فتيات التيك توك في مصر: السجن مقابل “خدش الحياء”

فتيات التيك توك في مصر

“إننا منهارون ومصدومون. أختي لم ترتكب جريمة قتل أو زنا. كانت فقط تريد أن تصبح مشهورة ومحبوبة”

هكذا حدثتنا رحمة الأدهم الأخت الكبرى لمودة الأدهم، واحدة من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي والتي حكم عليها مؤخرا بالسجن لمدة عامين.

 

أدينت مودة، وهي طالبة جامعية ذات 22 عاما، بالتعدي على قيم الأسرة المصرية.

فقد ألقي القبض عليها في مايو /أيار الماضي بعد أن نشرت سلسلة من المقاطع المصورة على تطبيقات منها تيك توك وانستغرام، وظهرت فيها وهي ترقص على نغمات مجموعة من الأغاني الشهيرة.

 

واعتبرت النيابة العامة المصرية تلك المقاطع وغيرها على حسابات مودة خادشة للحياء، وأمرت بالقبض عليها مع آخريات يقمن بنشاط مماثل.

 

وتحدثني رحمة عن حالة أسرة مودة فتقول “والدتي بالكاد تغادر سريرها الآن. فهي تبكي طوال الوقت. تورمت قدماها من شدة الحزن. أحيانا تستيقظ من نومها فجأة لتسأل إذا كانت مودة قد عادت إلينا”.

 

وأصدرت النيابة العامة بيانات عدة، في أعقاب القبض على نحو 10 فتيات في وقائع مماثلة خلال شهرين، حذرت فيها من مما وصفته بالمخاطر المحدقة بالشباب “التي تسللت إليهم عبر منافذ إلكترونية لا تحظى بأي نوع من الرقابة”.

 

واعتبرت أن هذه المخاطر حملت “شعارات مزيفة نادت كذبا وزورا بحرية التعبير والإبداع”.

 

وطالبت النيابة أولياء الأمور بتوجيه مزيد من الاهتمام والانتباه لأبنائهم “وعدم غض الطرف عن أمور تسللت لشبابنا”.

وأوضحت أن أطفالا وشبابا “انخرطوا في حياة غارقة في الإباحية الجنسية” وسعوا بشكل غير المشروع إلى كسب المال وباتوا طامعين “في شهرة زائفة نجاح لا فلاح فيه”.

 

“فتيات التيك توك”

 

حكم على مودة وأربع فتيات أخريات بالسجن لمدة عامين بالإضافة إلى غرامة قدرها 300 ألف جنيه مصري لكل منهن (نحو 20 ألف دولار) في القضية التي عرفت لاحقا باسم “بفتيات التيك توك”.

ومن بين المدعى عليهن حنين حسام وهي طالبة جامعية أيضا.

 

طعنت مودة وباقي الفتيات على الحكم. وحددت المحكمة جلسة 14 سبتمبر أيلول/المقبل لاستكمال النظر في الاستئناف على الحكم.

 

وتقول رحمة إن مصدر دخل شقيقتها الصغرى هو عروض للأزياء والحلي كانت “تقوم بها على مواقع التواصل الاجتماعي لصالح علامات تجارية معروفة. وأنها كانت تحلم بأن تصبح ممثلة”.

 

“لماذا أختي؟!”

 

في بيان أصدرته مؤخرا بشأن تلك القضية، قالت منظمة العفو الدولية إن النيابة قدمت 17 صورة وصفتها بأنها “خادشة للحياء” كدليل ضد مودة الأدهم. وأشارت المنظمة إلى أن مودة قالت إن الصور سربت من هاتفها بعد سرقته العام الماضي وأنها أبلغت بالفعل عن سرقة الهاتف.

 

وتساءلت رحمة غاضبة “لماذا أختى تحديدا؟ هناك الكثير من الممثلات اللاتي يرتدين ملابس كاشفة وأحيانا فاضحة ولا يتعرضن لأي ملاحقة”.

 

من جانب آخر:

يقول أشرف فرحات المحامي بالنقض إن “حرية التعبير لا تعني إساءة الأدب في التعبير. والتعبير عن الرأي يختلف تماما عن بث محتوى يشكل جريمة. فنشر مقاطع مصورة تحمل إيحاءات جنسية جريمة كما أن ارتكاب فعل علني فاضح هو جريمة”.

 

مودة الأدهم

 

ويرى أن القبض على فتيات التيك توك لا يعني أن هناك ملاحقة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. “فهناك الكثير من الشباب والفتيات الذين يستخدمون تلك المواقع بحرية من دون أن يتعرضوا لأي مساءلة أو مقاضاة.”

 

ويقول إن منتقدي القضية لم يطلعوا على كامل حيثياتها. ويضيف أن حسابات المتهمات، التي تحمل تلك الفيديوهات، كلها مفتوحة للعامة ولذا تخضع للمساءلة إذا كان المحتوى مخالفا للقانون لكن “لو بقيت حساباتهن شخصية ما مسها أحد. فالبيانات الشخصية تخضع للحماية بقوة القانون”.

