ما الذي حققه الرئيس أردوغان في واشنطن؟!

كان واضحًا منذ البداية أن الرهان على مفاجأة كبيرة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لواشنطن قد يخيب الآمال لأن الأسئلة المطروحة حول أكثر من ملف خلاف وتباعد تركي أميركي ثنائي وإقليمي ما زالت قائمة.

بعد ساعات فقط من عودة الرئيس التركي إلى بلاده نشرت إحدى مؤسسات استطلاع الرأي التركية تقريرا سألت فيه أكثر من 4 آلاف مواطن يمثلون مختلف الشرائح عن رأيهم في مسار العلاقات التركية الأميركية فجاء الرد أن نسبة 70 بالمئة منهم ترى أنه لن يكون هناك تحول حقيقي في العلاقات. وأن 84 من المستطلعين لا يثقون بما يقوله الرئيس ترمب.

مشكلة تركيا هي افتقادها لجماعات الضغط السياسية والإعلامية والفكرية في الولايات المتحدة الأميركية والتي تدافع عن مواقفها وطروحاتها في مواجهة اللوبيات الأخرى التي توحدت في الآونة الأخيرة ضد المواقف التركية في سوريا واستطاعت اختراق الكونغرس الأميركي وانتزاع قرارات تصعيدية حادة ضد تركيا.

الاستنتاج الأول والأهم من الزيارة واللقاءات هو احتمال حدوث تفاهمات تركية أميركية على تشكيل فرق عمل بمهام متعددة أمنية وسياسية واقتصادية تحاول إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح. وأن الانطلاقة قد تكون في الملف الأكثر سخونة صفقة صواريخ إس 400 الروسية وبقاء أنقرة في مشروع المقاتلة إف 35.

أردوغان أبلغ القيادات الأميركية مرة جديدة أن العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري، تستهدف التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها وحدات الحماية الذراع السوري لتنظيم حزب العمال المدرج على قائمة الإرهاب لدى العديد

من بلدان أوروبا والعالم. وذكر الذين يخلطون بين الأكراد في سوريا والمجموعات الإرهابية أن تركيا حريصة على سلامة وأمن المواطنين الأكراد في سوريا، والدليل أنها تستضيف أكثر من 300 ألف كردي سوري فوق أراضيها. وأن أنقرة لن تقبل أبداً خطة إنشاء ممر إرهابي في شمال سوريا.

تركيا قالت ما عندها وشعرة معاوية في العلاقات لم تنقطع لا بل إن الزيارة تحولت إلى فرصة جديدة من الحوار بين البلدين. واحتمال كبير أن تكون أنقرة نجحت في استرداد بعض الجمهوريين في الكونغرس إلى جانبها وبينهم أحد كبار الفاعلين السيناتور ليندسي غراهام الذي أعلن عن عرقلته لتمرير مشروع قرار جديد ضد تركيا في مجلس الشيوخ الأميركي بعد ساعات من لقائه الرئيس أردوغان داخل البيت الأبيض، ضمن وفد من أعضاء مجلس الشيوخ. لكن الغموض حول الكثير من الملفات الساخنة ما زال قائما دون وجود أية مؤشرات حلحلة وتفاهم.

كان الله بعون طاولة الحوار التركي الأميركي التي ستواصل تلقي الضربات القوية بين الحين والآخر ومن الجانبين لأن الامور لم تحسم بعد والنقاشات ستتواصل ببعض السخونة والاحتداد أحيانا.

