مكاسب بلا تنازلات.. كيف تلاعب أردوغان بترامب مجددًا؟!

قالت لارا سيلجمان في مقال لها على موقع مجلة «فورين بوليسي» إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حصل على مكاسب جمة من زيارته إلى أمريكا دون أي مقابل يذكر.

وأوضحت سيلجمان أن الرئيس أردوغان حصل على فرصة نادرة لمخاطبة الرأي العام الأمريكي وملايين المشاهدين الدوليين وهو يقف بجوار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبيت الأبيض بعد لقائهما يوم الأربعاء. ويبدو أن ترامب خرج خالي الوفاض من تلك القمة.

على الرغم من استخفاف أردوغان الواضح بعلاقاته مع الغرب – بشراء المعدات العسكرية الروسية، وسجن الصحفيين، وشن غزو دموي لشمالي شرق سوريا، والسماح لوكلائه العرب السوريين بارتكاب جرائم حرب دون رادع – فلم يتوان ترامب عن الثناء على نظيره التركي.

قال ترامب: «تركيا، كما يعلم الجميع، حليف عظيم لحلف الناتو وشريك استراتيجي للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم»، ووجه الشكر لأردوغان على جهوده لدعم وقف إطلاق النار في شمالي شرق سوريا – مع أن القتال لم يتوقف فعليًا قط – وعلى مساهمات تركيا الحيوية في العمليات في أفغانستان وضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». لكن سيجلمان ترى أن تركيا لم تلعب أي دور مهم في قتل أبو بكر البغدادي في غارة للعمليات الأمريكية الخاصة على بعد أميال فقط من حدود تركيا مع العراق.

واصل ترامب كيل المديح لضيفه قائلًا: «أنا من أشد المعجبين بالرئيس». لكن ترامب تجنب الحديث عن جرائم الحرب المروعة وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها حلفاء تركيا من العرب السوريين خلال التوغل، بما في ذلك استخدام ذخائر الفسفور الأبيض ضد المدنيين، وإعدام السجناء، واستهداف النساء والأطفال.

في المقابل، هاجم أردوغان ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردي «YPG» – العمود الفقري لقوات الديمقراطية السورية، التي كانت مسؤولة إلى حد كبير عن زوال تنظيم داعش – وألقى باللوم عليها في الانفجار الذي وقع في بلدة تل أبيض السورية هذا الشهر وأسفر عن مقتل 13 مدنيًا. تنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب باعتبارها فرعًا لحزب العمال الكردستاني «PKK»، الذي شن تمردًا دام عشرات السنين في تركيا.

يعد المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماع المكتب البيضاوي مجرد مثال آخر على امتثال ترامب لرغبات أردوغان – تشير سيجلمان – وذلك بعد شهر واحد فقط من سحب الرئيس الأمريكي قواته من حدود تركيا مع سوريا، مما مهد الطريق لهجوم تركي على وحدات حماية الشعب.

«يجب أن يكون أردوغان سعيدًا بحقيقة أن ترامب قدم له منبرًا من البيت الأبيض للدفاع عن نفسه في حين أن وسائل الإعلام الدولية تنتقده طوال الوقت»، كتب راجب سويلو، صحفي تركي، على تويتر . وأضاف: «هذا فوز للعلاقات العامة لأردوغان. إذ بثت القنوات التلفزيونية العالمية تصريحاته دون انقطاع لمدة 15 دقيقة».

كان من الممكن أن يكون اجتماع المكتب البيضاوي، الذي ضم أيضًا مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ البارزين بمن فيهم ليندسي جراهام، فرصة للزعيمين للتوصل إلى اتفاق بشأن عدد لا يحصى من القضايا، بما في ذلك شراء تركيا لنظام الصواريخ الروسية إس-400، الذي يهدد الطائرات المقاتلة الأمريكية، واتفاق تجاري محتمل بقيمة 100 مليار دولار. حتى الآن لم يجر التوصل إلى اتفاق بشأن أي منها.

قال ترامب: «نحن نتحدث عن ذلك باستمرار. وتحدثنا عن ذلك اليوم. وسنتحدث عن ذلك في المستقبل. ونأمل بحل هذا الوضع». لقد طرحت الإدارة الأمريكية «حلاً» ينطوي على موافقة تركيا على عدم تشغيل منظومة إس-400، التي وصلت إلى تركيا هذا الصيف، مما يمهد الطريق لواشنطن كي تقبل أنقرة ببرنامج طائرة مقاتلة من طراز إف-35.

