ملاحظات على زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا

في نيسان/ أبريل الماضي، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المملكة العربية السعودية، وذلك في أول زيارة له منذ العام 2017 حينما حاول أن يتجنّب حصول تصعيد أكبر في الأزمة الخليجية؛ إبان الحصار الذي فرضته المملكة بالتعاون مع ثلاث دول أخرى ضد قطر. زيارة أردوغان إلى المملكة مؤخرا جاءت بعد جهود حثيثة للتقارب بين البلدين، كانت قد انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2020. وبالرغم من الصدى الإيجابي الذي خلّفته هذه الزيارة حينها، وتدشينها عمليا المصالحة بشكل رسمي بين الدولتين، إلا أنّ تساؤلات عدّة أثيرت حول خلوّها من أي مؤتمر صحفي مشترك أو توقيع لاتفاقيات أو تفاهمات تتماشى مع الصفحة الجديدة التي يسعى البلدان إلى فتحها!

علاوة على ذلك، فقد أثيرت بعد الزيارة بعض المواضيع التي قُصِدَ منها إحداث جلبة وتشويش وعكست حالة من عدم النضج، من بينها إثارة سجال حول ما إذا كان أردوغان قد زار المملكة بناء على دعوة من المسؤولين في المملكة، أم إنّ الزيارة كانت قد تمّت بناء على طلبه؟ البعض قام كذلك بنشر صور رسمية التقطها الجانب السعودي للرئيس التركي مع ولي العهد في أثناء قيام أردوغان بالوقوف أو الجلوس، وفي وضعيات تُظهره وكأنه يخضع لابن سلمان.

هذه المعطيات، خلقت حالة من الشك حول مدى جدّية الجهود المبذولة للتوصل إلى مصالحة لا سيما من الجانب السعودي، وهو ما دفع بعض المراقبين أيضا إلى انتظار زيارة ولي العهد السعودي إلى أنقرة لتقييم وضع المصالحة، ومدى قدرة البلدين على تخطي المرحلة الماضية، وفتح صفحة جديدة تنسجم مع التحولات الإقليمية والدولية التي حصلت بُعيد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نهاية عام 2020، واتفاق العلا بداية عام 2021.
 

المعطيات خلقت حالة من الشك حول مدى جدّية الجهود المبذولة للتوصل إلى مصالحة لا سيما من الجانب السعودي، وهو ما دفع بعض المراقبين أيضا إلى انتظار زيارة ولي العهد السعودي إلى أنقرة لتقييم وضع المصالحة، ومدى قدرة البلدين على تخطي المرحلة الماضية، وفتح صفحة جديدة تنسجم مع التحولات الإقليمية والدولية

لقد كان من المفترض أن يزور ولي العهد السعودي تركيا في 25 من أيار/ مايو الماضي، إلا أنّ زيارته تأجلت حوالي أسبوع، قبل أن تعود وتتأجل مرّة أخرى حتى 22 حزيران/ يونيو، لأسباب تتعلق بصحّة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. كان من اللافت أيضا أن تشير التقارير الأوّلية التي نُشرت حينها إلى أنّ محمد بن سلمان سيزور كلا من اليونان وقبرص في جولة ستقوده إلى تركيا. إذا ما صحّت هذه المعلومات في حينه، فقد كانت ستزيد من الشكوك بشأن مدى جدّية المصالحة مع أنقرة، خاصّة في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتير بين اليونان وتركيا مؤخرا؛ بسبب الإجراءات الاستفزازية لأثينا في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط.

فجأة، تمّ استبدال اليونان وقبرص بكل من مصر والأردن، وقد كان ذلك مؤشرا إيجابيا؛ على اعتبار أنّه ما كان لأنقرة أن تقبل بمثل هذه الزيارة، لا سيما في هذا التوقيت بالتحديد. ومع وصول ولي العهد السعودي إلى أنقرة، تمّ استقباله والوفد المرافق له من قبل نائب رئيس الجمهورية في المطار، وجرى إعداد استقبال رسمي له في المجمّع الرئاسي حيث كان رئيس الجمهورية في انتظاره. الجو العام الذي رافق الزيارة كان إيجابيا في المجمل، أو على الأقل هذا ما حرص الجانب التركي على إظهاره، بما ينسجم مع جهود فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، ويسهّل تعزيز التعاون بينهما على المستوى السياسي والاقتصادي والدفاعي والاجتماعي.

