التاريخ الحديث يبدأ بالإسلام وليس بالأوروبيين

 

سيطر الحفظ على أذهاننا. عقولنا مكبلة، وليس بمقدورها أن تدرك على نحو دقيق مزبلة الخرافات الحديثة. سوف أقوم في هذا المقال بكشف وتبديد إحدى تلك الخرافات.

إن الحالة الروحية في مواجهتنا مع الصليبيين، غير متكافئة، ومتناقضة تمامًا مع الحالة الروحية في مواجهتنا مع الغربيين في العصر الحديث.

ففي الحالة الأولى، يتصدر المسلمون والإسلام مسرح التاريخ. ويصنع الإسلام التاريخ؛ ليس فقط تاريخ الإسلام، بل تاريخ العالم أيضًا. ويوجه دفة التاريخ.

وفي الحالة الثانية، يشكل الغربيون التاريخ ويسيطرون على زمام الأمور في مرحلة التحدي الحديث خلال القرون الثلاثة الماضية.

في مواجهتنا مع الصليبيين، الإسلام هو روح العالم أو بمعنى آخر روح العصر. الإسلام يعني العالم.

العصر، هو ذلك العصرالذي منحه الإسلام اتجاهًا وشكلًا من القرن الثامن حتى القرن السابع عشر والثامن عشر.

الصليبيون، والمغول يدمرون معًا العالم الإسلامي. يخسر المسلمون كل شيء مادي في هذا العالم، لكنهم لا يخسرون أشياء بعينها؛ فهم لا يفقدون أبدًا إيمانهم وثقتهم بأنفسهم. لذلك، تغلبوا على هذا الدمار المادي بانطلاقة ووثبة معنوية (عقائدية ، فكرية ، سياسية).

هذا الأمر من الأهمية بمكان

التاريخ الحديث هو تاريخ يوجهه الإسلام

يبدأ التاريخ الحديث بالإسلام. هذا أحدث ما في الأمر.

نشأت الحداثة أيضًا بتحريك ودفع من القوة المجددة للإسلام. وقد دفع الإسلام أوروبا نحو التاريخ.

انظروا، كيف وصل الإسلام خلال نصف قرن من الزمان، إلى المحيط الهادئ شرقا، وإلى الصين، وإلى المحيط الأطلسي غربا، وإلى شبه الجزيرة الأيبيرية .

إنه ليس بالأمر الهين. ثمة موقف استثنائي هنا لم يتمكن جميع المؤرخين الكبار وفلاسفة التاريخ من فهمه، أو حل لغزه، أو حتى تفسيره على نحو دقيق.

إنه وضع غير عادي أن يصل الإسلام إلى كافة أرجاء العالم في وقت قصير يُقدر بنصف قرن من الزمان، وأن يبدأ في الانتشار في العالم بأسره في غضون قرن من الزمان، وأن يبدأ الناس في اعتناقه بسرعة في جميع أنحاء العالم.

ما السر في ذلك؟

السر في ذلك، في المقام الأول يكمن في أن عقيدة الإسلام قوية، وصلبة، وراسخة. لم تُدنس بالوثنية. تفصل تلك العقيدة العالم الإلهي عن عالم الإنسان بدقة ووضوح. ولا يوجد في هذا الصدد عوائق عقائدية أو فلسفية لاعتناق الإسلام.

لذلك كان من السهل أن ينتشر الإسلام بسرعة فائقة وخلال فترة قصيرة في جغرافية تُرْكِستان شرقا، وفي إسبانيا والبرتغال غربا، وحتى داخل فرنسا، وفي شمال إفريقيا جنوبا، وفي سواحل شرق وغرب إفريقيا.

تحل المسيحية بصعوبة مشكلة الإله، ومشكلة تفسير الإله بالثالوث، من خلال الحوادث الدموية. في الحقيقة، هذا ليس حلاً، إنه إجبار.

في الوقت الذي انتشر فيه الإسلام بسرعة في وقت قصير، أصبحت المسيحية دين الدولة بالقوة وابتلعتها التقاليد الوثنية.

