجميع أن يفهم ويتعاون أو أن يتكلم فتخرسه.

 بواسطة/ ياسر عبد العزيز
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.