هل فاجأ حزب الشعب الجمهوري جبهته؟

 عادة ما تكون للمعارضة وحزب الشعب الجمهوري في مفهوم الديمقراطيات، مهمة منضبطة ومتواصلة تسعى إلى زيادة الشفافية لدى الإدارة الحاكمة، وتطوير حسّ المساءلة على جميع الأصعدة ابتداءًا من البيروقراطية وصولًا إلى الممارسات السياسية. ممّا يضمن أن يتم تقديم الخدمات للشعب على وجه حسنٍ وعادل. ولا شك أنّ هذه المهمة تتمتع بقيمة عالية. ما يحتّم على أي إدارة تتمتع بنية صافية وأهداف سامية في تقديم الخدمة للشعب بشكل صادق، أن تنظر إلى تلك المهمة بعين الاعتبار دون التقليل من شأنها. وفي نهاية المطاف يشكّل هذا المشهد في الديمقراطية الناضجة نوعًا من تقاسم المهام ضمنيًّا ما بين الحكومة والمعارضة.

لكن على الرغم من ذلك، فإن العملية الديمقراطية التي من المتوقع أن تسير على هذا الشكل من الناحية النظرية. عادة ما تكون بعيدة كل البعد عن ذلك من الناحية العملية. وليس من الشرط أن تكون جميع الأطراف المتنافسة على السلطة بعيدة عن هذا المفهوم السامي حتى تؤثر بالسلب على العملية الديمقراطية، بل يكفي أن يكون طرف واحد منها بنية سيئة حتى يعطّل مسار الديمقراطية برمّتها. وحينما يحدث يغيب الحسّ السامي الساعي لتقديم الخدمة للشعب. ويغيب معه المستوى الأخلاقي الرفيع الذي يلتزم بقيم معينة، ولا يبقى سوى أرضية متأرجحة غير منضبطة لا تحكمها القواعد ولا الأخلاق. ولا تسعى سوى لنيل نصيب الأسد من السلطة.

حينما نتحدث عن تركيا، فهي بلا شك تقدّم اليوم نجاحات مذهلة على المستوى المحلي والدولي. وتساهم في حل العديد من الزمات المزمنة وسط العديد من الصعوبات، بفضل تحركاتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية. محققة بذلك مكاسب مهمة في العديد من المجالات لهذا البلد.

بالطبع أن لا أقصد أن تتحول مهمة المعارضة إلى التصفيق لكل ما تقوم بها الحكومة. لا سيما وأنه ليس من المنطقي أن نقول للمعارضة كيف عليها أن تعارض أو ماذا تعارض، حيث أنها أي المعارضة هي من تقرّر بنفسها ماذا ستعارض وكيف. إلا أنها في نهاية المطاف يجب عليها خلال معارضتها أو انتقاداتها، أن لا تقوم بذلك بشكل يخدم أعداء البلد.

وفي هذا السياق يبدو أنه ليس من الطبيعي الحالة التي وصل إليها حزب الشعب الجمهوري في هذه النقطة. من حيث تغييب الحس الأخلاقي والوطني، لدرجة تفوق كل الأشكال المعقولة في ممارسة المعارضة.

بينما تعيش كلّ من تركيا وأذربيجان وشعبيهما فرحة عارمة بتخليص أذربيجان من احتلال دام قرابة 30 عامًا. نجد أن الشعب الجمهوري يلفق الاتهامات نيابة عن المحتلّ أرمينيا، محاولًا تعطيل صفو تلك الفرحة التي تعيشها تركيا وأذربيجان وشعبيهما. ويزعم افتراءًا أنّ سوريين كانوا يقاتلون في صفوف القوات الأذربيجانية.

