تركيا الان

عن الأحزاب “الصغيرة الجديدة” في تركيا

 

تُعرف تركيا بالعدد الكبير من الأحزاب السياسية فيها، فحسب بيانات وزارة الداخلية في أيلول/ سبتمبر الفائت، ينشط فيها 116 حزباً سياسياً، معظمها من الأحزاب الهامشية الصغيرة غير الممثلة في البرلمان أو البارزة في المشهد السياسي الداخلي.
غير أن جزءاً من الأحزاب الصغيرة مثّلَ ظاهرة في الحياة السياسية التركية في السنوات الأخيرة، وهي على وجه التحديد الأحزاب التي انشقت عن الأحزاب التقليدية الكبيرة أو خرجت من رحمها، وأسّستها قيادات سابقة بارزة في هذه الأحزاب.

فقد أسس القياديان السابقان في العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو وعلي باباجان حزبَيْ “المستقبل” و”الديمقراطية والتقدم” على التوالي، وانشق عن الحركة القومية مجموعة من القيادات أسست الحزب “الجيد” بقيادة ميرال أكشنار، ثم انشق عن الأخير حزب “النصر” بقيادة القيادي السابق فيه أوميت أوزداغ.
 

جزء من الأحزاب الصغيرة مثّلَ ظاهرة في الحياة السياسية التركية في السنوات الأخيرة، وهي على وجه التحديد الأحزاب التي انشقت عن الأحزاب التقليدية الكبيرة أو خرجت من رحمها، وأسّستها قيادات سابقة بارزة في هذه الأحزاب

كما انشق عن الشعب الجمهوري عدة أحزاب صغيرة آخرها وأهمها حزب “البلد” بقيادة القيادي السابق فيه ومرشحه للانتخابات الرئاسية محرم إينجه، وعن حزب السعادة حزب “الرفاه مجدداً” بقيادة فاتح أربكان، نجل زعيمه الراحل نجم الدين أربكان.

ولئن بقي حزب الشعوب الديمقراطي الوحيدَ غير المتشظي حتى اللحظة من الأحزاب الكبيرة المعروفة، إلا أن هناك خلافات معروفة داخله وشائعات حول انقسام قد يتعرض له قريباً، ما يعني أن ظاهرة تشظي الأحزاب السياسية تشمل جميع الأحزاب المعروفة في تركيا مؤخراً.

ولئن كانت الخلافات داخل هذه الأحزاب هي السبب الرئيس للانشقاقات، إلا أن الانتقال للنظام الرئاسي في 2018 قد ساهم في ذلك بشكل ملحوظ وسرّع خطواتها، من باب أن مؤسسة الرئاسة باتت أهم بكثير من البرلمان من جهة، وتشكيل الحكومات يتم بغض النظر عن ثقل الأحزاب في الأخير من جهة ثانية.

لئن كانت الخلافات داخل هذه الأحزاب هي السبب الرئيس للانشقاقات، إلا أن الانتقال للنظام الرئاسي في 2018 قد ساهم في ذلك بشكل ملحوظ وسرّع خطواتها

حالياً، تبدو الأحزاب الصغيرة المستجدة في الساحة التركية غير مؤثرة في المشهد السياسي. فاستطلاعات الرأي لا تعطيها وزناً كبيراً، وهي أقل حضوراً بكثير من العتبة الانتخابية التي يشترط لدخول البرلمان تخطيها أو التحالف مع حزب يتخطاها (10 في المائة)، ولا أحد منها يملك حالياً عدداً مؤثراً من النواب في البرلمان، كما أن تاريخ تركيا السياسي يشهد بغياب التأثير الكبير للأحزاب المنشقة عن أحزاب عريقة.

بيد أن الثقل الحقيقي لهذه الأحزاب قد يكون أكبر مما يبدو عليه اليوم، وقد تكون مرشحة للعب أدوار أهم في المستقبل. فهي تكسب أنصاراً أكثر مع مرور الوقت، وتكسب حضوراً أكبر في الأزمات والتحديات التي تواجه الأحزاب القائمة. وطبيعة النظام الجديد وحالة الاستقطاب الشديد بين التحالفَيْن الرئيسين في البلاد تجعلان كلَّ درجة وربما كلَّ صوت في الانتخابات المقبلة مهماً، ما يرفع من أهمية وثقل هذه الأحزاب في نظر الأحزاب الكبيرة التي ستسعى للتوافق وربما التحالف معها.

