تركيا الان

العلاقات التركية السعودية: اختبار التطبيع مع ابن سلمان

نقلت تقارير عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله يوم الجمعة أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيزور تركيا يوم الأربعاء (22 حزيران/ يونيو الحالي). وكانت تقارير سابقة قد أشارت إلى أنّ هذه الزيارة هي جزء من جولة أوسع تشمل كل من مصر والأردن أيضاً. وتعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها لولي العهد السعودي إلى أنقرة بعد جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في العام 2018، والتي كانت قد أدّت إلى تدهور كبير في العلاقات بين البلدين، نجم عنه تدن في العلاقات السياسية، وتراجع حاد في العلاقات الاقتصادية، فضلاً عن التوتر في المواقف الرسمية إزاء عدد من الملفات الإقليمية.

وتأتي زيارة محمد بن سلمان المنتظرة في سياق جهود تطبيع العلاقات بين البلدين، وهي الجهود التي تكثّفت بعيد اتفاق العلا بين الرياض والدوحة بداية عام 2021. وأنهى الاتفاق المذكور الحصار الذي فرضته السعودية مع ثلاث دول أخرى على قطر عام 2017، بعد أن فشل في تحقيق أهدافه. كما سمح اتفاق العلا بإنهاء الأزمة الخليجية وإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية وتحقيق مصالحات بينية وإقليمية واسعة.وبالرغم من التقدم الذي تحقّق بين تركيا والسعودية بعد أكثر من سنة من جهود التقارب، إلا أنّ الخرق الحقيقي في جهود التطبيع بين الجانبين حصل في نيسان/ أبريل الماضي، عندما زار الرئيس أردوغان السعودية آنذاك للمرة الأولى منذ العام 2017، والتقى خلال الزيارة كل من الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان. لكن مخرجات الزيارة طرحت تساؤلات حول مدى جدّية الجانب السعودي، لا سيما مع المهاترات التي سادت بعض وسائل الاعلام السعودي حول الزيارة.

كان لافتاً أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى السعودية خلت من أي بيان ختامي أو صحافي مشترك، كما أنّها لم تشهد توقيع أي اتفاقية أو مذكرة تفاهم، وهو ما قرأه البعض بشكل سلبي. فضلاً عن ذلك، فقد أجّل ولي العهد السعودي زيارته المرتقبة إلى أنقرة مرّتين دون سبب واضح

وكان لافتاً أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى السعودية خلت من أي بيان ختامي أو صحافي مشترك، كما أنّها لم تشهد توقيع أي اتفاقية أو مذكرة تفاهم، وهو ما قرأه البعض بشكل سلبي. فضلاً عن ذلك، فقد أجّل ولي العهد السعودي زيارته المرتقبة إلى أنقرة مرّتين دون سبب واضح، مع أنّ بعض التقارير أشارت إلى أنّ وراء التأجيل أسباب شخصية منها ما يتعلق بصحّة الملك سلمان. ويُنظر إلى زيارة ولي العهد المنتظرة على أنّها بمثابة اختبار لنوايا السعودية الحقيقيّة، كما ينتظر كثير من المراقبين هذه الزيارة لتقييم جهود التقارب بين البلدين، وعمّا إذا كان سيحمل محمد بن سلمان معه ما يشي بوجود جدّية في جهود التطبيع.

من ناحيته، يؤكد الجانب التركي على نيّته فتح صفحة جديدة وتعميق التعاون في المجلات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والدفاعية والأمنية والثقافية والسياحية مع اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط. وتتطابق هذه التوجهات مع سياسة خفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، والتي أدّت إلى إطلاق جهود تطبيع العلاقات بين عدد كبير من اللاعبين الاقليميين مؤخراً. في المقابل، لا تبدو السياسة الخارجية الإقليمية للمملكة العربية السعودية واضحة حتى الآن، وذلك بخلاف لاعبين آخرين.

شكل الزيارة التي يعتزم ولي العهد السعودي القيام بها إلى تركيا، وما سيرافقها من تصريحات وتعليقات وربما مذكرات تفاهم واتفاقيات، سيساعدنا على تحديد الاتجاه الذي ستسلكه العلاقات بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة

من هذا المنطلق، فإنّ شكل الزيارة التي يعتزم ولي العهد السعودي القيام بها إلى تركيا، وما سيرافقها من تصريحات وتعليقات وربما مذكرات تفاهم واتفاقيات، سيساعدنا على تحديد الاتجاه الذي ستسلكه العلاقات بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة. علاوةً على ذلك، ستوفّر هذه المعطيات مؤشرات حول إذا ما كانت الرياض جادة فعلاً في فتح صفحة جديدة أم لا، وستسلط الضوء على أولويات المملكة في الملفات المشتركة مع أنقرة خلال المرحلة المقبلة، سواءً في القضايا ذات الطابع الثنائي أو في القضايا ذات الطابع الإقليمي.