 

وتحاكم الفتيات أمام المحاكم الاقتصادية المصرية التي تختص بتطبيق عقوبات إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بموجب قانون أقر قبل نحو عامين. 

 

“جعلوني مجرمة

 

سقطت مودة مغشيا عليها عندما سمعت حكم السجن لعامين، حسبما أخبرنا محاميها أحمد البحقيري.

 

ووصف البحقيري الاتهامات بأنها “هلامية للغاية”، وقال إن السجن ليس الحل في هذه القضايا لأن “السجن يخلق مجرما. فاحتجاز فتاة في مثل هذه السن الصغيرة وسط مجرمين أمر كارثي. حتى وإن كان بعض ما نشرته من مقاطع مصورة يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا، فمن الممكن اللجوء لمراكز تأهيل بدلا من السجن”.

 

وانقسمت الآراء في المجتمع المصري، ذي الطابع المحافظ، بشأن “فتيات التيك توك”. فالبعض، على مواقع التواصل الاجتماعي، يعتبر سلوكياتهن وملابسهن خروجا على الآداب العامة وتحديا للقيم الاجتماعية. بينما يقول آخرون إن المقاطع المصورة الخاصة بهؤلاء الفتيات لا تخرج عن إطار التسلية والترفيه ولا تستوجب على الإطلاق توقيع عقوبة مثل السجن.

 

“تمييز ضد المرأة”

 

وطالب العديد من الجمعيات الحقوقية المحلية بإطلاق سراحهن. وقال حقوقيون إن القبض عليهن ما هو إلا تحرك جديد من جانب السلطات لفرض مزيد من القيود على حرية التعبير وإحكام قبضتها على الفضاء الإلكتروني، الذي بات النافذة الوحيدة للتعبير عن الرأي.

 

مودة الأدهم

 

“هذه القضية تنطوي على نوع من التمييز ضد المرأة بشكل واضح” هكذا يقول محمد لطفي المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي واحدة من المنظمات الحقوقية التي دعت لإطلاق سراح فتيات التيك توك. ويرى أن مؤسسات الدولة تعتقد أن تصرفات المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي “يجب أن تحكمها الضوابط التي تضعها السلطة”.

 

ويضيف لطفي أن الفتيات اتهمن بالتعدي على قيم الأسرة المصرية “من دون أن يقدم أحد أي تعريف لهذه القيم. فلم يحدد ماهيتها أي قانون أو مؤسسة”.

 

وحتى إن أفرج عن هؤلاء في الفتيات، يقول لطفي إن السلطات بعثت بالفعل “رسالة تخويف” لكل من تفكر في أن تسلك نفس المسار. “فالدولة توضح أنها ستقف بالمرصاد لكل من تظن نفسها حرة فيما تقول أو تفعل، حتى وإن لم يكن لها أي علاقة بالسياسة. فهناك خطوط لن يسمح لأحد أن يتعداها.”

 

ملايين المتابعين

 

يتابع مودة أكثر من ثلاثة ملايين شخص على تيك توك وأكثر من مليون ونصف المليون شخص على إنستغرام. ويقول منتقدون إن الدولة تشعر بالقلق إزاء التأثير المتزايد لهؤلاء الفتيات عبر الفضاء الإلكتروني.

 

وتساءل بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي إذا كان المستوى الاجتماعي هو أحد أسباب القبض على هؤلاء الفتيات. فأغلبهن يأتين من خلفيات اجتماعية بسيطة، ولا يتمتعن بشبكات علاقات توفر لهن أي نوع من حماية. ويقول أصحاب هذا الرأي إن هناك أخريات، من طبقات اجتماعية أعلى، ينشرن صورا ومقاطع فيديو ممثلة على المنصات الإلكترونية، من دون أي خوف من عقاب أو ملاحقة.

 

ويوضح لطفي أن الفتيات المنتميات لطبقات اجتماعية عليا “نشأن في عائلات تربطها علاقات جيدة بالسلطة. ولذلك من المستبعد أن يلجأن في يوم من الأيام للتعبير عن أي آراء مناهضة للدولة”.

 

وقالت لين معلوف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في منظمة العفو، إنه “بدلاً من مراقبة النساء على الإنترنت، يجب على الحكومة إعطاء الأولوية للتحقيق في الحالات الواسعة الانتشار التي تنطوي على العنف الجنسي والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات في مصر، واتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة التمييز المجحف القائم على النوع الاجتماعي في القانون والواقع الفعلي”.

 

وعادة ما تعاني المتهمات في هذا النوع من القضايا من وصمة مجتمعية تلاحقهن لسنوات، حتى إذا ثبتت براءتهن في وقت لاحق. وتقول رحمة إن “الناس باتت متحجرة القلب. يرموننا بسهام الشماتة والانتقاد وكأنهم ملائكة بلا أخطاء” وتوضح أنها تسمع الكثير من الكلام المسيء لمودة لكنها تؤكد “سأظل محبة وداعمة لأختي طوال حياتي”.

.

المصدر/ BBC

 

أقرأ المزيد:

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.