لماذا ضحايا كورونا من العرب أقل من أوروبا؟ كفاءة أم تضليل حكومي؟!

 

رغم وجود مرض كورونا في الدول العربية كافة تقريباً، فإن انتشار كورونا لدى العرب أقل كثيراً من الحال عند جيرانهم الأوروبيين الأكثر تقدماً، الأمر الذي يثير تساؤلاً حول السر وراء ذلك.

فهل الوجود الأقل لمرض كورونا في الدول العربية سببه أخطاء ارتكبها الأوروبيون أم الطقس أم أن هناك إجراءات أكثر صرامة اتخذتها الدول العربية مقارنة بالأوروبيين، أم هناك أسباب تتعلق بالخصائص الدينية للشعوب العربية أم لأسباب دينية.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية فإن خانة أعداد المصابين تنتقل في الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي يفترض أنها تمتلك أفضل نظم صحية في العالم من الآلاف إلى عشرات الآلاف.

بينما معظم الدول العربية مازالت لم تتخط بعد خانة الألف حالة، رغم أن بدء انتشار المرض في الدول العربية جاء في وقت مقارب للدول الأوروبية، ورغم القرب الجغرافي، والاتصال الوثيق بين الجانبين خاصة أن كثيراً من الدول العربية لاسيما مصر ودول المغرب العربي تمتلك جاليات كبيرة في أوروبا، كما أن دول المشرق العربي ولاسيما التي تضم أقليات شيعية كبيرة كانت معرضة للمرض بشكل كبير جراء عودة السياح الدينيين من إيران إلى بلادهم.
فلماذا يبدو مرض كورونا في الدول العربية أقل انتشاراً بشكل لافت من الدول الأوروبية، رغم أن الأنظمة الصحية في الدول العربية يفترض أنها أقل كثيراً من نظيراتها الأوروبية والأمريكية.

هل الأرقام في الدول العربية حقيقية؟

قبل أن نسأل أنفسنا لماذا يبدو انتشار مرض كورونا في الدول العربية أقل من الدول الأوروبية، فإن هناك سؤالاً آخر، هل الأرقام بشأن انتشار المرض في الدول العربية صحيحة؟.

تزداد أهمية هذا السؤال في العالم العربي تحديداً أكثر من أي مكان آخر، في ظل أمر يؤمن به الكثيرون من سكان المنطقة والمراقبون بأن العالم العربي، ولاسيما الدول الأكثر استبدادية فيه، يعاني من نقص هائل في الشفافية في كل الأمور، وازداد هذا التوجه بعد الربيع العربي، حيث تراجعت الفسحة القليلة من الحرية التي بدأت قبل الربيع العربي في أغلب الدول العربية اللهم باستثناء دول المغرب العربي التي تحسنت فيها مساحة الحرية في تونس باستمرار الديمقراطية، بينما تأرجحت في الجزائر مع التغير الداخلي في النظام، وفي المغرب في ظل ديمقراطية محددة الأطر تحت الرقابة الملكية أم الملكيتين شبه الدستوريتين في المشرق الأردن والكويت، فرغم أنها مازال أكثر حرية من أغلب جيرانهما إلا أنهما أيضاً نالهما نصيب من تراجع الحريات.

ويبدو أن الحكومات العربية تعلم أن شعوبها تميل لعدم تصديقها، ولذا فإنها تؤكد على التزامها على الشفافية، وتتوسل دوماً إلى منظمة الصحة العالمية، مثلما فعلت وزارة الصحة المصرية التي أكدت على لسان وزيرتها ومتحدثها الرسمي بأنها لا تستطيع الكذب في ظل رقابة منظمة الصحة الدولية.

وحتى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عندما خرج ليتحدث عن أزمة كورونا، أكد التزام حكومته الشفافية رغم التكذيب الذي تتعرض له.

ولكن هذا لم يمنع بعض الحكومات العربية من اللجوء للقبضة الأمنية لمن يروج الأمنية لمعاقبة من يروج الشائعات حول كورونا مع ملاحظة أنها هي التي تحدد الفرق بين المعلومة والرأي والشائعة المغرضة.

ولكن بالإضافة إلى شهرة الحكام العرب بالكذب، فإن هناك أمراً آخر يتعلق بالخدمات الصحية في المنطقة يجعل الأرقام المعلنة محاطة الشك.

هل أجرى العرب الأعداد الكافية من الاختبارات؟

فالعامل الرئيسي لاكتشاف الحالات المصابة بالكورونا، هو عمليات الاختبار الواسعة للسكان، وهو أمر لا يتوفر للعديد من الدول العربية الفقيرة.