كذلك الأمر في شرق المتوسط؛ تركيا خلال معركة الوجود التي تناضل بها هناك. لا تفعل ذلك بالتأكيد باسم حزب العدالة والتنمية فحسب، بل باسم 83 مليون تركي، بل وباسم الجغرافيا التي تعلّق شعوبُها آمالَها بتركيا. ولو حصل -لا قدر الله- أن وصل حزب الشعب الجمهوري إلى السلطة يومًا ما. فهل ستكون هنالك رؤية لهذا الحزب إزاء شرق المتوسط، أو إزاء تلك الجغرافيا التي تنظر شعوبها إلى تركيا بعين الأمل؟ حين النظر إلى مستوى وأفق الشعب الجمهوري كحزب معارض اليوم. نجد أن رؤيته لن تكون إلا في فتح الأبواب على مصراعيها أمام المحتلين الأجانب الذين يسعون لإخضاع تركيا. ولعل من المفيد أن نسأل. بيد من اليوم حزب الشعب الجمهوري الذي تمخض عن حرب الاستقلال؟

دعونا من ذلك، ولننظر إلى السياسة التي جسدتها تركيا سواء في أذربيجان أو شرق المتوسط وليبيا وحتى سوريا. سنجد أنها بفضل هذه السياسة تحولت إلى قوة لا يمكن الاستهان به على صعيد التوازنات الدولية. لدرجة أن الصناعات الدفاعية التي مهدت الطريق لذلك أمام تركيا، باتت في مرمى كل من الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا بحد ذاته يحتّم على كل من الحكومة والمعارضة أن تضبط تحركاتها وأقوالها معًا في سبيل مواجهة ذلك. إلا أن الشعب الجمهوري يبدو أنه آثر الانضمام إلى صفوف القوى التي تتسابق على الإضرار بتركيا، على الوقوف في صف الجبهة التي تدافع وتذود عنها.

نجد اليوم أن مصنع قطع الدبابات في صكاريا، والذي فتح آفاقًا مهمة لدى الصناعات الدفاعية التركية. بات في مرمى هجمات حزب الشعب الجمهوري. لقد كان المصنع موجودًا منذ وقت طويل. وكانت مهمته مقتصرة على إصلاح الدبابات المستوردة من الخارج وتحديثها. وبعد عقد اتفاقية شراكة مع قطر. تحول هذا المصنع اليوم إلى أرضية إنتاج مهمة للغاية أضافت قوة كبيرة للصناعات الدفاعية التركية؟. والجميع يعلم تمام العلم أن شراكة قطر في هذا المصنع. لا يُغير شيئًا من قضية أن ما ينتجه هذا المصنع محلي ووطني مئة بالمئة، بل على العكس يقوم هذا المصنع بالإنتاج تحت إشراف كامل من القوات التركية. وبما يلبّي احتياجاتها، ولا يزال يساهم بشكل كبير في تعافي تركيا من الاعتماد على الخارج في مجال الصناعات الدفاعية. لكن على الرغم من ذلك نجد زعيم الشعب الجمهوري ونوّابه يوجهون هجماتهم وافتراءاتهم ضد هذ المصنع بكل حماسة وتلهف. لذلك السبب. ألا يجب علينا أن نتساءل لصالح من أو باسم من يُعارض حزب الشعب الجمهوري؟

يمكن القول أن الشعب الجمهوري يقوم بذلك، من أجل تحويل انتباه الرأي العام عن قضايا التحرش والانحلال الأخلاقي .والاغتصاب التي تتم داخل دوائر الحزب اليوم، والتي باتت تتصدر المشهد. بيد أن كلا الأمرين يتمتعان بدوافع لا يمكن الخلط بينهما على أي حال. والأصح أن الشعب الجمهوري يعاني من هوية مضطربة ومشوهة باتت شبه روتينية.

ولا شك أنه من الواجب النظر بتمعن لتقييم المستوى الذي بات يُعارض من خلاله. حيث أن الوقاحة المفرطة التي يمارسها من خلال الاعتماد على الافتراءات الملفقة ونشرها بأسلوب يظن أنه مؤثر للإقناع للنيل من الحكومة في سبيل معارضتها. باتت تشكل ازمة أخلاقية خطيرة لا سيما على صعيد أدبيات السياسة.

بعد ذلك، هل يجب علينا القول مجددًا أن الخوض في مزيد من التفاصيل من هذا القبيل واستعراضها بات أمرًا لا يُطاق أو يُحتمل؟

هل فاجأ حزب الشعب الجمهوري جبهته؟/ بواسطة / ياسين اكتاي  
هل فاجأ حزب الشعب الجمهوري جبهته؟/ بواسطة / ياسين اكتاي  

 

بواسطة / ياسين اكتاي  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.