تركيا – قطر: “صداقة وقت الشدة”

زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر تندرج من الناحية الرسمية في إطار المشاركة بأعمال اللقاء الخامس للجنة الاستراتيجية العليا للبلدين التي انطلقت قبل 5 أعوام بهدف رفع مستوى التعاون والتنسيق بينهما في العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكن حجم التقارب الثنائي وتوقيت الزيارة وردود الأفعال التي رافقتها تحولها إلى لقاء مختلف هذه المرة.

التمسك التركي القطري برفع حجم التبادل التجاري ليصل في فترة زمنية قصيرة إلى ملياري دولار، وعقود الاستثمارات المشتركة التي تقدر بحوالي 25 مليار دولار، ولقاءات قمة بمتوسط 5 لقاءات كل عام في السنوات الخمس الأخيرة مسائل مقلقة للعديد من اللاعبين الإقليميين. لكن المقلق أكثر هو تدشين مركز العمليات العسكري القطري التركي الجديد خالد بن الوليد وتوقيت الاجتماعات مع انطلاقة بطولات “خليجي 24” بعدما قررت بعض دول الحصار المشاركة فيها وبعد الرسائل السياسية التي تؤكد أن دفع العلاقات نحو مستقبل استراتيجي أوسع أكسبت الزيارة القيمة الإضافية الأكبر.

أردوغان كان واضحا نرحب بالمصالحة الخليجية الخليجية بأسرع ما يكون ونحن بذلنا جهودا بهذا الاتجاه، والتقارب الخليجي الخليجي يخدم مصالح تركيا وأهدافها الإقليمية، والتنسيق العسكري الثنائي ليس استهدافا لأمن الخليج بل لحمايته وهو جاء نتيجة القراءات الخاطئة لبعض الدول، وأنقرة ليست متخوفة من عودة العلاقات بين دول الخليج لأنها هي التي تحركت لعرض خدمات الوساطة والتهدئة إلى أن تحولت إلى هدف ومطلب على لائحة دول المقاطعة والتي دفعتها للرد على هذا الاستهداف العلني.

النتيجة التي وصلت إليها العلاقات التركية القطرية اليوم هي ردة فعل على محاولات إقليمية واضحة في فرض معايير يريدها البعض باتجاه من يدخل الخليج مثل أميركا وإسرائيل ومن يخرج منه مثل تركيا. لذلك سمعنا أردوغان يردد “طوال تاريخنا، لم نسمح لأصدقائنا بأن يواجهوا التهديدات والمخاطر وحدهم”، ولذلك قال أمام الجنود الأتراك والقطريين في القاعدة العسكرية الجديدة “نحن لا نفرّق بين أمننا وأمن قطر. لقد أصبحتم بوجودكم هنا ضمانة السلام والأمن في قطر منذ أن بدأت أزمة الخليج في عام 2017”.

إعلام دول المقاطعة ووسط تساؤل “هل ستؤدي زيارة أردوغان للدوحة إلى تعزيز المصالحة الخليجية أم إلى نسفها؟ قوم الزيارة على أنها خطوة تركية لإحباط جهود الوساطة ومساعي إعادة قطر إلى الحضن الخليجي. وأنه هناك للاطمئنان على أن مصالح تركيا لن تتعرض للخطر عند المصالحة الخليجية.

ووصل إلى استنتاج وجود الفتور التركي القطري في العلاقات وعن رغبة قطر في توجيه رسالة إلى تركيا بأنّها ترغب في العودة إلى البيت الخليجي. الرد على كل هذه القراءات والتحليلات والتقديرات لم يتأخر وعلى أعلى المستويات السياسية في البلدين.

قد تكون تركيا فقدت اليوم دورَ وفرصةَ الوسيط في ملف الأزمة الخليجية لكنها ربحت قطر إلى جانبها سياسيا واقتصاديا وأمنيا وإنسانيا في خطة تعزيز العلاقات التي شهدت انطلاقة جديدة مختلفة اعتبارا من العام 2014. المفاجأة الحقيقية التي بدأت تعطي ثمارها تدريجيا هي توسيع رقعة الشراكة الثنائية لتضم دولا أخرى بطابع إسلامي خماسي حيث تدور الاستعدادات لنواة قمة كوالالمبور ثم شراكة واقعية بطابع اقتصادي تجاري إنمائي رباعي يشمل روسيا والصين تحديدا.

انفراجة العلاقات الخليجية الخليجية مهمة حتما لكن أنقرة والدوحة يقولان أيضا إن قطار الرهان على العودة إلى الشروط والمطالب وفرض السياسات عليهما غادر المحطة قبل عامين ومن الصعب اللحاق به بعد الآن. سيحاول البعض تفسير كلام أردوغان في الدوحة على أنه تشجيع لقطرعلى مواصلة القطيعة مع عمقها الخليجي، ودعوة للتشدد في مواقفها. العكس هو الصحيح برأينا رسائل الرئيس التركي هي لدول الحصار قبل غيرها عليكم أن تقرؤا قطر بطريقة مختلفة.

الزيارة هي استكمالية لجهود رفع مستوى الشراكة المتنامية بأكثر من اتجاه، ونموذج متكامل في التنسيق والتعاون الاستراتيجي الثنائي خلال السنوات الأخيرة، وزخم جديد لدفع العلاقات نحو الأوسع والأكبر، وترجمة عملية واقعية لصوت “أهلا بأردوغان المحزم المليان”. الشراكة التركية القطرية هي شراكة الحليف والنصير في أوقات المحن التي عاشتها الدولتان لذلك نراها تتقدم وسط كل هذا الحماس والاندفاع .

قطر لن تنسى موقف تركيا الداعم لها بقوة أثناء بدء الحصار الرباعي عليها، حيث أقامت جسورا جوية وبحرية لتأمين إيصال البضائع والاحتياجات الغذائية. في المقابل لا يمكن أن تنسى أنقرة ما قدمته الدوحة التي هرعت لدعم الاقتصاد التركيّ عندما تعرّض لهجوم تدميري في العام المنصرم.

ذريعة البعض كانت إيران وسياستها في الخليج التي تتطلب توحيد المواقف فظهر أن الهدف الآخر هو تركيا وعرقلة سياستها الخليجية حتى ولو كان الثمن شراء المواقف والدعم الأميركي والأوروبي وفتح الأبواب أمام إسرائيل خليجيا للحؤول دون اقتراب الشريك التركي تحت قمة منظمة العالم الإسلامي.

أنقرة ذكرت البعض أكثر من مرة من يطالب أنقرة والدوحة بقطع علاقاتهما بالتنظيمات الإرهابية لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار ما تقولانه حول لوائح الإرهاب واللقاءات والزيارات والدعم المقدم لمجموعات تخطط للتفتيت والتقسيم في سوريا أيضا.

الرئيس الأميركي فرنكلين قال لنا يوما “لا يمكنني تغيير اتجاه الريح لكنني أستطيع التحكم في شراع مركبي لأوجهه”.

 بواسطة/ د. سمير صالحة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.