الأمل الفعّال لا يعني الاكتفاء بفكرة أن “غدًا سيكون أفضل”، بل يرتكز على إيمان أعمق: “أنا قادر على جعل غدي أفضل”. إنه إيمان مبني على الجهد، وليس على الظروف. الأمل هنا ليس حالة شعورية طارئة، بل هو سلوك وموقف عقلي ينبع من الداخل.
الأمل… طيف واسع من المعاني
يُنظر إلى الأمل أحيانًا على أنه طاقة داخلية، شجاعة روحية، دافع للعمل، أو حتى سبب للتشبث بالحياة. وقد يُصبح في بعض الأوقات سيفًا ذا حدين: فهو قادر على إضاءة الطريق كما يمكنه أيضًا إطالة العذاب حين يعلّقنا بوهم بعيد المنال. فحضوره لا يخلو من الألم، وغيابه يخلّف جرحًا.
من فلسفة إلى علم: الأمل تحت المجهر
مع تطور علم النفس الإيجابي، تحول الأمل من مفهوم فلسفي إلى محور علمي للدراسة والبحث. أظهرت آلاف الدراسات أن الأمل يُعزز الصحة النفسية والجسدية، ويرفع من مستويات السعادة والمرونة، ويقلل من القلق والاكتئاب، بل ويُقلّص خطر الانتحار.
في السياق العملي، يرتبط الأمل بتحقيق النجاح الأكاديمي وزيادة الإنتاجية والإبداع، بينما تظهر الدراسات أن الأشخاص المتفائلين يتمتعون بعمر أطول وجهاز مناعي أقوى.
الأمل مُعدٍ ومشترك
من اللافت أن الأمل ليس تجربة فردية فحسب، بل هو شعور يُعدي من حولنا. فوجود شخص متفائل – سواءً كان والدًا أو معلمًا أو صديقًا – يضفي على محيطه طاقة إيجابية تُحسن من جودة الحياة. في المقابل، اليأس يُفقد الإنسان دوافعه، ويُطفئ بهجة الحياة ويُقيده في دوامة من العجز والاستسلام.
الأمل مهارة يمكن اكتسابها
بحسب الباحث ريـك سنايدر، الأمل لا يُولد مع الإنسان فحسب، بل يمكن تعلمه وتعليمه. ويعني الأمل هنا: وضع هدف واضح، معرفة المسارات الممكنة لتحقيقه، والتحفيز على الاستمرار رغم التحديات.
أما ريك ميلر، فيصف الأمل بأنه “القدرة على استشراف المستقبل، ثم العودة إلى الحاضر والاستعداد للرحلة”، بينما يرى تشان هيلمان أن جوهر الأمل هو الإيمان بأن “مستقبلي سيكون أفضل، وأنا قادر على تحقيقه”.
كيف يفكر الأشخاص المتفائلون؟
بحسب علم النفس الإيجابي، يتميز الأشخاص المتفائلون بقدرتهم على تصور مستقبل أفضل، والإيمان بقدرتهم على بلوغه. هم يدركون أن الطريق ليس سهلًا، لكنهم يُحسنون التعامل مع العوائق، ويُغيرون المسار حين يتطلب الأمر، ويُقسمون المهام الكبيرة إلى خطوات قابلة للتحقيق. يقول الباحث شين لوبيز: المتفائلون يرون “طريقًا” حيث لا يرى الآخرون سوى جدران.
الأمل غير الواقعي… الوجه المظلم
رغم فوائده، قد يتحول الأمل إلى عبء إذا اتخذ شكلًا غير واقعي. يصف مارك مانسون هذا النوع من الأمل بأنه كالحب أو الثقة الزائفة، يؤجل السعادة ويمنعنا من عيش الحاضر. ويُحذر ريـك سنايدر من الأمل القائم على أهداف غير قابلة للتحقيق واستراتيجيات ضعيفة، معتبرًا أن ذلك يُشكل “أملًا سامًا” يُفضي إلى خيبة أكبر.
الأمل فن التوازن بين الطموح والواقعية
الأمل ليس دواءً لكل شيء، لكنه طاقة إنسانية لا غنى عنها، تُضيء عتمة الحياة وتدفعنا إلى المضي قدمًا. وفي نهاية المقال، نختم بكلمات الشاعر إلهان بيرك:
“سوف تموت تحت هذا الحمل”، قلتُ للبوّاب.
فأجاب: “الموت سهل، أخبرني عن الأمل…
إذا كان هناك أمل، فاضرب العالم على ظهري.”
كاتب المقال: البروفيسور الدكتور تايفون دوان، نائب عميد كلية علوم الإنسان والاجتماع – جامعة أُسكُدار.
ترجمة وتحرير تركيا الآن