ألا تستطيعون التصريح بمن يحرض اليونان على تسليح الجزر؟

 

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد حذر في كلمة ألقاها، بتاريخ 9 يونيو/حزيران الماضي، اليونان وطالبها بالابتعاد عن “التصرفات والأحلام التي ستؤول إلى الندم”، داعيًا إياها إلى التخلي عن تسليح الجزر غير العسكرية في بحر إيجة، والتصرف وفق الاتفاقيات الدولية.

كما حذر الرئيس الروسي بوتين، في 21 سبتمبر/أيلول قائلا: “إذا تعرضت وحدة أراضي بلادنا للتهديد، فسنستخدم جميع الوسائل المتاحة لنا. هذه ليست خدعة. أكرر أن سلامة وطننا واستقلاله وحريته سيتم الدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة لنا. وينبغي على أولئك الذين يبتزوننا بالأسلحة النووية أن يعلموا جيدًا أن الأمر من الممكن أن ينقلب ضدهم.”

وبمجرد النظر إلى هذه التشابهات البسيطة، يمكنكم فهم الخط الأمامي الذي تستهدفه ألكساندروبولي.

وقد أثار خطاب بوتين الذي قال فيه: “أنا لا أخادع” ضجة كبيرة لدى الغرب، ولفت العديد من المسؤولين الدوليين إلى ضرورة “التعامل مع الأمر بجدية”؛ حيث أعلن بوتين التعبئة العسكرية الجزئية لجيش بلاده، وضم المناطق الأوكرانية عن طريق الاستفتاء إلى روسيا.

كما أشار خطابه إلى ما يجب فعله من قبل الذين يشعرون بوجود الخداع، وهو مهاجمة الأراضي التي سيتم ضمها إلى الوطن. (وقد أشرنا إلى ذلك في مقالنا المنشور بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول الجاري، في صحيفة يني شفق.)

والأمر الذي لم نتطرق إليه بالحديث هو أن غرض موسكو الحقيقي من سلسلة الخداعات، والتهديدات النووية، والتعبئة العسكرية الجزئية، والاستفتاء وضم المناطق الأوكرانية، هو القضاء على “الحرب بالوكالة”.

فالحرب النووية ليس لها وكيل. فهي تضرب بنفسها، وهدفها هو الموكل. وأينما تصوب فالهدف سيكون الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا كانت كييف هي وكيل واشنطن، فمن الذي يكلف أثينا، التي تعمل لصالح آخرين، بالمهام التي تنفذها؟

هذا ليس سؤالا سريًا. نحن نعلم أن أمريكا هي من تقف وراء اليونان، وليس من الممكن لأثينا أن تتخذ هذه الخطوات بمفردها.

تُظهر اللقطات التي التقطتها طائراتنا المسيَّرة في بحر إيجه في 18 و 21 سبتمبر/أيلول أن سفينة الإنزال اليونانية أرسلت مركبات مدرعة إلى جزيرتي ميدلي “لسبوس”، وسيسام “ساموس” منزوعة السلاح في بحر إيجة. وما حدث هو أن وزير الدفاع اليوناني أشار مؤخرًا، إلى الشواطئ التركية في جزيرة ميس، قائلا: “ما رأيكم؟ هل تودون أن أقفز في البحر وأسبح إلى الجهة المقابلة لمسافة ميلين فقط. لنرى ماذا سيحدث”. ليرد عليه نظيره التركي قائلا: “أحسنت! حين ننظر إلى تحركاتك في الآونة الأخيرة، نعتقد أنك نسيت السباحة؛ لذا سيكون الأمر مفيدًا لك.”

نحن نفهم أن أثينا لم تهتم بتصريح أنقرة الذي كان مفاده: “نحن لا نمزح”. مع الأسف، بغض النظر عن مدى قسوة موقف تركيا وجديته، فإن المقصود من تصريحاتها هو أثينا فقط. بيد أن الولايات المتحدة أيضًا يجب أن تكون مقصودة هي الأخرى؛ إذ إن استخدام المثل القائل: “إياك أعني واسمعي يا جارة” لن يكون في محله هنا.

وإلى أي مدى يمكن أن يكون الوضع أكثر وضوحًا؛ فمن الواضح للعيان أن المدرعات التي تم إرسالها إلى الجزيرتين كانت تلك التي تراكمت في ميناء دده أغاج (أليكساندروبولي) وتبرعت بها الولايات المتحدة الأمريكية لليونان. فالنمط الأمريكي لا يتغير، حيث إن الولايات المتحدة تفعل مع اليونان ما تفعله مع تنظيم “بي كي كي” الإرهابي.

