كَلَّا، ما زلتم لا تفهمون ما تفعله أنقرة …

مع اقتراب موعد “قمة قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)”، المزمع عقدها في العاصمة الإسبانية “مدريد” بين يومي 29 و30يونيو/حزيران الجاري، والتي توصف بأنها “قمة القمم”، تزداد خيبات أمل الدول الأعضاء في حلف الناتو، وكذلك “الدول التي تدعمها تلك الدول” فيما يتعلق بطلب انضمام السويد وفنلندا إلى عضوية الحلف.

وتظهر التصريحات، التي أدلى بها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في مطلع الأسبوع الجاري، والتي مفادها أنه “ليس من الضروري أن يكونا (السويد وفنلندا) أعضاء في هذه القمة” ،تراجعًا في موقف أعضاء الحلف.

وكان ستولتنبرغ نفسه قد أشاد بطلبات ترشيح البلدين قبل شهر واحد بالضبط، ووصفها بأنها “لحظة تاريخية لا ينبغي تفويتها”.

وإذا كنتم تريدون مشاهدة هذا التراجع من نافذة أكثر عاطفية باعتباره رد فعل لمطالب تركيا المشروعة، و”انتقام” للمعاناة التي عانت منها لسنوات، فلا أحد يستطيع أن يعارضكم. لكن الواقع الاستراتيجي الذي نعيشه أكبر من ذلك.

لعلكم تتذكرون أنه قبل دخول روسيا الحرب في الأسبوع الأخير من فبراير/شباط، طلبت بعض الضمانات الأمنية من الغرب في بداية العام. بمعنى، إذا كان سبب الحرب هو ضغط الغرب المستمر على موسكو، فإن المكان الذي اشتعلت منه النيران، هو مطلب روسيا المتمثل في “عدم توسع حلف الناتو بشكل أكبر من ذلك”. وبالمقابل، جاء الرد على ذلك الطلب بترحيب الحلف بطلبات انضمام السويد وفنلندا إليه والذي يعد بمثابة توسع للناتو نكاية في روسيا.

باختصار، تركيا لديها مبررات حقيقية وملموسة، ولكن ردها الاستراتيجي على هذا تمثل في أن أظهرت أنقرة، للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) موقفها الفعلي في الحرب الأوكرانية.

وعلاوة على ذلك، فإن التصريحات الرسمية التركية التي تُحمل الغرب مسؤولية الحرب الروسية الأوكرانية واضحة للعيان. وقد صرحت تركيا مرارًا وتكرارًا أن المفاوضات التي أُجريت بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول تعطلت بسبب الولايات المتحدة وبريطانيا، في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات على وشك إرساء السلام بين الدولتين.

وتنتقد تركيا علانية السياسات الغربية في أوكرانيا. وجدير بالذكر، أن سبب قيام تركيا بدور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا ليس الحصول على هيبة دبلوماسية. فتركيا تعرف جيدًا علاقات السبب والنتيجة لحرب أوكرانيا، وتحاول منع النتائج السياسية والاقتصادية السلبية الناتجة عنها.

ولنتذكر مرة أخرى، أن الولايات المتحدة الأمريكية استقبلت طلبات انضمام هذين البلدين إلى عضوية حلف الناتو بدعم تام.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من الممكن لحلف الناتو والولايات المتحدة ألا يروا النقطة التي تم الوصول إليها الآن؟ حسنًا، بماذا تشعر واشنطن؟ لعلكم تلاحظون صمتها. هناك من يحاول ابتلاع (تمرير) ذلك الصمت.

لقد كانوا غير مبالين على الإطلاق بموقف تركيا من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو؛ لدرجة أنهم لم يلقوا بالا حتى للتصريحات الأولى لأنقرة وللرئيس أردوغان، والتي كانت مفادها: “نحن نتابع طلبات انضمام السويد وفنلندا إلى عضوية حلف الناتو، ولكننا لاننظر إليها بإيجابية”.

