كورونا والمعارضة التركية  

يواصل فيروس كورونا المستجد انتشاره حول العالم، ليرتفع عدد ضحايا الوباء كل يوم، على الرغم من كافة التدابير التي يتم اتخاذها لمواجهته، ويضرب الاقتصاد، ويلقي بظلاله على جميع مناحي الحياة، ويدفع الأنظمة والحكومات إلى الاستنفار من أجل تجاوز هذه الأزمة بأقل خسائر مادية وبشرية ممكنة، إلا أن الجهود المبذولة في مكافحة هذا الفيروس لم تمنع المعارضة من استغلال الأزمة لصالح أجندتها وحساباتها السياسية.

المعارضة التركية ظنت لوهلة أن الجائحة غير المتوقعة ستمنحها فرصة ثمينة لتحريض الشارع ضد الحكومة، إلا أن نجاح الحكومة حتى الآن في التعامل مع الأزمة، في ظل فشل الحكومات الغربية، حال دون ظهور تلك الفرصة. ومع ذلك، لم تتوقف محاولات بعض المعارضين للتشويش على الجهود المبذولة، والتدابير المتخذة، من خلال نشر الشائعات والأخبار المضللة والتشكيك في تصريحات المسؤولين.

وسائل الإعلام العالمية تسعى منذ بداية الأزمة إلى دعم المعارضة التركية، من خلال خلق صورة ذهنية تربط انتشار الفيروس بتركيا ورئيسها، كما أنها من خلال تقاريرها، سواء بالتركية أو غيرها، تحاول أن تثير علامات الاستفهام حول التدابير التي تتخذها الحكومة التركية، وأن تبث الخوف والهلع بين المواطنين الأتراك، بالتعاون مع من تسميهم “الخبراء” من المعارضين.

المعارضة التركية كانت تأمل أن ينتشر الفيروس في البلاد على نطاق واسع، كما انتشر في إيران وإيطاليا، كي تتهم الحكومة بالتقصير والتهاون والعجز، ولما خابت آمالها بدأت تسعى إلى دفع الحكومة باتجاه فرض حظر التجول الكلي في أنحاء البلاد، كي تتوقف عملية الإنتاج ويتعرقل توزيع المواد التموينية، وينهار الاقتصاد التركي، وتضطر الحكومة لطرق باب صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات عاجلة.

الحكومة التركية حتى اللحظة تبنت استراتيجية التدرج في اتخاذ التدابير، وفقا لسير التطورات ونصائح اللجنة العلمية التي تقود جهود مكافحة الجائحة برئاسة وزير الصحة. وبفضل هذه الاستراتيجية، استمرت عملية الإنتاج، ولو ببعض القيود والتراجع. كما أنها أعلنت عن حزمة من الحوافز الاقتصادية، بالإضافة إلى حملة التضامن الاجتماعي التي أطلقها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، لتخفيف الآثار السلبية التي قد يتسبب فيها تفشي فيروس كورونا.

التدابير التي اتخذتها الحكومة التركية من أجل مواجهة الوباء تهدف إلى حماية المواطنين، إلا أن بعض البلديات التي يديرها رؤساء منتمون إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض، تقوم بإجراءات تعرقل تطبيق تلك التدابير، كما فعلت بلدية إسطنبول الكبرى التي قامت بتقليل عدد حافلات النقل الجماعي وعربات قطارات المترو، ما أدَّى إلى الازدحام فيها، على الرغم من تعليمات التباعد الاجتماعي التي تهدف إلى منع الازدحام في وسائل النقل الجماعي والأماكن العامة.

الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، يشارك بقوة في ترويج الشائعات والأنباء الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل بث الخوف والهلع، وإثارة البلبلة في المجتمع. وقال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، الثلاثاء، إن قوات الأمن رصدت خلال أسبوعين 2863 حسابا في مواقع التواصل الاجتماعي يسعى إلى إثارة الفوضى، مشيرا إلى أن 70 في المئة من تلك الحسابات تعود إلى أشخاص مرتبطين بالتنظيمات الإرهابية، مثل الكيان الموازي، وحزب العمال الكردستاني، وجبهة حزب التحرير الشعبي الديمقراطي.

حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية قدَّما إلى البرلمان التركي مشروع قانون لإطلاق سراح حوالي 90 ألف سجين. وكان الكيان الموازي يرى الوباء فرصة لإخراج عناصره من السجون، إلا أن مشروع القانون الذي يتوقع أن يوافق عليه البرلمان لا يشمل المدانين في جرائم الإرهاب، والمتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة.

أداء وزير الصحة التركي، فخر الدين كوجا، منذ بداية الأزمة، وتعامله مع الوباء بكل شفافية حظي بقبول كبير لدى الشعب التركي، وخلق حالة تعاطف واسع معه في الشارع. وأثارت هذه الحالة ومشاعر الوحدة الوطنية التي بدأت تعم أنحاء البلاد، مخاوف لدى المعارضين للحكومة، لما يمكن أن تسفر هذه الحالة عن نتائج سياسية، وارتياح لدى الناخبين من تعامل الحكومة مع الجائحة، الأمر الذي دفعهم إلى تكثيف جهودهم في ترويج الشائعات والأخبار الكاذبة، إلا أن الصور المأساوية والأرقام التي تصل من الدول الأوروبية العريقة والولايات المتحدة حول عدد الضحايا والمصابين بفيروس كورونا المستجد، تبطل مفعول الدعاية السوداء وتحبط خطة المعارضة.

.
كورونا والمعارضة التركيةبواسطة / إسماعيل ياشا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.