لكن الخبراء يقولون إن أردوغان تراجع مرة أخرى عن موقفه بشأن قضية إس-400 – تستدرك سيجلمان. قال توماس كاراكو من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن مجرد الموافقة على عدم تفعيل إس-400 ليس تنازلاً ويمكن التراجع عنه بسهولة.

تخشى واشنطن أن تستخدم تركيا منظومة إس-400، التي صُممت لتتبع الطائرات المقاتلة الأكثر تطورًا في الولايات المتحدة، للحصول على معلومات أساسية حول كيفية عمل الطائرة إف-35 عندما تكون في وضع التخفي. ستنتقل مثل هذه الأسرار بسرعة إلى موسكو، التي تشارك بشكل أساسي في تدريب القوات المسلحة التركية على كيفية تشغيل النظام الدفاعي.

بعد وصول الشحنة الأولى من أنظمة إس-400 إلى تركيا هذا الصيف – تنوه سيجلمان – استبعدت وزارة الدفاع الأمريكية تركيا رسميًا من برنامج تطوير مقاتلات إف-35، مشيرة إلى أن أنقرة ستفقد دورها في إنتاج الطائرة بحلول مارس (آذار) 2020. لكن المسؤولين الأمريكيين تركوا الباب مفتوحًا أمام تركيا للعودة إلى البرنامج إذا وجدوا طريقة لمعالجة مشكلة إس-400.

قال الجنرال تود وولترز، قائد القيادة الأوروبية الأمريكية، في أكتوبر (تشرين الأول)، «يجب ألا يجتمع النظامان في مكان واحد. هناك قرار يمكن أن تتخذه تركيا، وسنستمر في المضي قدمًا. لكنها حليف مهم للناتو، والعلاقة بين العسكريين في الحلف تظل قوية».

من جهته، قال مارك إسبير للصحفيين يوم الاثنين: «كنت واضحًا للغاية في لقائي الأخير مع وزير الدفاع خلوصي أكار. أكدت له مرة أخرى، لا يمكنك الحصول على منظومة إس-400 ومواصلة العمل في برنامج طائرة إف-35».

سيؤدي تسليم النظام الروسي إلى تركيا هذا الصيف إلى فرض عقوبات قاسية بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا لعام 2017 – تضيف سيجلمان – الذي يستهدف البلدان التي تشتري معدات الدفاع الروسية. لكن ترامب أرجأ فرض هذه العقوبات، على الرغم من احتجاجات المشرعين.

من المرجح أن يثير أي اتفاق حول المشكلة غضبًا بين المشرعين الذين حثوا ترامب على عقاب أنقرة لشرائها نظام الصواريخ الروسية.

وقال كاراكو إن أردوغان كانت لديه أسباب كثيرة لشراء المنظومة الروسية، مع أن الولايات المتحدة عرضت نظام صواريخ باتريوت الذي صممته رايثيون بديلًا. تظن واشنطن أن شراء إس-400 هو «تكريم» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولأن رادار منظومة إس-400 يبلغ 360 درجة، بينما يبلغ مدى منظومة باتريوت الأغلى 180 درجة. وأخيرًا، يريد أردوغان، الذي تعرض لمحاولة انقلاب عام 2016 استخدمت فيها طائرات مقاتلة أمريكية من طراز إف-16، نظامًا قادرًا على إسقاط الطائرات الغربية.

ألقى ترامب باللوم على الرئيس السابق باراك أوباما في النزاع – تقول سيجلمان – مدعيًا أن الأخير رفض بيع صواريخ باتريوت إلى تركيا. لكن هذا الكلام ليس دقيقًا تمامًا. لقد رفضت تركيا فعليًا شراء المنظومة الأمريكية مرتين قبل العرض الأخير، والذي تضمن شروطًا أفضل للتسعير والإنتاج المشترك، لكن وزارة الخارجية ألغت رسميًا الصفقة هذا الصيف. في كلتا الحالتين، انهارت الصفقات لأن أنقرة أصرت على نقل تكنولوجيا الصواريخ، وهو أمر رفض المسؤولون الأمريكيون القيام به.

ومع ذلك، لا يزال أردوغان يعلق عملية شراء باتريوت على ترامب، مع أنه من غير الواضح إذا كانت المناقشات ستحقق أي تقدم. قال كاراكو: «ما زالوا يراوغوننا بشأن صفقة باتريوت».

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.