هل تتكلل المفاوضات الروسية الأوكرانية بالنجاح هذه المرة؟

تذكرون حينما انتشرت شائعات كثيرة حينما اختفى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذراع الأيمن للرئيس فلاديمير بوتين، والمعروف بأنه مستودع سره، فقد ظل مختفيًا لأسبوع في ظل مواصلة الحرب على أوكرانيا.

كان من الطبيعي أن يستخدم اختفاء الرجل المخول بقيادة جيش في حالة حرب وبقاؤه بعيدًا عن الأنظار لفترة، لدعم الآراء التي تذهب إلى أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة للروس.

لقد أعد بوتين وشويغر خطط غزو أوكرانيا معًا خلال الصيف الماضي، في سيبيريا التي كانا في إجازة فيها سوية.

حينما تسأل: من هو أقرب رجل بالنسبة لبوتين؟، يتبادر إلى الذهن شويغر قبل سيرغي لافروف وزير الخارجية.

بدأت حديثي عن هذا الجانب لأسلط الضوء على التصريحات التي أدلى بها شويغر أمس، قال أن “الجزء الأول من الهدف الرئيسي للعملية الخاصة في أوكرانيا قد اكتمل”.

التقدم الأكثر أهمية منذ بدء المفاوضات

تصريحات شويغر تزامنت مع الساعات الأولى من المفاوضات التي انطلقت بالأمس بين الروس والأوكرانيين في قصر دولمة بهجة بإسطنبول.

تصريحاته أعطت فكرة عن النتائج التي يمكن أن تسفر عنها المحادثات تلك.

في الواقع، كانت التصريحات التي صدرت عن المفاوضين من كلا البلدين عقب 4 ساعات من المفاوضات، تشير إلى أن الطريق فُتح جزئيًا أمام وقف إطلاق النار.

في ختام المحادثات قال الجانب الروسي: “سنعلق الأنشطة العسكرية بمحيط مدينتي كييف وتشيرنيهيف من أجل تهيئة الظروف للحوار”.

في المقابل، قال ممثلو الوفد الأوكراني: “تمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأن بعض البنود في المفاوضات”.

ولعلنا نجد ملخصًا “للتقدّم المحرَز” الذي وصلت إليه المفاوضات، في تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو.

وفقًا لتلك التصريحات:

1- قطع مسافة خلال المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق وتفاهم مشترك حول بعض القضايا.

2- إحراز أكبر تقدم ذو مغزى منذ بدء المفاوضات بين الطرفين.

3- التعامل مع المسائل الأكثر صعوبة يجري عبر مستويات رسمية أعلى، والحديث قائم حول لقاء محتمل على مستوى الوزراء أولًا، ثم القادة (بوتين وزيلينسكي).

دور تركيا في وقف إطلاق النار لا يقدر بثمن

لقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما كان عائدًا من قمة الناتو في بروكسل الأسبوع الماضي، أنه قال لنظيره الروسي بوتين: “يجب أن تكون مهندس الخطوة التي يجب اتخاذها من أجل السلام”، ودعاه لاتخاذ موقف مشرف لأجل السلام.

تعارض أنقرة الغزو الروسي لأوكرانيا من ناحية، ومن ناحية أخرى تتبع سياسة متوازنة دون الدخول في شن عقوبات على غرار الغرب.

هذا الموقف بحد ذاته حول تركيا إلى مركز من الدبلوماسية في هذه الحرب.

يكتسب هذا الموقف أهميته في بيئة الجميع فيها اختار طرفًا دون طرف، وبعض الدول تجري حسابات قذرة وتؤجج نيران الحرب بشكل أكبر، ومن الواضح أنه سيكون ذا قيمة لا تقدر بثمن خاصة فيما لو تمخض عن نتائج ملموسة.

بغض النظر عن مواقف الدول المختلفة، هل يمكن أن تتخيل حجم أهمية أن تكون أملًا لملايين الأشخاص الذين تركوا منازلهم بسبب الحرب؟

وهذه قيمة ثمينة للغاية نشأت من خلال اتباع سياسة خارجية تعتمد أولويات أنقرة بالدرجة الأولى وليس اتباع عواصم معينة، ولقد تطورت ونضجت هذه السياسة بتوجيه وقيادة من الرئيس أردوغان خلال السنوات الأخيرة.

خلال اجتماعه مع الوفدين المفاوضين بالأمس، قال أردوغان: “لقد أظهرنا نهجًا عادلًا يحمي حقوق وقوانين كلا الجانبين (روسيا وأوكرانيا) على جميع المنصات الدولية”.

وهذه كلمات توحي بالثقة بالنسبة لروسيا وأوكرانيا على حد سواء.

دعونا نعود الآن لما قاله وزير الدفاع الروسي شويغر، الذي كان يقول بالأمس أن الجزء الرئيسي من العملية انتهى.

وأستذكر هنا مقولة شهيرة لوزير الخارجية الأمريكية السابق، هنري كيسنجر، مفادها أنه طالما تأثر قوتك لا ينعكس على طاولة المفاوضات، فإن ما تتحدث عنه على تلك الطاولة ليس أكثر من ثرثرة.

التجارب في سوريا أعطت مؤشرات على أن الروس كانوا يديرون المفاوضات بناء على الحقائق الموجودة على الأرض.

بعد أكثر من شهر في أوكرانيا، لا بد أن “الحقائق” دفعت موسكو إلى إجراء تقييم جديد للوضع.

كأن شويغر حينما يقول ذلك يعلن ضمنيًا أن روسيا تخلت عن بعض الأهداف الأولية، كما ترى الفاينانشيال تايمز مثلًا.

والإعلان الذي صدر أمس عن تعليق الأنشطة العسكرية في مدينتي كييف وتشيرنيهيف وما حولهما مهم في هذا الصدد.

يبدو أنهم عثروا على الأرضية المناسبة لوقف إطلاق النار الجزئي.

محمد آجاتبواسطة / محمد آجات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.