وقد يفسر هذا على مستوى العالم أن أعداد المصابين المعلن عنها هي بالأساس في دولة متقدمة، بينما تفاخر الدول النامية بقلة المصابين قد يكون بسبب ضعف قدراتها على اكتشاف المرض.

وحثت منظمة الصحة العالمية الدول على اختبار جميع حالات اشتباه الإصابة بالفيروس وليس الأشخاص الذين لديهم تاريخ سفر أو اتصال بالمصابين فقط .

وفي العالم العربي يظهر نموذجان مختلفان، تماماً فيما يتعلق بالاختبارات.

إذ تعتبر دول الخليج العربية من أعلى دول العالم في نسبة الاختبارات لعدد السكان، بينما الدول العربية الأخرى تتراوح بين نسب أقل من متوسطة إلى متدنية.

وتشير بيانات جمعها برنامج Our World in Data وحدثها في

17 مارس/آذار 2020، أن الدول السبع الأعلى مرتبة في عدد الاختبارات هي

مقاطعة قوانغدونغ الصينية (320،000)

كوريا الجنوبية (286،716)

إيطاليا (148،657)

الإمارات العربية المتحدة (125،000)

الكويت (120،000)

روسيا (116،061)

المملكة المتحدة (50،442)

ونلاحظ أن الإمارات والكويت من أعلى الدول في العالم رغم أن عدد سكانهما ضئيل مقارنة بالدول الأخرى المشاركة في القائمة.

وبصفة عامة فإن دول الخليج العربية تظهر معدلاً مرتفعاً للغاية من حيث نسبة الاختبارات لعدد السكان.

وهناك مؤشرات قوية بأن الدول التي تجري اختبارات أكثر يظهر لديها إصابات أكبر.

قد يمثل هذا نذير شؤم للعديد من الدول العربية غير الخليجية، بأن المرض قد يكون منتشراً ولكن لم يتم رصده.

غير أن الاحتمال الأرجح أن الأمر ليس بهذه الفجاجة.

فكورونا لا يمكن أن يختفي كثيراً، إذ يظهر بسرعة (خلال أسبوعين) من خلال تدفق المرضى على المستشفيات وزيادة حالات الوفيات.

ولم يحدث هذا في الدول العربية حتى الآن بما فيها الدول التي لم تجر نسبة اختبارات كبيرة، وقد يكون هذا مؤشراً على أن المرض لم ينتشر، ولكن قد يعني أنه انتشر منذ فترة قصيرة ولم يكتشف بعد.

وفي الأغلب قد يعني ذلك حالة وسط بين الحالتين، فقد لا يكون تفشياً كبيراً كإيطاليا، ولكنه انتشار أوسع على الأقل من الأرقام الرسمية، التي قد تكون لا تكذب ولكنها تفصح عما تكشفه الاختبارات المحدودة العدد التي تجرى بالأساس لما يسمى بحالات الاشتباه.

المفاجأة السارة ولكن الغريبة.. دول الحروب الأهلية خالية من المرض
الدول العربية المنكوبة بالحروب الأهلية مثل سوريا وليبيا واليمن، تبدو في حال غريب، إذ تكاد تكون خالية من المرض رسمياً باستثناء إعلان سوريا أخيراً اكتشاف حالة، حتى أن الأمر استفز مسئولاً بارزاً في منظمة الصحة الدولية.

إذ عبر رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية عبدالنصير أبو بكر عن قلقه من نقص حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المبلغ عنها في سوريا واليمن، مضيفاً قد نتوقع “انفجاراً في الحالات”.

وأوضح المسؤول في منظمة الصحة العالمية “في حالة سوريا.. أنا متأكد من أن الفيروس ينتشر لكنهم لم يكتشفوا الحالات بطريقة أو بأخرى. هذا هو شعوري، لكن ليس لدي أي دليل لإظهاره”، وتابع “عاجلاً أم آجلاً، قد نتوقع انفجار حالات (هناك)”.

ولا يعرف هل السبب في ذلك هو إخفاء السلطات المختلفة الممثلة للقوى التي تتصارع على أجزاء هذه البلاد، حتى أن مصادر خاصة قالت لـ “عربي بوست” إن قيادة القوات التابعة لللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ترفض أن يتم الإعلان عن الحالة الأولى للإصابة بكورونا في المناطق الخاضعة للجنرال لأن هذا أمر يمس بمعنويات قواته.