وبالطبع، استخدمت تركيا المقاييس الحساسة في عرض موقفها. وحاولت توقع الخطوات المضادة لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية، وقامت بتطبيق اتفاقية “مونترو” (الخاصة بتنظيم حركة المضائق) على كلا الجانبين، وطورت العملية السورية ليس فقط بسبب الظروف المواتية، ولكن أيضًا كـعنصر “داعم / معزز”. لقد فهم النصف الآخر من الحلف، الأجندات الخفية في العواصم الأوروبية، ووجهات النظر تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وشاهد أيضًا مثلث ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

وخلال اجتماع وزراء دفاع حلف الناتو، تم عقد العديد من الاجتماعات مع تركيا، تمهيدًا لقمة قادة الناتو المزمع عقدها نهاية الشهر الجاري. وقد التقى وزراء دفاع عشرات الدول بوزير الدفاع التركي خلوصي أكار. ومن أبرزها طاولة تركيا، وبريطانيا، وأوكرانيا. وعندما نتذكر تحالف الثلاثي بين بريطانيا، وبولندا، وأوكرانيا، الذي تأسس كتحالف صغير في الأسابيع الأولى من الحرب، يتم فهم قيمته بشكل أفضل وخاصة عندما يُعرف رغبة لندن القوية في استمرار الحرب، إلزام موسكو حدودها كذلك.

وبالمثل ، فإن جلسة الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وتركيا التي عقدت في العاصمة الألمانية “برلين” من الأهمية بمكان أيضًا في الترتيب. تمامًا مثل محادثات جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، مع إبراهيم كالين، كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمتحدث باسمه. ويمكننا القول إن العبء الأعظم لهذه المفاوضات هو ملف السويد وفنلندا وعضويتهما إلى حلف الناتو.

الآن، هناك “متحمسون” لتصريح الرئيس أردوغان بأنه “لن يتم إحراز تقدم في العملية دون رؤية خطوات ملموسة من كلا البلدين تلبي مطالب تركيا المشروعة، ودون تقديم التزامات مكتوبة تفضي إلى تحول نموذجي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتعاون في الصناعات الدفاعية”.

وهناك من يقول إن “الالتزام المكتوب” سيكون كافيًا / موثوقًا، وهناك أيضًا من يؤكد عكس ذلك. لدرجة أنه، هناك من يقول “فليقدم الناتو الضمان اللازم”. وفي النهاية، القرار يعود لأنقرة، ولكن هناك العديد من المدافعين عن فكرة أنه “بغض النظر عما يفعله البلدان، فإنه لا ينبغي منحهما عضوية الناتو، ولنرى على الأقل ما سيحدث في نوفمبر/ تشرين الثاني (انتخابات الكونغرس الأمريكي).

قد يتم الإعلان عن “منطقة حظر طيران” في غرب أوكرانيا!

وسط كل المساومات السياسية، تستمر الحرب في أوكرانيا. بالطبع، لا يوجد أثر لحالتها الأولى. ويقول المسؤولون الأمريكيون والأوكرانيون بالفعل؛ إن الساحة تحولت بالكامل لصالح روسيا.

ومع ذلك، إذا كانت نتيجة الحرب لصالح روسيا، فستكون دليلاً على عدم فعالية حلف الناتو. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتسامح مع هذا الأمر خاصة بعد أفغانستان. لأن ذلك قد يؤدي إلى ظهور وضع سيء للغاية قبيل الانتخابات الأمريكية. ولذا من الممكن أن يبحثوا عن دعم في قمة الناتو لفكرة ما يتم التهامس بها فيما بينهم.

إعلان “منطقة حظر طيران” في غرب أوكرانيا. نحن أفضل من يعرف ما يعنيه هذا. فأوكرانيا منقسمة، ودول مثل بولندا تستعد لهذا الوضع، وينتشر الوضع أيضا إلى مولدوفا، وألمانيا تبدأ في التكشير عن أنيابها.

توسياد: العضو الثامن في الطاولة السداسية

قالت جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسياد)، فيما يتعلق بانضمام السويد وفنلندا إلى عضوية حلف الناتو: “نأمل أن يتم تبديد مخاوف تركيا وتلبية مطالبها فيما يتعلق بطلبات انضمام السويد وفنلندا إلى عضوية حلف الناتو، من خلال المفاوضات، ومن خلال تطوير التفاهم المتبادل، بطريقة تتناسب مع روح التحالف.”

وهكذا، وجهت “توسياد”، رسالة مفادها: “لا تنفصلوا عن روح الناتو، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي”، وبذلك تكون قد أظهرت لمن بالدخل ولمن بالخارج موقفها من انضمام السويد وفنلندا إلى عضوية حلف الناتو.

يتساءل المرء، ماذا كان رأي “توسياد” عندما قبلت تركيا انضمام اليونان مرة أخرى إلى الناتو في عام 1980، ثقة منها بوعود الولايات المتحدة؟ هل من المحتمل أن يكونوا قد رحبوا بالفكرة وأيدوها؟

نيدرت إيرسانال بواسطة / نيدرت إيرسانال  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.