الانطباع الأوّلي بخصوص ما هو متوافر حتى الآن عن التقارب في العلاقات التركية- السعودية يطغى عليه الحذر. لذلك، من المهم في هذا السياق أن يكون هناك تقييم موضوعي، وألاّ يسيطر الجانب العاطفي على الجانب العقلاني في تقييم التقدّم الحاصل في التطبيع بين الطرفين. هناك مصلحة مشتركة من دون شك لتركيا والمملكة العربية السعودية في حصول تعاون بين البلدين في مختلف المجالات، تعاون من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي أيضاً على عدد كبير من دول المنطقة، خاصة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنيّة الجسيمة التي تعصف الآن بمنطقة الشرق الأوسط.

الجانب الإيراني كان قد عبّر بشكل سلبي عن موقفه من التطورات الإيجابية للعلاقات بين البلدين، مشيراً إلى أنّ نجاح هذه العلاقة من شأنه أن يشكل خطراً على النفوذ الإيراني في المنطقة. لكن إلى أي مدى من الممكن لذلك أن يحصل؛ سيعتمد بالدرجة الأولى على نوايا السعودية وأجندتها تجاه تركيا

كان من اللافت أيضاً أن يتم الحديث عن اهتمام المملكة العربية السعودية بالمسيّرة القتالية التركية فائقة القدرات من طراز “أكينجي”، وذلك بموازاة الإعلان عن قرب زيارة ولي العهد السعودي إلى أنقرة. إلاّ أنّ موضوع التعاون الدفاعي التركي- السعودي يحتاج ربما إلى نقاش منفصل لاحقاً، ذلك أنّ البيع المحتمل لهذه المسيّرة القتالية الاستراتيجية إلى الرياض لا ينسجم حالياً مع مستوى العلاقات بين البلدين، فضلاً عن تجارب التعاون الدفاعي السابقة والتي انتهت معظمها بخيبات أمل؛ نظراً إمّا لتردّد الجانب السعودي أو لإلغائه الصفقات الكبيرة بسبب مناكفات سياسية.

تجدر الإشارة إلى أنّ العلاقات التركية- السعودية تحظى الآن بمتابعة كبيرة واهتمام بالغ من قبل عدد من اللاعبين الإقليميين في المنطقة، كإيران على سبيل المثال، وذلك نظراً لما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات في حال نجح قطار التطبيع في وضع العلاقات بين الطرفين على السكّة الصحيحة. الجانب الإيراني كان قد عبّر بشكل سلبي عن موقفه من التطورات الإيجابية للعلاقات بين البلدين، مشيراً إلى أنّ نجاح هذه العلاقة من شأنه أن يشكل خطراً على النفوذ الإيراني في المنطقة. لكن إلى أي مدى من الممكن لذلك أن يحصل؛ سيعتمد بالدرجة الأولى على نوايا السعودية وأجندتها تجاه تركيا.

 

بواسطة / على باكير
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركيا الآن”

عرض التعليقات

  • تحليل منضبط ورزين، أحسنتم وأحسن الأستاذ علي باكير

أحدث الأخبار

أنقرة: على المجتمع الدولي التحرك بحزم ضد عدوان إسرائيل بالمنطقة

قالت وزارة الدفاع التركية، الخميس، إنه يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات حازمة ضد ممارسات…

04/12/2025

270.6 مليار دولار.. صادرات تركيا السنوية تسجل رقما قياسيا

أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط تسجيل صادرات البلاد من السلع في آخر 12 شهرًا…

04/12/2025

مسؤول تركي يحذر: أزمة المياه تهدد بحروب وهجرات كبرى وأزمات عالمية

حذّر نائب وزير الزراعة والغابات التركي، أبو بكر غيزلي غيدر، الاثنين، من احتمال اندلاع أزمات…

02/12/2025

رقصة الماء والغاز في قلب تركيا.. فوارة باردة تخطف الأنظار

تتحول منطقة "أولو كيشلا" في ولاية أقسراي، وسط تركيا إلى محطة لافتة لعشّاق الطبيعة وهواة…

01/12/2025

الاقتصاد التركي ينمو 3.7 بالمئة في الربع الثالث

حقق الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 3.7 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام…

01/12/2025

إعلام عالمي يسلط الضوء على نجاح المسيرة “قزل ألما” في إصابة هدف جوي

سلطت وسائل إعلام عالمية على نجاح المسيرة "بيرقدار قزل ألما" التركية في إصابة هدف جوي.…

01/12/2025