أم إن السبب في عدم اكتشاف المرض هو عدم غياب القدرات الطبية لتشخصيه عند هذه الدول المنكوبة.

وقد يكون السبب أن هذه الدول ليست مقصداً للسياحة والسفر، فالناس تفر منها ولا تأتي إليها وقد يكون ذلك قد آخر مجيء المرض (قد يكون لافتاً في هذا الصدد إن إيطاليا وإسبانيا بؤرتي تفشي المرض هما اثنتان من أبرز الوجهات السياحية في العالم).

أما العراق فيبدو حالة مختلفة، فهو يعاني من نسبة ليست قليلة من انتشار كورونا بمعايير المنطقة، كما أنه الجار الملاصق لإيران بؤرة تفشي المرض في المنطقة.

كما أن العراق لديه وضع غريب.

فهو يعاني من اضطرابات داخلية حادة ولكنها لم تصل لدرجة الحرب الأهلية التي تجعل الناس تهرب من الشوارع أو تخشى الوقوف في التجمعات البشرية الكبيرة خوفاً من القذائف مثلما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا.

بل على العكس في العراق سلطة ضعيفة لا تستطيع أن تفرض الإجراءات الاحترازية، ومظاهرات مستمرة ضد هذه السلطة، كما تعاني البلاد من ترد للخدمات بما فيها الصحية، إضافة إلى أن البلاد ذات كثافة سكانية ليست بقليلة.

الأمر الذي يجعل العراق مرشحاً لتصاعد المرض، الذي انتشر في إيران المجاورة رغم قوة السلطة بها وامتلاكها نظاماً صحياً أكثر كفاءة.

هل الطقس وراء عدم تفشي كورونا في العالم العربي؟
من اللافت أن التفشي الحالي للمرض يرتبط ببلدان تتسم بطقس بارد نسبياً أو بالأحرى طقس معتدل بارد وليس شديد البرودة، بينما وجود المرض في الدول ذات المناخ المداري والحار مثل الدول الإفريقية أضعف كثيراً.

كما أن إيران بؤرة كورونا في الشرق الأوسط هي بلد مناخه بصفة عامة أبرد من معظم دول المنطقة، خاصة في الفترة التي توسع فيها الفيروس بشكل كبير.

ولكن منظمة الصحة العالمية قالت إنه لا يمكن تأكيد أن المرض ستيراجع مع مجيء دفء الربيع وحرارة الصيف، ولم يتسن لنا الوصول لأي دراسات تشير إلى أن الحرارة المعتدلة للعالم العربي أو غيره من الدول في هذا الوقت هي السبب في عدم تفشيه بشكل كبير، علماً بأن هناك دولاً عربية مثل دول المغرب العربي والشام لا تختلف درجة الحرارة فيها كثيراً عن إيطاليا وإسبانيا.

وأكدت المنظمة أن فيروس كرونا يعيش فى المناخ البارد والرطب وكذلك فى المناخ الحار.

هل طبيعة العرق العربي تقلل من انتشار المرض؟
على العكس الشائع بأن العرب ليسوا عرقاً واحداً، فإن الشعوب العربية ومعها الأمازيغ والبجة والمهريون وكثير من السكان غير العرب بالدول العربية ينحدورن في الأصل من مجموعة سلالية وعرقية واحدة قديمة يسميها العلماء الغربيون المجموعة الأفروآسيوية( Afroasiatic language family ).

وبؤرة فيروس كورونا الحالية ترتبط بالأجناس الأوروبية سواء في أوروبا أو أمريكا.

واللافت أن إيران بؤرة المرض الحالية في الشرق الأوسط يفترض أنها قريبة سلالياً بشكل ما من الأوروبيين، باعتبار أن كليهما ينتمي للسلالة الهندوأوروبية.

ولكن بالإضافة إلى أن هذه التقسيمات هي لغوية أو ثقافية أكثر منها جينية، وهذه الهجرات البشرية غيرت الهويات والثقافات لكن آثارها الجينية ليست كبيرة، فالإيرانيون رغم أنهم ينسبون أنفسهم للعرق الآري عبر الهجرات التي جاءت من من آسيا الوسطى وجنوب روسيا إلى الهضبة الإيرانية قبل الآلاف السنين، فإنهم جينياً يحملون في الأغلب خصائص وراثية شرق أوسطية أكثر منها أوروبية باعتبار أن مثل هذه الهجرات عادة تحقق الغلبة اللغوية والإثنية ولكن ليس العددية.

