مقالات رأي

موسم الهجوم على تركيا وما وراءه

لا حاجة لكثير من المتابعة كي يدرك المرء أن تركيا صارت متقدمة على إيران في أجندة الثورة المضادة العربية، بحيث يتفوق الهجوم عليها ذلك الهجوم المماثل على إيران.

من يتابع إعلام الثورة المضادة العربية؛ بجانب جملة المواقف السياسية، سيلاحظ ذلك بكل تأكيد. وحين يصل الأمر حدم تقديم الدعم السياسي والمالي للمليشيات الكردية التي تشتبك مع تركيا في سوريا، فإن الموقف يغدو أكثر وضوحا، بجانب الهجوم الإعلامي اليومي، والذي وصل حد إنتاج مسلسل يهاجم التراث العثماني. ولا تسأل بعد ذلك عن الصراع الراهن على قضية التنقيب على النفط والغاز، ولا نريد أن نضيف إلى ذلك بالطبع ما خفي من تآمر عبر تحريض القوى الكبرى، وفي مقدمتها أمريكا، وقبلها اللوبيات الصهيونية.

وإذا جئنا نفتش عن أسباب الهجمة التي نتحدث عنها، فسيخرج عليك من يرفعون راية العروبة في مواجهة العثمانية. واللافت أن يلتقي على هذا الشعار كل من فريق التشبيح الإيراني، بما في ذلك المنحازين إليه من يساريين وقوميين، إلى جانب فريق الثورة المضادة.

 

هجمة الثورة المضادة لها حسابات أخرى لا تتصل بكل تأكيد بالخوف من احتلال تركي

والحال أن حكاية العثمانية هذه تبدو بلا قيمة من الناحية العملية، ذلك أن استعادة الزمن القديم في ظل تعقيدات الواقع الراهن تبدو أكثر من مستبعدة، حتى لو أظهر خطاب أردوغان شكلا من أشكال الحنين للزمن العثماني، فمن يقاتل من أجل تماسك بلده، ويحارب من يهددون بالانفصال عنه، لا يمكن أن يذهب بعيدا نحو فكرة الخلافة، كما أن الظروف الموضوعية الراهنة إقليميا ودوليا لا تسمح بذلك.

الخلاصة أن من يرفعون شعار العثمانية كتبرير للحرب على تركيا، لا يمكن أن يكونوا مقتنعين بأن أردوغان يفكر في احتلال بلادهم، لكنهم يتخذون منه هذا الموقف بناءً على معطيات أخرى.

فالشبيحة إياهم أخذوا منه هذا الموقف بسبب سوريا على وجه التحديد، بجانب انحيازه للإسلاميين وللربيع العربي الذي صار عندهم مؤامرة صهيونية أمريكية حين وصل سوريا، فيما يأتي تواطؤ إيران مع الهجوم إياه لأن تركيا هي المنافس الإقليمي الأكبر (سوريا نقطة اشتباك بالطبع)، حتى لو اضطر الطرفان إلى تعاون اقتصادي، ولا تسأل بعد ذلك عن تراث الصراع الصفوي العثماني الذي يحضر على نحو من الأنحاء.

على أن هجمة الثورة المضادة لها حسابات أخرى لا تتصل بكل تأكيد بالخوف من احتلال تركي، ولا من خلافة عثمانية زاحفة، بقدر صلتها بالخوف من الإسلاميين الذين يدعمهم أردوغان، ويمنحهم فرصة التعبير عن أنفسهم عبر منابر تبث من تركيا. ولكن السؤال: هل يتعلق الأمر بالأيديولوجيا؟

حدث قدرا أن الربيع العربي قد جاء وسط صعود للصحوة الإسلامية، لكن ما يجب أن لا ينساه المعنيون هو أن صراعا سابقا قد خاضه أركان الثورة المضادة العربية مع المد اليساري والقومي، وتم استخدام الإسلاميين في ذلك الصراع مطلع الثمانينيات قبل أن يتحوّلوا همْ إلى قوة المعارضة الرئيسية بعد حرب الخليج الثانية، وليتم الانقلاب عليهم من جديد، وإن لم يكن بالحدة الراهنة.

 

لم تعد الشعوب تثور من أجل الأيديولوجيا، بل من أجل الحرية والتحرر والعدالة

هذا البعد يذكّرنا بجواب السؤال أعلاه، ممثلا في أن هنا أنظمة لا تحارب أو تتخذ المواقف من منظور أيديولوجي، بل من منظور يتعلق بسيطرة نخبها على السلطة والثروة. ولو كان غير الإسلاميين هم من يطالبون بتغيير ذلك، لما تغير الموقف منهم قيد أنملة، ولتمت شيطنتهم بأدوات مختلفة، وعبر حلفاء من نوع أخر، كما حدث في السياق الآنف الذكر مع اليساريين والقوميين.

هناك كان الحديث عن الكفر والإيمان، وهنا يتم الأمر من خلال شيطنة العثمانية، والإخوانية، والاستعانة بأصوات تشيطن تاريخ هذا وذاك، وواقعه الراهن أيضا.

هي إذن معركة واحدة دائما. معركة ضد أشواق الشعوب في الحرية والتحرر والاستقلال والكرامة، وأيا ما كان اللون الأيديولوجي الذي يتصدرها، فإن اللعبة لم تتغير، ولكن تتغير الأدوات والأعوان ولون الخطاب لا أكثر.

والنتيجة أنها معركة فاشلة، ذلك أن الشعوب لم تعد تثور من أجل الأيديولوجيا، بل من أجل الحرية والتحرر والعدالة، وهي لن تقبل أبدا باستمرار التعامل مع دولها كمزارع يملكها ولاة الأمر ويتصرفون فيها كما يشاؤون، ومن ينحاز إلى مطالبها ستنحاز إليه، ومن وقف ضدها، ستثور عليه، أيا ما كان الشعار الذي يرفعه.

.

بواسطة/ ياسر الزعاترة

عرض التعليقات

  • تركيا أخطر من إسرائيل لأنها تلبس ثوب الصديق وهى اكبر عدو للعرب والمسلمين

أحدث الأخبار

أنقرة: على المجتمع الدولي التحرك بحزم ضد عدوان إسرائيل بالمنطقة

قالت وزارة الدفاع التركية، الخميس، إنه يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات حازمة ضد ممارسات…

04/12/2025

270.6 مليار دولار.. صادرات تركيا السنوية تسجل رقما قياسيا

أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط تسجيل صادرات البلاد من السلع في آخر 12 شهرًا…

04/12/2025

مسؤول تركي يحذر: أزمة المياه تهدد بحروب وهجرات كبرى وأزمات عالمية

حذّر نائب وزير الزراعة والغابات التركي، أبو بكر غيزلي غيدر، الاثنين، من احتمال اندلاع أزمات…

02/12/2025

رقصة الماء والغاز في قلب تركيا.. فوارة باردة تخطف الأنظار

تتحول منطقة "أولو كيشلا" في ولاية أقسراي، وسط تركيا إلى محطة لافتة لعشّاق الطبيعة وهواة…

01/12/2025

الاقتصاد التركي ينمو 3.7 بالمئة في الربع الثالث

حقق الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 3.7 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام…

01/12/2025

إعلام عالمي يسلط الضوء على نجاح المسيرة “قزل ألما” في إصابة هدف جوي

سلطت وسائل إعلام عالمية على نجاح المسيرة "بيرقدار قزل ألما" التركية في إصابة هدف جوي.…

01/12/2025