لمن يضمن القرآن أن يفهمه؟

إن الرغبة في فهم خلفية أو تفسير الأوامر التي وجهها الإله أو صاحب النص عن طريق الوحي؛ للبشر المتصفين بالفناء، لهي أمر طبيعي للغاية، إلا أنه من ناحية أنثولوجية (وجودية) فإن هذا النطاق ليس مفتوحًا على مصراعيه لهؤلاء البشر.

وإن القرآن يتعرض لذكر هذه المحدودية في أكثر من موضع، ويذكر أن الإنسان في بعض المجالات مهما حاول الفهم لن يستطيع، لأن العلم بذلك مختص بالله فحسب؛ مثل مسألة الروح، والساعة، والآيات المتشابهة، وقضايا أخرى تتعلق بالدار الآخرة. مهما حاول الإنسان أن يسعى جاهدًا لإدراك هذه الأشياء المتوقفة على علم الله فقط، فلن يخرج بفائدة أو شيء سوى العبث.

لا مجال للعقل البشري الفاني في مثل هذه القضايا، هناك في بعض أجزائها يمكن أن يكون لاختلاف المستوى العلمي إلى جانب لطف الله الخاص؛ دور يُذكر.

في سورة الكهف على سبيل المثال، يعرض الله أن هذه الأمور لا تعتمد على العقل البشري ولو كان نبيًّا، وذلك في قصة رحلة النبي موسى مع الرجل ذي العلم الخاص. بعض النتائج المستخلصة من هذه القصة، هي أن الإنسان مهما بلغ علمه ومستوى عقله حتى ولو كان نبيًّا مُنح العلم والحكمة؛ فإن هناك مجالات علوم أخرى لا يعرفها الإنسان إطلاقًا ولا تدركها العقول، لكن يمكن أن يُخصّ أحد بها.

بالطبع حينما نتحدث عن فناء البشر فهذا لا يعني أن الإنسان كمتصف بالفناء لا يمكنه فهم أي شيء من الوحي الذي يتعلق به بشكل مباشر. ها هو القرآن يتعهد لأولئك الذين يتفكرون ويقتربون منه بصدق وإيمان بأنهم سيفهمون الغاية من هذه الرسائل. ولقد أُنزل القرآن بلغة البشر لأن الغاية منه أن يفهموه، وهذا يعني أن الوحي-النص بحد ذاته هو الذي يشرح نفسه بنفسه دون حاجة القارئ أو السامع لتفسير. وهو كبيان واضح يشرح كل ما بداخله عبر لغة واضحة وعبر الآية والبرهان والدليل والإعجاز. وهو حينما يفعل ذلك يفعله على أساس وضع احتمال لعدم فهم البعض، ولذلك يشرح القرآن نفسه بنفسه حتى في المواضع التي لا يمكن للإنسان فهمها. وحينما يستحضر الإنسان فناءه البشري مقابل العلم المطلق من صاحب النص، لا بد أن يرقى بمستوى وعيه ويستمع للرسالة بحضور أكبر يختلف عن سماعه لأي رسالة أخرى.

لكن على الرغم من كون القرآن واضحًا وأنه أبان كل شيء بوضوح، إلا أن ذلك لا يعني ضمان فهمه بموضوعية في حال لم يبذل القارئ الإنسان جهودًا صادقة من أجل ذلك، أو لم يحقق شرط “حسن النية”.

وبمعنى آخر، ليس القرآن نصًّا عاديًّا تُترك فيه طريقة قراءته بشكل كامل للقارئ، بل يشترط نوعًا خاصًّا ومعلومًا من القراءة، بالصدق والإخلاص وحسن النية، والإيمان بأنه نزل من عند الله، وأنه بمثابة موجّه ومرشد، فضلًا عن قراءته بالتفكر والتدبر والتعقل والتذكر والتسليم. ومن يقرأ القرآن بهذه الشروط فإن القرآن ينقل إلى قلبه وعقله تأثيرًا فريدًا بشكل خاص.

مرة أخرى، نحن لا نقول باستحالة أن يكون القرآن موضوع أي دراسة أكاديمية، بل بالتأكيد لذلك مكان خاص في علوم القرآن. إلا أن هناك في ما يستعصي على فهم الإنسان، لا يمكن القول بأن الإنسان بعقله وفكره ودراساته المحدودة عليه أن لا يتراجع ولا يقف أمام محاولة استشكاف ذلك الذي لن يتمكن من الوصول له على الإطلاق. وهذه “المحدودية” التي نتحدث عنها لطالما كانت محل دراسات ونقاشات إسلامية على مر التاريخ.