كما أن الفارق الجيني بين الشعوب العربية وبين الإيطاليين والإسبان وهم الأكثر تضرراً من هذا المرض من الأوروبيين ليس كبيراً، حتى يمكن التعويل على هذا العامل خاصة أنه ليس هناك دراسات بعد حول هذا الموضوع.

هل الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية قوية بما يكفي؟
قد تكون الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية غير قوية بما يكفي، أو متأخرة قليلاً، إلا أن المتابع للأزمة سيلاحظ أن إجراءات أغلب الدول العربية أو نسبة كبيرة منها كانت أفضل من الدول الأوروبية في الأغلب.

كما أن سهولة السفر والحركة داخل أوروبا التي كان ينظر لها أنها أبرز إنجازات الاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون قد ساعدت على انتشار المرض.

ويبدو واضحاً أن دول الخليج تحديداً بالإضافة إلى الأردن، وبصورة أقل دول المغرب العربي سارعت لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة من أوروبا وأبكر مقارنة بمراحل الأزمة.

بينما تأخرت مصر فيما يمكن أن نسميه إجراءات المنع والحظر، وبدا أنها تتبع أكثر النموذج الأوروبي الذي يخشى العواقب الاقتصادية للإجراءات المتشددة، فتأخرت في فرض حظر السفر، خاصة في حالة دولة مثل إيطاليا يوجد بها أكبر جالية مصرية في أوروبا.

وبدا واضحاً أن القاهرة في المرحلة الأولى كانت تخشى على علاقتها مع الصين وقطاعها السياحي المتعافي، غير مدركة أن السياحة في العالم كله ستنهار.

والحقيقة أن الطبيعة الاقتصادية والسكانية لدول الخليج قد تسمح بمثل هذه الإجراءات الصارمة دون خسائر كبيرة مقارنة بالآخرين.

فدول الخليج دول قليلة السكان، أجهزتها وخدماتها المختلفة لديها إمكانيات قوية، كما أنها دول تعتمد على النفط بشكل كبير الأمر الذي يعني أن تعطيل باقي المصالح الاقتصادية لن تكون نتائجه المالية هائلة مادامت تصدر النفط، وما دام لديها احتياطات مالية.

في المقابل فإن الدول الكبيرة السكان التي ليس لديها موارد طبيعية وتعتمد على الإنتاج مثل مصر والدول الأوروبية، فإن قرارات الإغلاق أصعب عليها وأكثر تأثيراً.

والأردن رغم أنه دولة فقيرة الموارد، إلا أنه أيضاً دولة قليلة السكان، لديها حكومة قوية بما في ذلك الشرطة والجيش، وقطاعات خدمية قوية نسبياً، مما مكنها من تنفيذ حظر التجول الذي أعلنت عنه.

ونفذت تونس إجراءات مشابهة وتعهد الرئيس التونسي بتوصيل السلع والخدمات للمواطنين، كما يبدو أن المغرب أقرب للنموذج الأردني والتونسي، في المقابل ينتقد نشطاء جزائريون تأخر حكومتهم في فرض إجراءات الحجر الصحي على المغتربين القادمين من فرنسا.

بصفة عامة يلاحظ أن دول الخليج والأردن وفلسطين والمغرب العربي (باستثناء ليبيا) اتخذت خطوات احترازية مثل حظر التجول أو ما يشابهه في مرحلة أبكر من انتشار المرض بكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

فلقد فرضت العديد من الدول العربية بالفعل حظر تجول رغم أن أعداد المصابين ونسبهم أقل بكثير من الدول الغربية.

على العكس فإن مصر البالغ عدد سكانها نحو مائة مليون من بينهم أكثر من 5 ملايين موظف وأعداد هائلة من العاملين في القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي والإجراءات باليوم تبدو متحفظة حتى الآن على خطوة حظر التجول، ولا يعرف هل السبب خوفها من تداعياته الاقتصادية أم لصعوبة تنفيذه.

ولكن هناك تقارير بإمكانية فرض القاهرة للحظر خلال أيام مع تصاعد وتيرة المرض.

يبقى أن نجاح الدول العربية في تخفيض وتيرة المرض مقارنة بجيرانهم الأوروبيين لا يجب أن يكون سبباً في طمأنينة كاذبة أو إبطاء للخطوات اللازمة، فالدرس الأساسي الذي يقدمه كورونا أنه حتى لم يعط فرصة للدول المتقدمة عندما تأخرت في بعض القرارات.

.

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.