ألا نستطيع التصريح بذلك؟ من الذي حرض اليونان على تسليح الجزر؟ ويتواصل صمت واشنطن إزاء هذه الأزمة التي تتطور بين عضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بدءًا من التحرش بطائراتنا الحربية ومطاردة قوارب الصيد من قبل زوارق خفر السواحل اليونانية حتى قرب حدودنا، وانتهاءً بإرسال المدرعات إلى الجزر، و تكديس السلاح فيها. لعلكم تفهمون الوضع الآن.

وكما رأينا في أزمة كارداك، هل نحن واثقون كما كنا في السابق من أن الولايات المتحدة ستتدخل لمنع نشوب صراع أو اندلاع حرب محتملة؟ هل نحن على يقين من أنها لن تمضي قدمًا وتنحاز إلى جانب اليونان؟ وقد أعلن الاتحاد الأوروبي بالفعل أنه سينحاز إلى أثينا. الوضع هو نفسه في سوريا وفي تنظيم “واي بي جي/ بي كي كي” الإرهابي. فالمشكلة هي الولايات المتحدة مجددًا. ولا بد من تعلم الدرس هنا، لماذا نقول هذه النتائج التي يعرفها الجميع؟ ببساطة، لتوضيح الأمر.

أعتقد أن الأمر بات واضحًا .

لكن البعض يتساءل ماذا عسانا أن نفعل؟

أولاً، من الواضح أنه ثمة محاولات لجر الوضع إلى حالة صراع. ولكن يبقى السؤال من الذي سيحدد الظروف (الزمان والمكان)؟

ثانياً، الرد الدبلوماسي التركي هذه المرة سيشمل الولايات المتحدة الأمريكية واليونان، وسيكون مفاده: “أنت من يقومبتحريض اليونان”. وسيكون تقديم مذكرة الاحتجاج إلى أثينا وحدها هو مجرد إجراء. ولكن هل هذا كاف؟

ثالثًا، من المفيد أيضًا تقديم لقطات الطائرات المسيَّرة التركية الآن. ولن يكون مفاجئًا إذا كان لدى تركيا المزيد من اللقطات الاستخباراتية المماثلة.

رابعًا، هل إدراج الولايات المتحدة الأمريكية في مذكرة الاحتجاج يحمل أيضًا رسالة حول وجهة نظر القوات المسلحة التركية حول الوجود الأمريكي في اليونان في حالة الحرب؟ وكذلك في سوريا وتركيا؟ هذا ما يعني إزالة الوكيل من الساحة.

خامسًا، هناك أقسام تحتاج إلى النظر بشكل منفصل في البيانات التي أدلى بها رئيس الجمهورية بعد مجلس الوزراء المنعقد يوم الاثنين الماضي. أولها، يُظهر أن المسافة بين تركيا والولايات المتحدة على حالها، رغم أن المقصود هو اليونان؛ فلا حرية ولا تنمية ولا موقف مشرف بالاختباء تحت عباءة الآخرين.

ولا شك أن التعزيزات العسكرية الأجنبية في جميع أنحاء اليونان لا تزعجنا نحن فحسب، بل تزعج الشعب اليوناني بالأساس. وبصفتنا تركيا، فقد شاهدنا هذا الفيلم في الماضي، واستوعبناه جيدًا، وطوينا صفحة الماضي، ورسمنا مسارًا جديدًا لأنفسنا. فأين الولايات المتحدة من المسار الجديد الذي رسمته تركيا لنفسها؟

سادسًا، ما “الفخ” الذي تحدث عنه الرئيس أردوغان في نفس الخطاب؟ جزء من هذا الفخ يندرج ضمن العناوين “التقنية” التي أوردها في الفقرة الأولى من خطابه، والجزء الآخر يتمثل في في المرحلة الزمنية العصيبة التي تمر بها تركيا … وهناك نوعان من وجهات النظر حول مكان وقوع الأزمات المحتملة؛ الأولى، تتمثل في إدارة هذه الفترة بأقل ضرر من حيث الهجمات الخارجية حتى إجراء الانتخابات. أما الثانية، فتخشى من أن الخصوم سيلعبون هذه المرة أيضًا؛ ولذا ينبغي سحقهم قبل أن يكبروا.

تركيا بحاجة إلى ضبط خططها بإحكام. فبالصبر والحكمة ستربح الانتخابات والحرب أيضًا.

نيدرت إيرسانال بواسطة / نيدرت إيرسانالتركيا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.