من ذا الذي يريد تلقي شكر أو قبلة من الولايات المتحدة؟

منذ مقتل قاسم سليماني إثر غارة جوية أمريكية، والحديث يدور عن تحول التوترات والحرب البارة بين الولايات المتحدة إلى صراع ساخن. وإيران بدورها تهدد بأن هذا الهجوم لن يبقى دون رد، بل وأن الرد سيكون سيئًا للغاية. والولايات المتحدة قد وضعت سفارتها وأهدافها المحتملة تحت حالة تأهب. بل حتى أن إيران قد رصدت بعض الأهداف لهجماتها الصاروخية.

لكن مع ذلك، يبدو من الصعب أن تتحول هذه الخطابات والتحركات إلى حرب مباشرة ما بين الولايات المتحدة وإيران. لأنها مسألة صعبة، حيث يعني ذلك على المنهجية العملية القائمة فيما بين البلدين طيلة 40 عامًا، والتي أكسبتهما فائدة متبادلة.

في الحقيقة، إن الطرفين يقومان بإطلاق التهديدات والوعيد من ناحية، ومن ناحية أخرى يحاولان تأخير اندلاع صراع ساخن مباشر، ومن المتوقع أن يدلي الطرفان بتلميحات أو ربما خطابات حول عدم الرغبة باندلاع الحرب. وهذا يشير بدوره إلى أن الطرفين يدركان حجم خسارة تغيير النهج الذي كان قائمًا بينهما، في حال توجهت الأمور نحو حرب مباشرة.

طبعًا لا يعني وجود نهج عملي قائم بينهما يعود عليهما بالفائدة، أن العداوة فيما بينهما لا أساس لها أو أنها مجرد خدعة. هناك فعلًا عداوة فيما بين الطرفين، ومن أجل تلك العداوة يقومان من حين لآخر بتحركات جدية ضد بعضهما البعض، وإلحاق كل طرف الضرر بالطرف الآخر. إن الولايات المتحدة بدلًا من القضاء على تلك العداوة بشكل تام؛ مثل أن تقوم بتغيير النظام هناك أو القضاء على التهديد الإيراني، قامت بتحويل ذلك التهديد إلى مصدر تكسّب خطير للغاية. هذا التكسي بات اليوم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، حيث تعكف الولايات المتحدة على استغلال التهديد الإيراني نحو دول الخليج، متخذة منه مفتاحًا لاستغلال موارد المنطقة لا سيما المملكة العربية السعودية، وإلى أجل غير مسمى.

لكن ماذا وراء استغلال التهديد، لقد بدأ التساؤل حول تلك السياسة التي تتحكم بالسعودية حتى الآن، من بوابة وجود تهديد إيراني. وفي هذا الصدد يبدو أن تعليق ترامب للاتفاق النووي مع إيران، كان إلى حد كبير بمثابة خطوة لإعادة أو تقوية إيمان دول الخليج بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية.

هل يمكن مجرد التفكير بأن الولايات المتحدة التي احتلت العراق عام 2003، وفتحت معه الطريق واسعًا أمام إيران التي استطاعت تعيين النظام كاملًا بمفردها، هل يُعقل أنها قد سلمت لها التحكم بالمشهد العراقي تاركة لها السيادة العراقية كلها تقريبًا، دون علم منها (الولايات المتحدة) بأن هذه الدولة أي إيران عدو لها؟ بالتأكيد لن تخبرنا الولايات المتحدة بالاتفاق الدبلوماسي من تحت الطاولة مع إيران، بعد أن فتحت لها باب العراق على مصراعيه. إلا أن السياسة المتَّبعة إلى جانب النتائج الظاهرة، توحي بأن الولايات المتحدة قد وجدت مصلحة من حيث توظيف إيران لنشر نفوذها وتمددها السكاني.

هذا التوظيف يمكن في رؤية الولايات المتحدة لتقسيم يقوم على دعم الشيعة ضد أي اتحاد سني يمكن أن يتسلم زمام السلطة في العالم الإسلامي. نحن أمام سياسة أمريكية تقوم من ناحية بفتح الباب على مصراعيه أمام إيران في العراق، وبالمقابل تقوم باستعمار موارد أغنى بلد على المستوى العالم السنّي؛ ألا وهو السعودية.

إن مقتل قاسم سليماني وبجانبه أبو مهدي المهندس، ما هو إلا إشارة تعني بدء الولايات المتحدة للعب لعبة جديدة ليس إلا. ولقد كانت أول حركة في إطار تلك اللعبة، هي ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي بومبيو خلال مكالمة دبلوماسية أجراها.

إن بومبيو بينما صرح منتقدًا عدم تعاون دول الاتحاد الأوروبي مع بلاده حين إطلاق العملية التي استهدفت سليماني، قام في الوقت ذاته بتبليغ الشكر لكل من ولي العهد السعودي ابن سلمان، والإماراتي ابن زايد، ورئيس إقليم شمال العراق مسعود بارزاني، خلا مكالمات هاتفيه أجراها معهم، قائلًا بأن أمريكا ستقف ضد أي دعم إيراني للإرهاب في العراق على الدوام.

بعيدًا عن كون ذلك إعلانًا عن تكتل جديد، يبدو تشكرًا يحاول مساعدة إيران على تحديد أهدافها الجديدة. الولايات المتحد ة باختصار قامت بتصفية سليماني التي تراه مجرد ممثل ضمن المسرحية التي هي قد أسستها وعينت له دورًا فيها، لكن حينما نسي الدور وظن أن اللعبة له وأن العراق تحت سطوته، اضطرت لإنهاء دوره وإخراجه من المسرحية. لكن طريقة تصفيته ربما كانت بمثابة تسهيل مهمة الانتقام على إيران.

إن إيران تحاول الحفاظ على صورتها وحفظ ماء وجهها، لكنها تعلم أنها لا تملك قوة الرد الفعال على الولايات المتحدة مباشرة، ولذا فهي تضع السعودية كأفضل هدف مناسب لها كي تنتقم. نقول السعودية وليس الإمارات، لأن إيران حتى ولو واجهت الولايات المتحدة بشكل مباشر؛ لا يمكن لها أن تخاطر بمواجهة الإمارات، وتضحي بعلاقاتها معها التي تضمن لها تدفق الأموال والسلع والنفط خلال الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.

وبتعبير أكثر دقة، بينما الإمارات تعتبر جناح إيران المستظل به، فإن السعودية هي الهدف الأكثر تناسبًا وتطبيقًا. أما الشكر الذي تلقته السعودية من بومبيو فهي القبلة القاتلة بحد ذاتها.

بالمناسبة هناك لم يتساءل عن سبب عدم شكر بومبيو لتركيا أيضًا؛ هناك من يقول أن عدم تشكره يعني تعرض تركيا لغضب أمريكي.

ياسين اكتايبواسطة/ ياسين اكتاي

تعليق 1
  1. أبوبكر بن هذل الفيفاوي يقول

    المقال بالمفهوم الاخوانجي رغم اعتماده على التستر والاستتار إلا أنه يظهر تماما أهدافه غباءً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.