الرجل الرمادي نسخة متواضعة من أفلام جيمس بوند

بدأ عرض فيلم “الرجل الرمادي” (The Gray Man) في يوليو/تموز في دور العرض السينمائية بالتوازي مع منصة نتفليكس، كأحدث أفلام الأخوين “روسو”، اللذين اشتهرا بأفلام مارفل، وكذلك في تعاون جديد لهما مع المنصة بعد فيلم “إكستراكشن” (Extraction)، الذي أصبح الفيلم الأكثر مشاهدة في تاريخ نتفليكس، مع تقارير بأنه حصل على 99 مليون مشاهدة في الأسابيع الأربعة الأولى من عرضه.

الفيلم مقتبس عن سلسلة روايات بالاسم ذاته، وبطولة ريان جوسلينج، وكريس إيفانز وآنا دي ارماس، ويعتبر العمل الأول في سلسلة أفلام ينوي الأخوان تقديمها في السنوات المقبلة مأخوذة من هذه الروايات، وتعدت ميزانية الفيلم 200 مليون دولار ليصبح أغلى أفلام نتفليكس.

عودة أفلام التسعينيات

يبدأ فيلم “الرجل الرمادي” (The Gray Man) بذكريات “فلاش باك” نتعرف من خلالها على البطل “سيرا سيكس/ ريان جوسلينج” في السجن بعد جريمة قتل ارتكبها، وهناك يجنده أحد عملاء المخابرات الأميركية ضمن فريق من المجرمين يستخدم في القيام بعمليات عنيفة، مقابل بقائهم أحرارا خارج السجون.

تقفز الأحداث إلى المستقبل، عبر مهمة يقوم بها سيرا سيكس يكتشف خلالها أنه يقتل زميله في نفس الفريق، والذي يمرر له قبل وفاته وحدة ذاكرة (فلاش ميموري) تحتوي على أسرار لرؤسائه تؤكد ارتكابهم جرائم حقيقية مستخدمين الفريق، الأمر الذي يجعل البطل شخصيا مستهدفا، ويطارده عميل يدعى “لويد/ كريس إيفانز” مستخدمًا كل الوسائل للوصول إليه.

وتبدو قصة الفيلم مكررة، لأن هذه الحبكة حول العميل الحكومي الذي يكتشف خيانة وسقوط رؤسائه ويضطر للهرب منهم ثم توصيل الوثائق للعدالة ظهرت في عدد كبير من الأفلام، بداية من بعض أفلام جيمس بوند، وحتى سلسلة أفلام “هوية بورن” (The Bourne Identity) وفيلم “سالت” (Salt) لأنجلينا جولي وأفلام أرنولد شوازينغر القديمة.

تلك واحدة من أهم أزمات فيلم “الرجل الرمادي”، إنه يشبه عشرات الأفلام الأميركية السابقة، والفارق الوحيد هنا هو تغيير الأبطال، وكذلك البذخ في تصوير مشاهد الأكشن والانفجارات التي تبهر الكثير من المتفرجين، وبالفعل نجحت في ذلك، ما جعل الفيلم يتصدر المشاهدة على نتفليكس لمدة طويلة نسبيا وهي 8 أيام، ربما لن يغلب في عدد المشاهدات فيلم “Extraction” لكنه بالتأكيد منافس، بعدد 43.55 مليون مشاهدة حتى الآن، ليصبح الخامس في ترتيب الأعلى على نتفليكس.

فيلم “الرجل الرمادي” يبدو لأول وهلة فيلما كبيرا، مليئا بالإثارة والمشاهد المصورة بأفضل التقنيات، ولكنه في الحقيقة ليس سوى محاكاة فاترة لأفلام “أكشن” التسعينيات التي تنتقل فيها الأحداث من قارة لقارة.

وبدا الفيلم أشبه بأعمال المخرج “مايكل باي”، التي تمتلئ بمشاهد الحركة السريعة حتى يفقد المشاهد قدرته على التركيز ومتابعة أبطاله الذين يقفزون في كل مشهد من سيارة تجري إلى مبنى مشتعل.

الرجل غير الرمادي

يسمى أي رجل من هذا الفريق الذي كوّنته المخابرات الأميركية “الرجل الرمادي”، أي القادر على الاختفاء بهدوء بين أي جمع، والقادر على التح11رك في جميع أنحاء العالم دون أن يلاحظه أحد، لكن هذه المزية لم توجد في فيلم الأخوين روسو، فبطل فيلمهما شديد الوسامة، لافت للنظر، يجذب الانتباه بالفوضى التي يثيرها أينما حل، فبدا عنوان الفيلم غير مفهوم في سياقه.

ولم يكن هذا التغيير الوحيد الذي قام به الأخوان روسو في الفيلم عن الرواية، وقد أعلنا مسبقًا أنه ليس اقتباسًا حرفيًّا لها، بل ينتقل بمرونة بين عدد من روايات السلسلة، ويضيف إليها كذلك.

وعلى الرغم من شهرة أنطوني وجو روسو بالأفلام التي تمتلئ بالأبطال الخارقين، والحركة المتصلة، فإن أيا من أفلامهما السابقة لم تكن بهذه الفوضى، سواء السمعية أو البصرية، التي جعلت الفيلم في الكثير من الأحيان يبدو كما لو أنه لعبة فيديو مقتبسة عن الروايات، وليس فيلمًا سينمائيًّا.

ويبدو أن نتفليكس تميل إلى النجاح أكثر كلما مكنت الأشخاص من ابتكار أعمالهم الخاصة التي لا تقبل الأستوديوهات الأخرى تمويلها، مثل فيلم مارتن سكورسيزي “الأيرلندي” (The Irishman) لكن كلما طمحت في مضاهاة أفلام هوليود السينمائية عالية التكلفة يخرج الأمر عن السيطرة بأعمال مرتبكة للغاية بلا روح.

فيلم “الرجل الرمادي” بدا أنه نسخة حديثة لعدة أفلام أخرى باستخدام ممثلين أصحاب شعبية كبيرة، مع إنتاج عالي الميزانية من أجل خلق سلسلة جديدة من أفلام الأكشن على نفس وتيرة “جيمس بوند” أو “هوية بورن”، ولكن في الحقيقة هذه الأعمال نجحت لأصالتها، وليس لأنها مقتبسة عن روايات شهيرة، أو لتكرار الهوية البصرية لأعمال أخرى.

مع التغييرات التي تجريها نتفليكس في الوقت الحالي لتقليل الخسارات المادية التي مُنيت بها، واضطرارها لتسريح عدد من الموظفين بها، فمشروع جزء ثان من فيلم “الرجل الرمادي” مع هذه الميزانية الكبيرة لن يكون قريبًا بالتأكيد، خاصة أن الفيلم لم يحصل سوى على معدل 46% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) المتخصص في تقييم المسلسلات وفي أخبارها، الأمر الذي قد يقلق أبطاله للعودة مرة أخرى لفيلم لم يحز على اهتمام أو إعجاب النقاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.