كان لافتا أن يقوم الجانب التركي بمبادرتين للتعبير عن الجو الإيجابي الذي ساد هذه الزيارة؛ فخلال حفل العشاء الرسمي الذي أقيم على شرف الضيف والوافد المرافق له، قامت فرقة بعزف موسيقى بكلمات سعودية، وعند انتهاء الزيارة، قام الرئيس التركي -في بادرة نادرة- بمرافقة الضيف إلى المطار، إذ غالبا ما يقتصر هذا التقليد على مرافقة رئيس أذربيجان ورؤساء دول آسيا الوسطى التركية؛ للتعبير عن الأخوّة الكامنة في العلاقات الثنائية.

بالرغم من الملاحظات الإيجابية، إلا أنّ الزيارة لم تخلُ من بعض المؤشرات التي كانت ترسل رسائل في الاتجاه المعاكس، وبما لا ينسجم مع جهود المصالحة القائمة وفتح صفحة جديدة في العلاقات

وبالرغم من الملاحظات الإيجابية، إلا أنّ الزيارة لم تخلُ من بعض المؤشرات التي كانت ترسل رسائل في الاتجاه المعاكس، وبما لا ينسجم مع جهود المصالحة القائمة وفتح صفحة جديدة في العلاقات. على سبيل المثال، وعلى الرغم من مئات الصور الملتقطة خلال الزيارة، قامت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بالتقاط ونشر صورة غير مناسبة (كما حصل في المرة الأولى)، يظهر فيها أردوغان منحني الرأس في أثناء محاولته الوقوف بشكل مناسب لالتقاط الصورة، بينما ولي العهد السعودي يضحك. صحيفة العرب نيوز السعودية قامت بتصدير الصورة على صفحتها الأولى في العدد الخاص بالزيارة، كما استخدمها البعض في وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن بعيداً\ عن هذا الموضوع، فقد انتهت الزيارة بإصدار بيان مشترك مكتوب بدلا من القيام بمؤتمر صحفي مشترك. في تبرير لهذا الموقف، أشار البعض إلى أنّ ولي العهد السعودي ليس معتادا على إجراء مؤتمرات صحفية، أو أنّه يخشى أن يتم توجيه سؤال له عن اغتيال خاشقجي، لكن قيامه بهذا الاستثناء خلال هذه الزيارة، كان من الممكن أن يعكس شكلا أقوى وأكثر فعالية لهذه المصالحة، بدلا من الشكل الضعيف الذي بعكسه البيان المكتوب.

البيان المشترك المكتوب كان قد خضع للتعديل مرّة أخرى بعد ساعة من تعميم النسخة الأولى من البيان. وبعد مقارنة بين النسختين، تبيّن أنّ هناك عددا من الفوارق المهمّة المتعلقة بالاقتصاد والسياسة الخارجية والسياحة على وجه التحديد

اللافت للانتباه في هذا الصدد أيضا، أنّ البيان المشترك المكتوب كان قد خضع للتعديل مرّة أخرى بعد ساعة من تعميم النسخة الأولى من البيان. وبعد مقارنة بين النسختين، تبيّن أنّ هناك عددا من الفوارق المهمّة المتعلقة بالاقتصاد والسياسة الخارجية والسياحة على وجه التحديد، لكن سنكتفي بالإشارة إلى ثلاثة فوارق مهمة فيما يتعلق بالفقرات التي تمّ شطبها دون تلك التي تمّت إضافتها.

إذ اختفت في النسخة الثانية التي تمّ اعتمادها من البيان؛ فقرة كانت موجودة في النسخة الأولى وتشير إلى البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الوزاري الخامس لمجلس التعاون الخليجي- التركي في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، التي يتم التأكيد فيها أهمّية مفاوضات التوصل لاتفاقية التجارة الحرّة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، علما أنّ هذا الهدف هو هدف استراتيجي بامتياز بالنسبة إلى أنقرة. فضلا عن ذلك، فقد تمّ شطب عبارة كانت تشير إلى زيادة عدد الرحلات الجوّية بين البلدين، في المقطع المتعلق بتعزيز التعاون السياحي. وخلا البيان في نسخته الثانية التي تمّ اعتمادها من أسماء وزراء خارجيتي البلدين وتوقيعهما، وهو الأمر الذي يثير علامات استفهام حول ما إذا كان الهدف من ذلك تملّص الجانب السعودي من أي التزامات قد لا تناسبه مستقبلا.

على كل حال، وبغض النظر عمّا ذكره البيان، فإنّ الأعمال لا الأقوال، والبيانات هي من سيحدد طبيعة العلاقة بين تركيا والسعودية خلال المرحلة المقبلة، وإذا ما كان البلدان قد فتحا صفحة جديدة بالفعل أم لا.

ملاحظات على زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا بواسطة / على باكير 
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركيا الآن”
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.