أنقرة متمسكة بالحصول على إس 400 والبقاء داخل مجموعة مشروع تصنيع وبيع المقاتلة إف 35 فهل يعطيها ترمب ما تريده؟ وما هو الثمن مقابل ذلك؟ الملف الإيراني في سوريا مثلا؟ إقناع تركيا بقبول “قسد” بحلة جديدة تقطع مع امتدادات حزب العمال إيديولوجيا وسياسيا؟

أردوغان أعطى الأولوية لمسألة إقناع واشنطن بالتخلي عن رهانها على ورقة وحدات الحماية ومظلوم كوباني لأن هذا لا يليق بشريك تركيا في محاربة الجماعات الإرهابية. وهو أعاد تسليم نظيره الأميركي رسائله الأخيرة التي كتبت بنبرة تصعيدية ولغة حادة رفضتها أنقرة شكلا ومضمونا بأسلوب دبلوماسي. لكن ترمب كان كتوما جدا حول المباحثات وما جرى. النقطة الوحيدة التي جاهر بها كانت إعلان تقديره لشخصية الرئيس التركي وأسلوبه والتلويح بورقة رفع أرقام العلاقات التجارية إلى 100 مليار دولار والذي سيكون الرقم الأكبر في علاقات تركيا التجارية مع أية دولة في العالم حتى الآن.

أردوغان بحث استخدام إيرادات النفط السورية في إعمار البلاد مجددا كما يبدو واحتمال كبير أن تتحرك أنقرة للمطالبة بتمويل المنطقة الآمنة وإعادة إعمار شمال سوريا بأموال النفط السوري. بصورة أخرى موضوع الدول المانحة لخطة المنطقة الآمنة كان بين أولويات المباحثات ويبدو أن التركيز كان على مصدري تمويل أساسيين الدعم الأوروبي وتقديم جزء من عائدات النفط السوري لتمويل مشاريع الإعمار في شمال سوريا فهل ينجح هذا السيناريو؟ واشنطن لم تقل لنا شيئا بعد حول خطتها في استقبال مظلوم كوباني أو سحب السلاح الذي قدمته لمجموعات وحدات الحماية من يدها ولصالح من هي تسحب القوات أو تبدل في أماكنها ومواقعها وهل خطة السيطرة على آبار النفط في سوريا هدفها تعزيز فرص حلفائها المحليين هناك أم حماية حصتها في التسويات المرتقبة؟

العقبة الأساسية والأهم هنا هي وجود حقيقة أخرى ينبغي التعامل معها سريعا وبينها الأرقام والمعطيات التي تقلق أنقرة. مليار ونصف المليار دولار دخل سنوي من عائدات النفط إلى وحدات الحماية، إلى جانب نصف مليار دولار من عائدات الغاز في المنطقة سنويا على أقل تقدير. حلفاء “قسد” من الأميركيين والأوروبيين لن يفرطوا بهذه المصادر لأنها ستوفر القوة والاستقلالية لهذه المجموعات المحلية. الحالة الكردية

في العراق تتقدم تدريجيا في سوريا أيضا إذا. والدليل أن أردوغان يقول لنظيره الأميركي “إن فرهاد عبدي شاهين الملقب بـ”مظلوم كوباني”، هو في الأصل الابن المعنوي لزعيم تنظيم “بي كا كا الإرهابي عبد الله أوجلان” وترمب يرد “دخلنا في حوار جيد ونحن نتعاون معه عن قرب”.

ما الذي ستفعله أنقرة إذاً أمام سيناريو أميركي غربي من هذا النوع؟

ترمب يخصص أكثر من 5 ساعات متوالية لمسائل تتعلق بالعلاقات الأميركية التركية لكن أردوغان وفي طريق العودة يقول إنه أبلغ الأميركيين أن أنقرة لن تضحي بعلاقاتها الاستراتيجية مع موسكو. آخر الأنباء التي يرددها البعض في أنقرة تقول إن الرئيس الروسي فلادمير بوتين يستعد لزيارة تركيا في مطلع العام المقبل. التنافس الأميركي الروسي على كسب الود التركي مستمر كما يبدو. لا أحد يريد خسارة لاعب إقليمي بثقل ووزن تركيا لكنه يبدو مرة أخرى أن الرابح الأول من المباحثات التركية الأميركية هو روسيا التي تعرف جيدا من أين تؤكل الكتف وأن الطرفين يبحثان عن إعطائها ما تريده في سوريا إذا ما كانا يريدان أن يحميا مصالحهما هناك.

 بواسطة/ د. سمير صالحة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.