فضلاً على أنه سيخلق مشكلة؛ سيؤدي إلى كثرة الإشاعات للنص القرآني. وسيخرج الفلاسفة الوضعيين بمنطقهم حول أن أي نص يمكن فهمه.

فمن ناحية الفلاسفة الوضعيين ليس من السهل قبول مقولة أننا لانستطيع أن نفهم شيء ما. الإنسان لديه القدرة على فك جميع أسرار أي نص موجود في اليد البشرية، كما أنه لا يمكن إعفاء القرآن من هذه الفرضية. لدى الفلاسفة الوضعيون أوهام بأنهم إذا ضغطوا على الطبيعة سيعرفون كل أسرارها ويؤمنون بأنهم قادرين على جعل القرآن يبوح بكل أسراره إذا حاصروه وضغطوا عليه.

يعبر النهج التاريخي للقرآن إلى حد كبير عن رغبة هؤلاء الفلاسفة الوضعيين في جعل جميع أسرار القرآن مفهومة أو من خلال تجاهلهم خصوصية المؤمن، وكشف كل الأسرار والتحليلات واستنزاف معاني النص القرآني.يذهب الفلاسفة الوضعيين أبعد من ذلك ويدعون أنهم يعرفون بعض المواقف التي لا يعرفها الله حتى.

في حالنا الضعيف معه ولكن قربنا الصميمي للقرآن الكريم وبمعانيه الواسعة هل نصدق أن الوحي وفهم معاني وأسرار القرآن هي للخالق فقط

هل يبدو هذا الاعتقاد ساذجًا جدًا أو إيمانيًا جدًا؟

بغض النظر عن كيفية ذلك، فإن الخالق العارف بكل شيء هو أفضل من يعرف أسرار ماخلقه ويعرف أيضًا مايجب عليك فهمه ومالايجب.

من الممكن أن تقرأ القرآن دون أن تؤمن بهذا ولايستطيع أحد أن يقول لك شيئاً.

ونتيجة لذلك، لم ينزل القرآن على المسلمين فحسب، بل على جميع الناس، وحتى المسلمين لا يمكنهم التدخل في من سيفهم القرآن أو كيف سيتعامل معه.

في الحقيقة، هذا لا يبرر للمؤمن عندما يقرأ القرآن أن لا يتدبر وأن لا يحاول فهم المعاني بل على العكس يجب أن يتذكر أنه في اتصال خاص مع الله ويحاول أن يخشع ويتدبر قدر المستطاع.

.

ياسين اكتاي بواسطة / ياسين اكتاي  

4 تعليقات
  1. هيثم يقول

    بارك الله فيك اخي ياسين . كلام منطقي و صحيح. قراءة القراءن ليس كقراءة قصص او مجلة وانما هو كلام الله الخالق و الانسان القارءئ يجب ان يخشع ويتدبر كل كلمة قدر المستطاع

    1. سعود جمال يقول

      حقيقة لا شك في ذلك فبقدر عظمة الخالق تكون عظمة كلامه المتجدد دوما الراسخ في عميق معانيه ومحدودية فهم المخلوق بحكم بأن فوق كل ذو علم عليم ومن اصطفاه الله بشئ من الفهم فهو يدرك تماما بأن ما عند الله لا ينفد هذا والله اعلم ..جزاكم الله خير

  2. محمد اليوسفي يقول

    جزاكم الله خيرا الجزاء على انتقاء خير المعلومات

  3. احمر يقول

    هل تحفظ أنت لا هل نظرت إلى كلام عامة العلماء المفسرين لا هل تحفظ السنة لا أنت أول من لم يكلفه الله عزوجل التحدث عما يجهل فلماذا تتقحم مالم يخبرك به أحد وليس لك به سابق علم ولم تناظر كلام العلماء فيه القرآن نزل على عامة الناس لأنها رسالة عامة لكل الناس وليست خاصة لا نملك القدرة على أن نغير تدخل أحدهم في القرآن الكريم ولكن لا أساس لتدخل كافر أو مشرك والجميع يمكنه الفهم كما كان في صدر الإسلام ففهم الكفار والمشركون والمسلمون كلام الله عزوجل سواءا فلقد نزل بليغا بلغتهم وهذا أصل عام فما بعث نبي إلا بلغة قومه وأنا ناصح لك إن كنت متحمسا للكتابة فعليك النظر بكلام العلماء السابقين جملة وعليك الحفظ فهذه ليست فيزياءا ولا كيمياءا ولا طبا لتتحدث عنها بما يظهر لك فانظر في كلامهم ثم تكلم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.