لهذا السبب يلعب الإسلام، وليس المسيحية، دورًا بارزًا في نهوض الغرب؛ إذ نجد أن المسلمين من ناحية يدفعون الغربيين إلى جذورهم الفلسفية ومواردهم، أي الفلسفة اليونانية، ومن ناحية آخرى أيضًا يدفعوهم نحو التاريخ في كل مجال، ويطلقون النهضات.

التحدي الإحيائي للإسلام

احتك الإسلام في عصره الأول بجميع الحضارات. وفي عصره الثاني، نهل من جميع الحضارات التي احتك بها ودون علومه الإسلامية الأصيلة.

إلا أنه في عصره الثالث طور تحديًا على نطاق عالمي؛ فالإسلام أصبح عصرًا، وأصبحت دعوة الإسلام هي قمة الإنسانية، وعصر البشرية وشلالها الذي يجب بلوغه.

الإسلام يعني العالم؛ فالإسلام يصوغ العالم في كل المجالات ومن جميع النواحي؛ إذ يحدد الإسلام المبادئ والمقاييس والأساليب المتبعة في العلم والفكر والفن على نطاق عالمي.

وخلال هذه العملية، فإن الحضارة الإسلامية لا تدمر أي حضارة أو ثقافة، بل تهب إكسير الحياة للثقافات المحتضرة، وتغذي جميع الحضارات، وتعرف كيف تنميها بتمريرها عبر مرشح الوحي من جميع الحضارات.

وليس إلى الشك سبيل في أن ظهور الإسلام على مسرح التاريخ، وتأسيسه للتاريخ الحديث، وبناؤه علاقات بناءة، ومفيدة، وحوارية، وغير هادمة مع الحضارات الأخرى من الأهمية بمكان من ناحية فلسفة التاريخ، و من حيث تقديم الدلائل التي من شأنها أن تُظهر كيف يمكن صناعة تاريخ المستقبل.

والخلاصة، إن المسلمين، حكموا شبه الجزيرة العربية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ومع بدء خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، واجهوا العالم المتحضر مثل الدولة الساسانية، وبيزنطة، واليمن. ومع بدء خلافة عثمان (رضي الله عنه)، أي في غضون خمسين عامًا تقريبًا، وصل المسلمون إلى الصين شرقا، وإسبانيا غربا.

وبمعنى آخر، لقد وصل الإسلام بالفعل إلى جغرافية العالم بأسرها في غضون المائة عام الأولى. وهذا أمر مهم إلى أقصى درجة؛ إذ يُعد ظاهرة معجزة يعجز المؤرخون، وفلاسفة التاريخ عن حلها من منظور فلسفة التاريخ ومنطقه.

يمكننا صناعة التاريخ من جديد

التاريخ لم ينته.. التاريخ مستمر

يمكننا توجيه دفة التاريخ من جديد إذا تمكنا من تربية أجيال من الرواد يحتضنون الخلفية الحضارية للبشرية ويحاولون إعادة تعريفها وفق مفاهيم الإسلام .

لا شيء قد انتهى

ربما نحن نملأ محنتنا. محنتنا في الفكر والكون والوجود.

من الممكن أن يكون الوعي بتحمل عبء البشرية كافة على أكتافهم قوة دافعة ستمكننا من صناعة التاريخ من جديد، إذا عرفنا أنفسنا ووجدنا أنفسنا وتمكنا من أن نكون أنفسنا.

التاريخ لم ينته ، لقد بدأ للتو

أنهى الغربيون كل شيء: لقد أحجروا الطاوية، والكونفوشيوسية، والبوذية، والهندوسية، ومذهب زن البوذي، وأخرجوهم من التاريخ ، لكنهم لم يستطيعوا القضاء على الإسلام وموارده، وتدمير المسلمين.

إذا اتحدنا، يمكننا حشد البشرية كافة مجددًا حول حضارة الحقيقة والعدالة.

ماذا قلنا سابقا: العالم حابل بنا، ونحن بالحقيقة.. إذن فالنوم حرام علينا .

والسلام ختام.

يوسف قابلانبواسطة / يوسف قابلان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.