كما أن العتبة الانتخابية مرشحة للخفض أكثر ضمن قانون الانتخاب الجديد، بحيث تكون 7 في المائة أو 5 في المائة وربما أقل، ما قد يفتح الباب لبعضها على الأقل لدخول البرلمان بمفردها.

في المقابل، لا تبدو مهمة هذه الأحزاب سهلة ولا دربها ميسّرة، فمن الصعب عليها – على معظمها على الأقل – دخول البرلمان بمفردها وفق الظروف الحالية، وتحالفها مع الأحزاب الأقرب لها فكرياً وسياسياً صعب جداً لأنها الأحزاب الكبيرة التي انشقت عنها في الأصل، بينما تحالفها مع خصومها (وخصوم الأحزاب التي انشقت عنها) قد يعني انتحاراً سياسياً في نظر كوادرها وأنصارها.

لكل انتخابات ظروفها وسياقها وشروطها التي تفرض نفسها على مختلف اللاعبين، وقد تجد هذه الأحزاب (والأحزاب التقليدية كذلك) نفسها أمام واقع مختلف بين يدي الانتخابات المقبلة

بهذه النظرة تبقى الأحزاب الجديدة اليوم دون توجهات واضحة بخصوص التحالفات الانتخابية، خصوصاً وأنها مشغولة بتثبيت أقدامها وإقناع الشعب ببرامجها وحشد الأنصار، إلا أن اقتراب موعد الانتخابات في حزيران/ يونيو 2023 واحتمالات تبكيرها قد تضعها أمام لحظة الحقيقة قريباً جداً.

ولذلك قد يكون الخيار الأسلم – وليس بالضرورة الأفضل – بالنسبة لهذه الأحزاب الجديدة أن تشكل فيما بينها تحالفاً ثالثاً، بحيث يضم الأقرب منها لبعضها البعض فكرياً وسياسياً، وبما يضمن لها تخطي العتبة الانتخابية معاً، ويجنبها الدخول في معركة مباشرة – تحالفاً أو صراعاً – مع الأحزاب الكبيرة.

لكن، وكما نقول دائماً، لكل انتخابات ظروفها وسياقها وشروطها التي تفرض نفسها على مختلف اللاعبين، وقد تجد هذه الأحزاب (والأحزاب التقليدية كذلك) نفسها أمام واقع مختلف بين يدي الانتخابات المقبلة. وكما قال الرئيس التركي الأسبق سليمان دميريل: “24 ساعة مدة طويلة جداً في السياسة” في تركيا.

بواسطة / سعيد الحاج
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركيا الآن”

أحدث الأخبار

أنقرة: على المجتمع الدولي التحرك بحزم ضد عدوان إسرائيل بالمنطقة

قالت وزارة الدفاع التركية، الخميس، إنه يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات حازمة ضد ممارسات…

04/12/2025

270.6 مليار دولار.. صادرات تركيا السنوية تسجل رقما قياسيا

أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط تسجيل صادرات البلاد من السلع في آخر 12 شهرًا…

04/12/2025

مسؤول تركي يحذر: أزمة المياه تهدد بحروب وهجرات كبرى وأزمات عالمية

حذّر نائب وزير الزراعة والغابات التركي، أبو بكر غيزلي غيدر، الاثنين، من احتمال اندلاع أزمات…

02/12/2025

رقصة الماء والغاز في قلب تركيا.. فوارة باردة تخطف الأنظار

تتحول منطقة "أولو كيشلا" في ولاية أقسراي، وسط تركيا إلى محطة لافتة لعشّاق الطبيعة وهواة…

01/12/2025

الاقتصاد التركي ينمو 3.7 بالمئة في الربع الثالث

حقق الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 3.7 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام…

01/12/2025

إعلام عالمي يسلط الضوء على نجاح المسيرة “قزل ألما” في إصابة هدف جوي

سلطت وسائل إعلام عالمية على نجاح المسيرة "بيرقدار قزل ألما" التركية في إصابة هدف جوي.…

01/12/2025